لم تنتظر إسرائيل طويلاً لتعلن رفضها الرسمي للمبادرة الفرنسيّة الرامية لعقد مؤتمر دولي في باريس، في حزيران المقبل، لتحريك عمليّة التسوية مع الفلسطينيّين، وفق رؤية وبرنامج زمني واضحَين. وأعلنت إسرائيل أنَّ المبادرة الفرنسيّة «تبعد الفلسطينيين عن المفاوضات المباشرة»، مشدّدة على تمسّكها بالمفاوضات المباشرة بوصفها «السبيل الأفضل لحلّ النزاع».
وبرغم أنَّ كبار المسؤولين الإسرائيليّين أبدوا تحفّظاتهم تجاه المبادرة الفرنسيّة فور إعلانها، إلَّا أنَّ هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها حكومة بنيامين نتنياهو رفضها المبادرة الفرنسيّة.
وفي بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة الإسرائيليّة، جاء أنَّ إسرائيل تتمسّك بموقفها القاضي بأنَّ المفاوضات المباشرة هي أفضل سبيل لحلّ النزاع، وأنَّ تل أبيب مستعدّة للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وجاء الردّ الإسرائيلي الرسميّ، بعدما قامت فرنسا بتوزيع دعوات لعشرات الدول لحضور مؤتمر تمهيدي على مستوى وزراء الخارجيّة يُعقد نهاية الشهر المقبل في العاصمة الفرنسيّة، لتحديد برنامج المؤتمر الدولي الذي سيُعقد في حزيران.
ومن المؤكّد أنَّ الردّ السلبيّ الإسرائيلي، جاء ليشكّل ثقالة على الموقف الأميركي، ولمنعه من تأييد الخطوة الفرنسيّة. وليس مستبعداً أنَّ حكومة نتنياهو تجرّأت على اتّخاذ هذا الموقف بعدما طالب أعضاء في الكونغرس الأميركي إدارة أوباما بالوقوف ضدّ الخطوات الفلسطينيّة في الأمم المتحدة، وضدّ أيّ محاولة دوليّة لفرض حلّ على الطرفين. كما جاءت بعدما قدّمت غالبيّة أعضاء مجلس الشيوخ كتاباً تضغط فيه على إدارة أوباما من أجل زيادة المساعدات العسكريّة السنوية لإسرائيل. ومن الجائز أنَّ هذه الغالبيّة، شجّعت حكومة نتنياهو على رفض المبادرة الفرنسيّة، على أمل أن لا تستطيع الإدارة الأميركيّة تأييدها أو غضّ الطرف عنها.
وأعرب الردّ الإسرائيلي عن انتقاد واضح للبُعد الدولي في المبادرة الفرنسيّة، وواقع أنّها تتمّ بالتنسيق الوثيق مع دول عربيّة ـ وفي مقدّمتها مصر ـ وتتبنّى المبادرة العربيّة. وقالت إسرائيل إنَّها لا تؤمن بهذه المقاربة، فهي تفضّل المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، رغم أنَّ كل جولات المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، مُنيت، حتى الآن، بالفشل الذريع.
وكما سلف، فإنَّ هذا الردّ الرسمي جاء بعد تلميحات وتلويحات إسرائيليّة. فقد سبق لرئيس الحكومة الإسرائيليّة أن أعلن أنَّ المبادرة الفرنسيّة «تشكّل تحفيزاً للفلسطينيين بعدم إبداء مرونة»، كما قال إنّها مبادرة «غريبة». ولكن المبعوث الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة، داني دانون، قال، في معرض رفض المبادرة، إنَّ «إسرائيل لن تدير مفاوضات، والمسدّس مصوّب إلى صدغها».
ويمكن القول إنَّ الردّ الإسرائيلي كان متوقّعاً من جانب فرنسا التي سبق لوزير خارجيّتها أن أعلن أنّه في حال فشل عقد المؤتمر الدولي، فإنَّ فرنسا ستعترف بدولة فلسطين على حدود العام 1967. ومن المستبعد أن يلغي الردّ الإسرائيلي المساعي الفرنسيّة، لكن الوضع قد يتّجه من الآن فصاعداً نحو حشد موقف دولي لتمرير قرارات بروحيّة المبادرة الفرنسيّة في مجلس الأمن الدولي.
ومعروف أنَّ المبادرة الفرنسيّة تتبنّى جوهريّاً كلاً من المبادرة العربيّة و «صيغة كلينتون» بشأن القدس وخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن استناد الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينيّة على خطوط حزيران 1967 مع تبادل أراضٍ. وتردّد أنَّ المبادرة الفرنسية، تتناول أيضاً مسألتي التنازل عن حقّ العودة، والاعتراف بيهوديّة إسرائيل.
وبحسب المقرّر، فإنَّ اجتماع وزراء الخارجيّة الدولي، سيخلو من وجود ممثّلين إسرائيليّين وفلسطينيّين، وبحضور وزراء خارجيّة الدول العظمى والاتّحاد الأوروبي وبعض الدول العربيّة والآسيوية. وبرغم أنَّ غالبية الدول المدعوّة إلى المؤتمر سبق وأعطت موافقتها على الحضور، إلَّا أنَّ الموقف الأميركي ما زال غير واضح حتى الآن. وقد أعلن المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، أنَّ الوزير جون كيري لم يقرّر بعد ما إذا كان سيشارك في الاجتماع الذي سيُعقد في 30 أيار المقبل، أم لا. وقال جون كيربي، إنَّ إدارة أوباما لا تزال تدرس الاقتراح الفرنسي، وتُجري اتّصالات بشأنه مع دول مختلفة في العالم.
وأثار موقف الحكومة الإسرائيليّة برفض المبادرة الفرنسيّة، انتقاد «المعسكر الصهيوني»، إذ أعلن عضو الكنيست، نحمان شاي، أنّه «في مطلع الربيع، حكومة نتنياهو تستدعي لنا شتاء سياسياً. هذه حكومة الرفض. والحكومة تغرقنا في عزلة سياسية وفي تسوية مفروضة، ضدّ رغبة إسرائيل. من دون مستقبل ومن دون أمل
لا أحد يغامر بالحسم .. الجميع ينتظر أخطاء الطرف الآخر
14 سبتمبر 2023