جدتي، كتب ستيفان بولارد، في نهاية الاسبوع في «التلغراف»، درجت على أن تخفي حقيبة مليئة، تمهيدا للسفر. ما قصتك، سأل. فأجابت، احتياطا. فنحن لا نعرف ابدا متى قد يحصل هذا. لم افهمها، كتب يقول. فاليهود في بريطانيا يزدهرون، ينخرطون ويتفتحون. وفي الفترة الاخيرة، اضاف، بدت افهمها. فأنا ارتعد حتى اعماق عظامي خوفا من اللاسامية الاخذة في الانكشاف في اليسار البريطاني. لقد عصفت بريطانيا في نهاية الاسبوع. فلم يعد يمكن اخفاء العار. لقد رفعت اللاسامية الرأس في معاقل اليسار. كانت مؤشرات مسبقة على مدى كل الطريق. ولكن من المريح العيش في النكران. فرئيس بلدية لندن السابق كين لفنغستون، الذي يقف في مركز الجلبة، وطرد قبل بضعة ايام من حزب العمال، كان المضيف الرسمي للداعية الاسلامي اللاسامي يوسف القرضاوي. وحذره مسلمون بان هذا سيشجع الاسلاميين فقط. ولكن هذا لم يهمه. قالوا له ان القرضاوي لاسامي يؤيد هتلر. فاستخف. فلماذا إذن يتفاجأ احد حين يواصل لفنغستون؟ لقد بدأت الموجة الحالية مع رئيس خلية الطلاب في حزب العمال في اوكسفورد، اليكس تشلمرس، الذي استقال احتجاجا على المؤشرات اللاسامية في أوساط رفاقه في الخلية. فقرار الخلية تأييد اسبوع الابرتهايد ضد اسرائيل، والذي معناه هو المزيد من التأييد لـ»حماس»، والمزيد من المحاضرين الذين بضاعتهم هي غسل عقول لاسامي – كانت القشة التي قسمت ظهر البعير. ولم تكن هذه فقط العناوين الرئيسة. فالمقالات الافتتاحية ايضا عنيت بالامر. وحاولت «الغارديان» وهي صحيفة العلم لليسار، السير بين القطرات في المسألة الصعبة من حيث اللاسامية مقابل اللاصهيونية. الاخيرة بالطبع شرعية في نظرها. غير أنها هي التي تقرر. وذلك لأنه في المرحلة الحالية ايضا، يعيش معظم اليسار البريطاني في النكران. لا فرق بين رفض حقوق اليهود كأفراد، والذي هو لاسامية، وبين حق اليهود في تقرير المصير كجماعة، الذي هو لاصهيونية. ولا فرق بين التشهير باليهود كافراد وبين التشهير بدولة اليهود. ينبغي بالطبع التمييز بين النقد الشرعي لهذه السياسة أو تلك لحكومات اسرائيل وبين رفض مجرد حق اسرائيل في الوجود، وينبغي التمييز بين النقد والتشهير. ولكن اليسار يصعب عليه التمييز. فمنذ زمن بعيد اجتاز هو كل الخطوط الحمراء. لا تقولوا احتمالا: لأن مؤيدي الخط اللاصهيوني واللاسامي ليسوا ضد المستوطنات. فهم مع «حماس» و»حزب الله». وهذا لا يأتي من الهوامش. هذه قصة جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال. فهو يجد صعوبة في مواجهة أزمة اللاسامية في حزبه، ويواصل الادعاء بانه ضد كل اشكال العنصرية، بما فيها اللاسامية، ولكنه لم يتراجع ابدا عن عطفه العلني على «حماس» وعلى «حزب الله»، وهما الجهتان المؤيدتان لابادة اليهود. هذا بسبب اسرائيل، يعود ويروي لانفسهم بعض من رجال اليسار. يوجد في هذا شيء ما. ولكن ليس بسبب اسرائيل الحقيقية. هذا بسبب اسرائيل التي يرسمون صورتها. «مجموعة قتلة اطفال»، كتب مارك ستيل في «الايندبندنت». اذا كانت هذه اسرائيل، فليس لها حق في الوجود. ولكن لا يدور الحديث عن اسرائيل. يدور الحديث عن فرية دم. في السنة الاولى للغزو الاميركي – البريطاني للعراق قتل اطفال عراقيون كثيرون اكثر، حتى بشكل نسبي مما قتل في كل سنوات النزاع الاسرائيلي – العربي. ولكن ستيل ورفاقه من اليسار البريطاني يجعلون اسرائيل قاتلة اطفال، وبعد ذلك يدعون البراءة بان اللاصهيونية ليست لاسامية. والمجلة المميزة «لانست» تمنح منصة للاساميين معلنين، ممن يتخفون في صورة «نشطاء حقوق انسان» رغم أن مصادر الهامهم مأخوذة من رجل اليمين اللاسامي ديفيد ديوك. إذن توجد مشكلة، ولكن اليسار البريطاني في حالة نكران. الجانب الايجابي في العاصفة يكمن في حقيقة أنه يوجد نقاش، وتنطلق ايضا مواقف واعية وشجاعة. ولكن هذه مجرد البداية. مشكوك أن يتمكن اليسار البريطاني من أن يفهم بان التشهير باسرائيل ورفض حق تقرير المصير لليهود، ولليهود فقط، هو الاساس الذي تنمو فيه اللاسامية المتجددة. هذا الفهم لم يتسلل بعد الى العقول. هكذا بحيث أن اليسار البريطاني بحاجة الى مسيرة طويلة وقاسية من الشفاء. مشكوك أن ينجح في اجتيازها.