جرت خلال شهر نيسان الحالي إنتخابات لمجالس الطلبة في العديد من الجامعات في محافظات الضفة، حصدت خلالها كتلة الشبيبة الفتحاوية الفوز في خمس منها: القدس ابو ديس، القدس المفتوحة، البوليتكنيك، بيت لحم، الخضوري، وفازت كتلة الوفاء الحمساوية في جامعة بيرزيت، وجاءت الشعبية بقارق كبير في المرتبة الثالثة خلف القوتين الاساسيتين. مع ان كتلة حماس، لم تشترك في انتخابات بعض المجالس الطلابية، رغم انها تملك ثقلا في كل الجامعات.
انتخابات الحركة الطلابية إتسمت بالحيوية والاستقطاب الحاد بين الكتلتين الرئيسيتين الشبيبة والوفاء وبدرجة اقل القطب الديمقراطي. وللاسف غابت باقي القوى وكتلها عن المشهد الانتخابي، مما يعكس إضمحلال وتلاشي دورها ومكانتها في اوساط الجسم الحاسم في المجتمع الفلسطيني. وان وجدت تلك القوى وكتلها، فإن وجودها رمزي او معدوم. ففي جامعة بيرزيت، مجموع ثلاث كتل طلابية تابعة للقوى اليسارية (باستثناء الشعبية) والقومية، لم تحصد اكثر من 170 صوتا في الكليات المختلفة.
رغم الاتهامات من قبل بعض الكتل الطلابية وخاصة كتلة الوفاء الحمساوية لاجهزة امن السلطة الوطنية بالتدخل، وتحميل الامور أكثر مما تحتمل، إلآ ان الانتخابات عكست مناخا ديمقراطيا، تجسد بحرية التعبير والمنافسة بين كافة الكتل والتيارات السياسية، وبالاعلان عن البرامج في الاجتماعات والمنابر الانتخابية، وأخيرا بالنتائج، التي افرزتها صناديق الاقتراع. وأي كانت الهفوات او الاخطاء والسلبيات، التي رافقت الحملات الانتخابية، فإنها لم تلغِ الحقيقة الاساسية، التي كرستها الانتخابات الطلابية في الجامعات المختلفة، وهي سعة وصلابة وحرص الشارع الفلسطيني على تعميق الخيار الديمقراطي كأساس ناظم للنظام السياسي الفلسطيني الشرعي. وحماية القيادة السياسية لهذا الخيار. وهو ما يفترض ان يفتح الباب واسعا امام عربة المصالحة بالعمل على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وخاصة تشكيل حكومة وحدة وطنية واجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
غير ان الانتخابات الطلابية، كما في كل مرة تركت للجميع، كل من موقعه وخلفياته وحساباته الخاصة والعامة، دروس وعبر، لعل من يضع اليد عليها، ويرغب في التعلم، الاستفادة منها في السنوات والانتخابات القادمة، منها: اولا ملاحظة ان حركة حماس ركزت على منبرين اساسين، هما البولتكنيك وبيرزيت، ودخلت اليهما في تحد شديد الوضوح، ووضعت كل ثقلها للفوز في كليهما، ولكن الحظ لم يحالفها في الخليل، مع ان المنبر الاخير، يؤمن لها مناخا ملائما، غير انها فازت في بيرزيت، الجامعة الاكثر اهمية في عموم الجامعات الفلسطينية، والتي تعكس المزاج الفلسطيني العام. وفازت وفق بعض تقديرات المراقبين بأكثر من وزنها وثقلها في الشارع، لكنها تسلحت باخطاء الاخرين، وعدم تمكنهم من الدفاع الايجابي عن انفسهم؛ ثانيا فشل كتلة الشبيبة في بيرزيت، يملي عليها إعادة نظر في اليات عملها، والتعلم من الدروس، والكف عن السياسة الاتكالية، وإمتلاك الشجاعة في الدفاع عن قياداتها دون تعلثم او تردد، وتوحيد صفوفها، والعمل دون إنقطاع على مدار العام وليس في اللحظة الاخيرة، اي عشية الانتخابات؛ ثالثا فشل الكتل الطلابية اليسارية والقومية، تملي عليهم إعادة نظر في سياساتها في اوساط الحركة الطلابية، والتواضع في قراءة حجومها، والعمل على توحيد صفوفها مع القطب الطلابي الديمقراطي لتعديل حجومها في المجالس الطلابية بما يتناسب وأوزانها السياسية في منظمة التحرير؛ رابعا على حماس ان تدرك جيدا، ان ما حصلت عليه في بيرزيت، يتجاوز وزنها الحقيقي في الساحة الطلابية والاجتماعية، لان ما حصلت عليه، كان نتيجة أخطاء وقعت فيها كتلة الشبيبة واليسار على حد سواء. كما عليها ان تستثمر ما حصلت عليه في بيرزيت في دفع عربة المصالحة للامام، والكف عن سياسة التعطيل، وايضا الاستفادة من التجربة بفتح ابواب الانتخابات الحرة والحقيقية في الجامعات في محافظات غزة.
إنتهت إجمالا معركة الانتخابات الطلابية، ولا يملك المرء، سوى المباركة للفائزين في المجالس الطلابية الجديدة. ودعوتهم للانطلاق بقوة لتكريس المعايير الديمقراطية في مناحي الحياة الفلسطينية المختلفة.