بعد تسعة اشهر سيودع العالم براك اوباما كرئيس للولايات المتحدة. توجد عواصم ستستقبل فيها مغادرته بالترحاب وبتنفس الصعداء، مثل القدس، طهران، موسكو، وبيونغ يانغ. أوباما هو أحد الرؤساء الأميركيين المحبوبين في العالم. زعماء الاتحاد الاوروبي، باقي دول الغرب، أميركا الجنوبية، وحتى الصين يقدرون جدا الرجل وسياسته. كما أنه محبوب في اوساط الجمهور في دول عديدة. في اوساط الفرنسيين، الذين لا يحبون أميركا، فان 86 في المئة من الجمهور يعطي ثقته في سياسة اوباما الدولية (حسب استطلاع معهد "بيو" في 2005). كما أن التأييد له عال في انجلترا – 73 في المئة، المانيا – 71 في المئة، ايطاليا – 77 في المئة؛ وكذلك في الدول النامية ايضا: جنوب افريقيا – 77 في المئة، البرازيل – 63 في المئة، الهند – 74 في المئة. ومعظم العالم يوجد في توافق قيمي مع القوة العظمى. هذا ليس أمرا مفهوما من تلقاء ذاته، لان أميركا هي عرضة للكثير من النار بسبب تفوقها في الساحة الدولية. لقد رمم اوباما السياسة المهدمة لدولته، من عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وسيدخل التاريخ كأحد الرؤساء العظماء لأميركا، وليس فقط بصفته الرئيس الأسود الاول. فقد أنقذ الاقتصاد الأميركي، انتهج عدالة اجتماعية، ولا سيما في مجال الصحة، وسار الى الامام بالمساواة للأقليات وأميركا الليبرالية، مثلما في حقوق طائفة المثليين في الزواج. وفوق كل شيء يحترم اوباما كرئيس سلام. فقد أنهى حربين عديمتي الجدوى في افغانستان والعراق، جرد سورية من السلاح الكيميائي وكذلك منع إيران بالطرق السلمية من امتلاك السلاح النووي، طبّع العلاقات مع كوبا، وانتهج دبلوماسية جماعية، بدلا من استخدام القوة، الى جانب باقي القوى العظمى. اقامة التحالف مع روسيا، الصين، الاتحاد الاوروبي والمانيا هي انجاز مهم في الطريق لحل النزاعات بالطرق السلمية او من أجل استخدام القوة انطلاقا من اجماع دولي. لقد نجح اوباما دوليا، دون أن يكون شرطي العالم. ان الصورة العالمية لاوباما هي ذات أهمية هائلة للولايات المتحدة في سعيها الى تحقيق مصالحها في مكافحة الارهاب الدولي، في تحقيق السلام، في علاقات التجارة الحرة، في اصلاحات المناخ العالمي وغيرها. ان هذه الصورة تتناقض ورؤية حكومة نتنياهو. فنتنياهو يريد رئيسا أميركيا يستخدم القوة، ولا سيما تجاه العرب والمسلمين؛ شرطيا في الشرق الاوسط يتبنى بلا تحفظ سياسة حكومة اسرائيل ويمتنع عن التدخل في صالح تسوية الدولتين. يؤمن نتنياهو بان كل شيء قابل للحل بالقوة، حسب القول بانه اذا كان لديك مطرقة (جيش قوي)، فهذا يعني ان كل مشكلة هي مسمار. يفهم اوباما بان المشاكل في العالم هي اكثر تركيبا؛ فالتقدم البشري نحو مزيد من الديمقراطية والتقدم العلمي والتكنولوجي له أعداء مع ايديولوجيات من العصور الوسطى والحلول للمسائل الدولية مركبة وتحتاج الى تعاون دولي وسياقات طويلة. وفوق كل شيء فانه ما ليس نتنياهو؛ رئيس قيمي يؤمن بالمساواة بين بني البشر، بين الامم، باهمية حقوق الانسان في الولايات المتحدة وفي العالم، وبامكانية التعايش بسلام. لا غرو ان الرئيس الأميركي الذي ساعد اسرائيل أكثر من أي من اسلافه يعارض الاحتلال الاسرائيلي وسياسة الاستيطان. اما نتنياهو، الذي لا يشارك في هذه القيم وتحركه قوى سياسية مسيحانية، فلا يقدر الرجل. فهو في صحبة طيبة مع روحاني وكيم يونغ أون.