عمال فلسطين بلا عيد

12767530_10204605588974347_471225390_n
حجم الخط

تعتبر شريحة العمال من أكثر الطبقات الكادحة في المجتمع الفلسطيني، وذلك لاعتماد جل العاملين على مصادر دخلهم اليومية التي يعتاشون  من خلالها، دون وجود ضامن اجتماعي لحقوقهم، وعدم توفير أدنى متطلبات الحياة للعامل الفلسطيني من أجل أن تحيى أسرته بكرامة دون مد يد العون إلى أحد.

ويأتي يوم العمال العالمي هذا العام في ظل ارتفاع حاد لنسبة الفقر في قطاع غزة، وتفشي البطالة، وتزايد عدد الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، وانتشار المشاكل النفسية والسلوكية لدى العامل الفلسطيني ومحيطه.

وتشير معظم الدراسات إلى أن إجمالي الخسائر التي يتكبدها قطاع العمل الفلسطيني في تزايد مستمر منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى عامنا الحالي.

مع ذلك يبقى لسكان قطاع غزة النصيب الأكبر من كافة الأزمات، ولشريحة العمال بشكل خاص آلام تتجدد وتتفاقم بفعل الحصار الإسرائيلي للقطاع منذ عام 2007 حتى يومنا هذا، حيث أن الدراسات أكدت على أن نسبة البطالة تفاقمت في غزة منذ ذلك التاريخ جراء الحصار الخانق، والعدوان الأخير، والبطء في إعادة إعمار القطاع، وأثبتت عدد من الدراسات أن أكثر من ثلث المواطنين يعيشون ظروفاً اقتصادية سيئة، ويصنفون كفقراء، كما أن معدلات الفقر في قطاع غزة أكثر من 3 مثيلاتها في الضفة الغربية.

لا يخفى على أحد أن البطالة أينما حلت تعتبر قنبلة موقوتة تنفجر في أي لحظة، لما لها من آثر بالغ على نفوس الشبان في ظل افتقارهم لأدنى مقومات الحياة، حيث أن شبح البطالة يعتبر من أخطر الأمراض الاجتماعية لما يترتب عليه من آثار نفسية سيئة قد تؤدي إلى العنف المجتمعي، وسلوكيات خاطئة تتفشى في كافة الدول النامية.

في حين أن عمال الضفة الغربية ليسوا بأفضل حال عن عمال غزة، وذلك بسبب أنهم عرضة دائمة للتعسف الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر، وسعي الاحتلال لإذلالهم مقابل العمل داخل الأراضي المحتلة، عدا عن الحرمان من العمل لمرجعية سياسية أو أمنية، أو كورقة ضغط تدار من أجل النيل من إرادة وكرامة الشعب الفلسطيني.

ما يدلل على أن الاحتلال عمل بسياسة ممنهجة من خلال منع عمال الضفة الغربية، وتشديد الحصار على قطاع غزة، من أجل ضرب الاقتصادي الفلسطيني من خلال استهداف هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع الفلسطيني سعياً لضرب كافة مقومات الحياة وإشغال الفلسطينيين عن الهدف الأسمى.

السياسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني خاصة قطاع غزة، أدت إلى شعور العامل بخيبة الأمل جراء عدم مقدرته على توفير حياة كريمة لأسرته، كذلك تعرض العامل وأسرته للانحراف كنتيجة طبيعية للضغوط النفسية والاجتماعية المحيطة به.

هذه الأزمات التي يمر بها الشعب الفلسطيني ليست بسبب الاحتلال فحسب، بل كان للفصائل الفلسطينية دوراً كبيراً في تكريسها والعمل على تثبيت البطالة وزيادة حدتها، جراء الانقسام الفلسطيني المستمر منذ نحو 10 سنوات، وحرمان قطاع غزة من أبسط حقوق سكانها، دون العمل على حل هذه الأزمات التي تتفاقم يوماً بعد يوم بفعل الحصار والانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، فما من طرف معفو من المسؤولية الاجتماعية تجاه قطاع غزة الذي بات سكانه يعيشون في ظل دمار نفسي أشبه بالكلّي، ما سيدفع نحو حافة الهاوية ويؤدي إلى مزيد من المشكلات النفسية والاجتماعية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سيطرة إسرائيل على كافة مقدرات الشعب الفلسطيني من أراضِ وموارد طبيعية ومعابر, وكذلك انتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين أسهم بشكل مباشر في إضعاف الاقتصاد الفلسطيني، ما يؤثر بالسلب على نسبة البطالة ويزد من تفاقم الأزمات، في ظل صمت عربي على جرائم الاحتلال وانقسام فلسطيني داخلي مرر من خلاله الاحتلال مخططاته الرامية إلى زعزعة المجتمع الفلسطيني من خلال العمل على تحسين الوضع الاقتصادي دون النظر إلى توسع الاستيطان في الضفة وتقطيع أوصالها وإتمام حصار غزة.

هذه المؤشرات تدل على مدى تحكم العدو الإسرائيلي بالاقتصاد الفلسطيني والسعي المتواصل لتدميره، ليظهر أهمية أن يكون الاقتصاد الفلسطيني مستقل بعيداً عن التبعية الإسرائيلية، وهذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال زوال الاحتلال وسيادة فلسطين الكاملة على معابرها وحدودها ومواردها.

وأمام حالة الإحباط التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، وتبعية الاقتصاد الفلسطيني الذي أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ارتفاع نسبة البطالة، فلا بد من وجود موقف فلسطيني  موحد ونبذ الخلافات من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه داخل المجتمع في كافة مكوناته، هذه الأزمات تفرض على حركتي فتح وحماس أن يقفوا عند مسؤولياتهم التاريخية والبدء في حل هذه الأزمات يكمن في إنهاء الانقسام أولاً، والبدء في ترتيب كافة الأوراق الفلسطينية، والتصدي لمخططات الاحتلال الرامية إلى تحقيق أهداف موضوعة أهمها ثني المجتمع الفلسطيني عن التفكير في تحقيق مصيره وإعلان دولته والعيش بحرية وكرامة كباقي شعوب العالم.

وفي هذ اليوم نؤكد على ضرورة أن يكون لعمال فلسطين وكافة العاطلين عن العمل بفعل الحصار والانقسام موقف من هذ التجاهل لأدنى حقوقهم في العيش بكرامة وحرية، لهذه الشريحة المهمة في النسيج المجتمعي الفلسطيني كل تقدير واحترام  وهم يسطرون بصمودهم الأسطوري وتغلبهم على كافة الأزمات لوحة نضالية سيكتبها التاريخ بحروف من ذهب.