الشيء الذي لا يبلى ولا يأكله التراب مهما مر عليه السنين!

تنزيل (1)
حجم الخط

 أخرج الإمام أحمد في المسند والبخاري في صحيحة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل ابن أدم تأكله الأرض الا عجب الذنب فانه منه خلق ومنه يركب ".

وأخرج الإمامان البخاري ومسلم رواية أخرى ( في كتاب التفسير ) من طريق همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا ، فيه يركب الخلق يوم القيامة .. قالوا أي عظم هو ؟ .. قال عجب الذنب .. وفي حديث أبي سعيد عند الحاكم وأبي يعلى : قيل يا رسول الله ما عجب الذنب ؟ .. قال " مثل حبة الخردل " .
 
ومن حديث أبي سعيد الخدري وابن أبي الدنيا وأبي داود والحاكم مرفوعا انه مثل حبة الخردل .. ويروي ابن الجوزي أن ابن عقيل قال : لله في هذا سر لا يعلم إلا هو ، لأن من يظهر الوجود من العدم ، لا يحتاج الى شيء يبني عليه .

وقال الفراء والأخفش : قوله " إلا عجب الذنب " ، أخذ بظاهرة الجمهور فقالوا : لا يبلى عجب الذنب ولا يأكله التراب .. وخلفهم الزنى فقال : كل جسد ابن أدم يتحول الى تراب و " الا " هنا بمعنى الواو والمعنى " وعجب الذنب يبلى أيضا " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل ابن أدم تأكله الأرض الا عجب الذنب فانه منه خلق ومنه يركب " أخرجه البخاري وأحمد عن أبي هريرة .

تحير المفسرون قديما في تفسيرهم لهذا الحديث الشريف ، وأخطأ بعض العلماء في همه أيضا فى عصر العلم الحالي ولما كان الحديث الشريف يتناول حقيقة علمية بجسم الإنسان ، فان الأطباء هم أهل الذكر في هذا الموضوع .. وبداية نقول إن خلايا جسم الإنسان بعد الموت تبلى وتتحول إلى تراب ينتهي إلى تراب الأرض، ولا يبقى منها موجود لا يبلى إلا الذرات والأجسام تبنى وتركب من الذرات، والذرات لا تفنى ولا تبلى.. وبطريق الاستدلال العلمي والاستنباط ، نفهم أن أجسامنا قد تحولت الى تراب الأرض وستركب يوم القيامة من الذرات أيضا ..وعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذرة " بعجب الذنب " .. قال : " ليس من ابن آدم شئ لا يبلى إلا عظم واحد هو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة " .. وقال : " كل ابن آدم تأكله الأرض الا عجب الذنب فأنه منه ومنه يركب".


وقال معظم المفسرين : ان عجب الذنب أخر عظم العصعص .. وقالوا ان ذلك العظم هو الذي لا يبلى من جسم الإنسان بعد الموت ، ومنه يركب خلق الجسم يوم القيامة ، وهذا تفسير علمى بعيد عن الصواب ، وخاطئ علميا ، ونحن كأطباء نعلم يقينا مالا يعلمه غير.

المتخصصين ، من تركيب عظام الجسم وخلقها ، وما تصير إليه ، ويستحيل علينا أن نقتنع بأن عظم العصعص لا يبلى بعد الموت ، ولا يتحول الى تراب ، لأن عظم العصعص وهي آخر فقرات العمود الفقري مكونة من نفس الخلايا العظمية التي منها تتكون عظام الجسم جميعا وتسمى في علم التشريح الأنسجة خلايا عظمية " وهي لا تختلف من عظم إلى عظم ، وهي جميعا فى كل عظام الجسم تنتهي إلى الفناء وتبلى ، ولا يبقى منها إلا ذراتها فهي لا تبلى .. ونقرأ في القرآن الكريم على لسان النبي زكريا يقول الله عز وجل " قال رب انى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا " _ ( مريم – 4 ) .. والآية تشير إلى أن الجهاز العظمى في الجسم جهاز واحد ، إذا ضعفت عظمة منه ، فأن الضعف يدب فى كل عظام الجسم الأخرى ، وهذه حقيقة علمية اكتشفها الأطباء حديثا ، مما يدل على إعجاز علمي عجيب .. وإذا حدث بعظمة هشاشة ، فلابد أن تكون عظام الجسم كذلك ، وعظام العصعص يجرى عليها ما يجرى على باقي عظام الجسد .

