الحصار أو الانفجار لدعم المفاوض التركي !

796481255764250
حجم الخط

قبل أربعة أعوام من الآن، وبالتحديد، يوم الحادي والثلاثين من مايو / أيار العام 2012، اي بعد الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة عام 2008 / 2009 وقبل حربها الثانية على القطاع في نوفمبر / تشرين الثاني 2012، اقتحمت قوات خاصة إسرائيلية كبرى بواخر أسطول الحرية «مافي مرمرة» التي كانت تقلّ نحو ستمائة متضامن من حركة غزة الحرة، معظمهم من الأتراك، حيث قتلت ما بين 9 _ 19 متضامنا، إضافة الى عشرات الجرحى. على أثر تلك الواقعة توترت العلاقات التركية / الإسرائيلية وهي ذات طبيعة إستراتيجية، وتم قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، واشترطت تركيا لعودة العلاقات، ان تقدم إسرائيل اعتذاراً رسمياً، بعد ان رفضت تشكيل لجنة تحقيق دولية، وان تقدم تعويضات لأسر الضحايا وان تنهي الحصار الذي تضربه حول غزة منذ العام 2006 . بعد أقل من عام، قدم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اعتذاراً رسمياً خلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، وتعهد بدفع التعويضات لأسر الضحايا مقابل عدم ملاحقة أي جهة قد تكون مسؤولة عن الحادث، وبذا اتفق الجانبان على تبادل السفراء وتطبيع العلاقات. فيما بقيت قضية فك الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة قيد التداول بينهما، حيث ان هذا الأمر ظل مدار جدل، واقترحت في سبيله العديد من الاقتراحات، منها، ان يقام ممر مائي يصل غزة بقبرص التركية، كما تضمنت اقتراحات تخص توفير الكهرباء التي تعتبر قضية حيوية لغزة التي تعاني من انقطاع التيار الكهرباء ما بين ثلثين _ ثلاثة أرباع اليوم، بشكل متواصل، الى ان بدأ يطرح إنشاء الميناء الخاص بغزة، خاصة وانه منصوص عليه في أوسلو، حتى آخر الاقتراحات التركية بتزويد غزة بالكهرباء، وذلك عبر إرسال سفينة الكهرباء «السلطانة زينب» لترسو في ميناء أسدود. لم تجد الاقتراحات طريقها للتنفيذ، لأن قضية كسر الحصار لا تقتصر على الطرفين، بل تخص أطرافا أُخرى وتنطوي على تعقيدات عديدة، منها ما هو إقليمي، يخص مصر بالتحديد ومنها ما هو داخلي فلسطيني يخص السلطة ويدخل في جوهر ملف المصالحة وإنهاء الانقسام. أولاً وقبل كل شيء، يمكن القول إن المفاوضات بين تركيا وإسرائيل الجارية حالياً، لا تقتصر على مناقشة ملف حصار غزة، فالملف السوري لا بد أن يكون حاضراً، حيث تساند تركيا علناً خصوم نظام بشار الأسد، فيما تسعى إسرائيل الى ضمان استمرار الحرب الى أطول فترة ممكنة حتى تتفكك الدولة السورية وحتى المجتمع السوري، وتضمن عدم مطالبة احد بالجولان، فضلا عن استمرار هدوء تلك الجبهة عسكريا وسياسيا، وتركيا تحلم بتحقيق شيء لـ «حماس» و»الأخوان» حتى توطد حضورها بين صفوف العرب / السنة، فيما إسرائيل تقيم وزناً لمصالح مصر، وتدرك أن دخول تركيا لغزة يعتبر «حربا» على مصر. ولا شك أن إسرائيل بعد أن عادت العلاقات بين البلدين، على المستوى الدبلوماسي، وكذلك بسبب تقدم النظام السوري على الأرض، في موقف افضل في التفاوض مع تركيا حول ملف غزة. لذا جاء _ بتقديرنا _ إعلان القسام الذي أيده نائب رئيس المكتب السياسي لحماس الأخ إسماعيل هنية، الذي رفع شعار : إنهاء الحصار او الانفجار ليعزز او ليقوي الموقف التفاوضي التركي بالخصوص. يمكن لتركيا لإضعاف الرفض المصري لحل بينها وبين إسرائيل يفتح البحر لغزة، ان تشرك السلطة الفلسطينية او ان تستند الى أوسلو، اي ان تذهب الى إنشاء ميناء يخضع لمبادئ الحكم الذاتي كما كان حال مطار غزة، وكما نصت الاتفاقيات، أي ان يخضع الميناء لسيطرة حكومة التوافق، لكن ذلك سيعني أن تفقد تركيا السيطرة التي تطمح لها على غزة. وربما كانت إعادة طرح هذا الملف أصلا تهدف الى قطع الطريق على ما بدأت تسعى له «حماس» مؤخراً، من محاولة خلق توازن بين المحاور الإقليمية، او حتى ما فعلته عملياً من «مزاد علني» مالي بين قطر والسعودية وسياسي بين مصر وتركيا! المهم عند «حماس» ان تحقق تقدماً ما، ومن يقدم لها الجزرة تقترب منه اكثر من غيره، فإن وافق ابو مازن على شروطها بالمصالحة، وقام بضم موظفيها بالكامل لمالية السلطة، ووافق على السيطرة الشكلية الخارجية على القطاع، أعلنت إنهاء الانقسام، وان وافقت مصر على فتح المعبر، أغلقت الباب أمام المفاوضات التركية / الإسرائيلية، وان قدمت السعودية الأموال اللازمة لحل مشكلة الكهرباء والموظفين، استغنت عن محمد العمادي، وهكذا. لكن لأن الجميع يعلم بان سلطة «حماس» على غزة، إنما هي لـ «القسام»، فإن ايا من تلك الأطراف لا يمكنها ان تتقدم بعيدا بالتوصل إلى حل. طالبت مصر علنا بضمان امن حدودها مع غزة، حتى تفتح المعبر وحتى تتوقف عن ملاحقة الأنفاق، كما طالبت بالتوصل لحل مع السلطة للتوصل للمصالحة، بما في ذلك محاولة التوسط لإطلاق سراح مروان البرغوثي ليساعد في ذلك. لذا تظل إيران / سورية، وراء الكواليس تراقب ما تسعى اليه كل تلك الأطراف منفردة، من محاولات، لن تصل إلى نتيجة، لأن اللاعب الأهم _ برأينا _ ليس هو واحد من كل هؤلاء، ولعل في استقبال المرجع الإيراني الأعلى، اية الله خامنئي لقيادة «الجهاد الإسلامي» في الوقت الذي ما زال يرفض فيه استقبال قيادة «حماس» رسالة واضحة مفادها بان المنطقة عموما وغزة على وجه الخصوص، ليست في جيب أحد ممن يفاوض حول مصيرها ومستقبلها، الذي ما زال رهن الصراعات الإقليمية الحادة والمريرة!