صواريخ.. عساكر.. تطبيع.. تركيا تقود الحرب..........نشوى الحوفى

thumbgen (2)
حجم الخط
 

بعيداً عن خلافات غير معلنة بين وجهتَى النظر الأوروبية والأمريكية فى كيفية تحمل تكاليف الوجود فى الشرق الأوسط، وبعيداً عن مهاترات الشعوب فى فهم حقيقة ما يحدث فى منطقتنا المقسمة بين المصالح الخاصة الضيقة والمصالح العامة الواسعة. وبعيداً عن مشهد حلب الحزين الذى صدّروه لنا تحت عنوان فاشية النظام السورى الذى يضرب المدنيين -وهو ادعاء محض افتراء تكذّبه الأدلة على الأرض- دعونا نتوقف عند نقطة الارتكاز التركى فى المنطقة عبر ما نُشر من أخبار على مدار الأسبوع الماضى لنعلم ما يجرى الإعداد له حولنا.

جاء الخبر الأول يحمل توقيع اتفاق أمريكى تركى لنشر بطاريات للصواريخ المضادة على الحدود التركية السورية، وهو ما يعنى تطور القتال هناك، وخاصة مع ما نُشر عن إرسال أمريكا 250 جندياً لسوريا بدعوى محاربة داعش! بينما الهدف الحقيقى من وجود هؤلاء كان تقديم الدعم المعلوماتى واللوجيستى على الأرض للقوات الموالية للأمريكان فى سوريا أياً كانت ملتها وتمويلها. ثم كان خبر توقيع تركيا وقطر لاتفاقية عسكرية صباح الخميس الماضى فى الدوحة تسمح بوجود عسكرى تركى فى قطر المحتضنة لأكبر القواعد العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط ألا وهى قاعدة العيديد. يأتى كل هذا فى ظل ما بدأته تركيا وإسرائيل منذ نحو الشهرين من المسارعة فى عملية تطبيع تركى - إسرائيلى تسمح لتركيا بالوجود فى قطاع غزة بقوة بدعوى إعمار البنية التحتية.

وهكذا، يا سادة، بدأ اللعب على المكشوف فى المنطقة من خلال تركيا الحاضنة لكل تيارات الخراب فى البلدان العربية على أراضيها. بدءاً من توكل كرمان اليمنية، مروراً بالإخوان الفارين من مصر للعمل ضد مصر من إستنبول وأنقرة، انتهاءً بالمعارضة السورية الموصوفة زوراً بالسلمية والذين شهد العالم كله تولى تركيا تدريب آلاف من مقاتليهم على أراضيها بتكلفة 501 مليون دولار أمريكى حسبما أعلن البنتاجون العام الماضى. فهل ندرك معنى تلك الأخبار التى تشير لتغير استراتيجى فى المنطقة وأسلوب التعامل مع قضاياها؟ أم سنواصل البكاء على صور أدمنوا تصديرها لنا لنواصل البكاء دون فهم أو وعى؟

وهنا لا بد لنا من العودة لحوار وزير خارجية قطر السابق -المقيم فى لندن حالياً- حمد بن جاسم المنشور بصحيفة الفاينينشيال تايمز البريطانية يوم 15 أبريل الماضى والذى قال فيه نصاً: «إن قطر أخذت الضوء الأخضر للتعامل مع الملف السورى فى 2012 بينما كانت المملكة السعودية عازفة عن التدخل فى هذا الملف، ثم تراجعت عن قرارها وأرادت من القطريين الجلوس فى المقعد الخلفى لتتولى القيادة فى سوريا ففسدت الطبخة» -على حد وصفه- وهو حوار يوضح كيف تسير الأمور فى المنطقة العربية التى بات يسكنها المغيبون -جهلاً أو عمالةً أو خيانةً لا يهم فالنتيجة سواء- الذين يصرون على هدم الأنظمة أياً كانت النتيجة ويغضون البصر عن معاناة الشعوب العربية فى المنطقة ممن صدّقوا تلك الأوهام الكاذبة عن الديمقراطية المهداة والعدالة المنتظرة من قبَل الغرب الودود المحب لنا. كما يعنى تبدل أدوار اللاعبين وصعود اللاعب التركى للمقدمة.

بينما الحقيقة بسيطة واضحة وضوح الشمس تؤكدها وثائق التاريخ المنطلق من إسرائيل عام 1974 حينما ذهب برنارد لويس للولايات المتحدة حاملاً مشروع التقسيم الصهيونى للمنطقة على أساس طائفى عنوانه ببساطة «إسرائيل لا يمكن أن تكبر أكثر من هذا، وما حولها يجب أن يصغر أكثر من هذا». فكان تعاون لويس - بيرجينسكى، مستشار الأمن القومى الأمريكى لجيمى كارتر، الحاضر حتى تلك اللحظة فى المشهد. وكان إقرار الإدارة الأمريكية لخطة لويس - بيرجينيسكى فى العام 1983. هكذا تقول الوثائق ويؤكدها واقع اليوم الذى اختفت فيه إسرائيل من مقعد العدو وحل مكانها أعداء آخرون من بيننا. فسمحنا بإسقاط جيوشنا أو التطاول عليها وهى خط الدفاع الأول ضد جيش العدو الصهيونى وجيوش الناتو وقواته ومن بينها قوات تركيا العضو فى الناتو منذ العام 1951. فهل نقرأ الصورة بشكل صحيح، أم سنواصل تغييب عقولنا عمداً أو جهلاً؟ ولذا يا سادة، إن كانت الحياة اختيارات، فقد اخترت بلادى.. اخترت مصر.