وكل عظمة فى الجسم لها عمر بيولوجي ، وما ان ينتهي حتى تتجدد خلايا العظمة بخلايا جديدة أخرى ، طبق الأصل من الخلايا التي ماتت وبليت ، وانتهت إلى تراب اختلط بتراب الأرض .. ولا يبقى بعد الموت أي أثر لعظام من الجسم لا عظام العصعص ولا غيرها ، فكلها تحولت الى تراب ، وما يبقى منها يبلى ، إلا ذراتها فهى لا تبلى .. واذن فالتعبير اللغوي " عجب الذنب " لا يعبر عن عظم من عظام الجسم ولابد أنه يشير الى معنى أخر ، فلا يفسر على ظاهر اللفظ ، ولابد أن يفسر على المجاز أو الكناية ، وليس أمامنا من الناحية العلمية الا أن نسلم أن "عجب الذنب " يعني " الذرة " .

ولا ندري من أين جاء المفسرون بتفسير عجب الذنب بأخر عظام العصعص ، ونحن نرى آثار قبور الآباء والأجداد بل وقبور القدامى الذين ماتوا فى عصور قديمة مضت ، لا نجد أثرا من عظم لأجسادهم ، فقد تحولت أجسادهم إلى تراب الأرض .. ولقد ركبت أجسادهم في الدنيا من ذرات ، ومن المنطقي أن تركب أجسامهم يوم القيامة من ذرات أيضا ، ولابد أن يكون التعبير اللغوي في الحديث النبوى بخضراء الدمن الذي يعني المرأة الحسناء في المنبت السوء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اياكم وخضراء الدمن " .. قالوا وما ذاك يا رسول الله ؟.. قال :
" المرأة الحسناء في المنبت السوء "( أي مثل نضارة الكلأ الأخضر الذى ينبت من أرض منتنة فالدمن : تراب مختلط بفضلات الحيوان فى حظيرة الماشية  .

والذين قالوا ان عجب الذنب هو آخر عظام العصعص أمرهم عجب ، فلا هم أطلعوا على الأصل اللغوى لذلك التعبير ، ولا هم سألوا المتخصصين من الأطباء ، ولا هم قرأوا شرح الحديث الشريف في صحيح البخاري .. فنقرأ في القاموس المحيط أن العجب مؤخرة الشئ ، والذنب له أكثر من معنى ، يعنى الذيل كما كما نقول : ذنب القطأ وذنب الحصان . وإذا قلنا ذنب الحصان ، فانه يعنى ذيل الحصان ، كما يعنى نجما فى السماء يشبهه .. وذنب الثعلب يعنى نباتا يشبهه ، وذنب الخيل يعنى نباتا بهذا الاسم .

والذنب من الناس : أقلهم شأنا ، وأذناب الناس أتباعهم وسفلتهم .

أما في تفسير صحيح البخاري ، فقد جاء فى حديث أبي سعيد والحاكم وأبي يعلى وأبي الدرداء :
قيل يا رسول الله وما عجب الذنب ؟ .. قال : مثل حبة خردل .. ولقد ذكرت حبة الخردل في أحاديث نبوية تقارنها بالذرة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من كبر " .. ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء " . وإذا تدبرنا هذه الأحاديث النبوية ندرك أن عجب الذنب لا يمكن أن يكون معناه آخر عظم العصعص كما تبادر إلى ذهن كثير من العلماء . معناه الذرة ومن قال غير ذلك لا يستند إلى أي دليل علمي صحيح .