أمي وأبي العزيزين،
لقد مرت 75 سنة منذ هروبكما من مقاطعة روزيشتس في بولندا، واوكرانيا اليوم، التي ولدتما وكبرتما فيها الى أن وطأت قدمي مرة اخرى هذه الارض اللعينة. لقد رفضت يا أمي العودة الى المكان الذي قُتلت فيه عائلتك ولم تكوني قادرة على السفر الى اوكرانيا. أبي أنت الوحيد الذي نجا من العائلة، لم توافق على سماع فكرة العودة الى هناك.
وصلت الى المقاطعة التي أحببتماها كأولاد وكرهتماها بعد نجاتكما من المذبحة التي تعرض لها يهود روزيشتس. وقد جاء معي سامي غان، الذي نجح والده وعمه في البقاء بفضل شجاعة والدهما شموئيل الذي وضعهما لدى صديقه المسيحي، والذي نقلهما بدوره الى مسيحي آخر، حيث تم اخفاؤهما. اثناء زيارتنا هنا وعندما وصلنا الى سفارة اسرائيل في كييف، منحنا أولاد المسيحيين وسام محبي أمم العالم الذي قررت "يد واسم" منحهم إياه.
ذُبح هنا 3870 يهوديا، رجالا ونساء واطفالا وشيوخا، مثل القطيع، واثناء زيارتي هنا أظهر لي رئيس الجالية اليهودية وثيقة تحدث الالمان فيها عن 1452 يهوديا آخر تمت اضافتهم الى قائمة المقتولين.
البولنديون الذين لا يسمعون، سمعوا اصوات جر الاقدام لنحمان يوئيل وهنيه، والديك يا أمي، وصرخات اخوتك الشباب حايه وابراهيم ودافيد، الذين قتلهم الجستابو أمام ناظريك قبل فرارك من الغيتو قبل انضمامكما الى الموتى. البولنديون الذين سكنوا على طول الطريق الرئيس شاهدوا والديك وهما يحاولان عدم ابقاء اخوتك في الخلف حتى لا يتعرض لهم الالمان أو البولنديون. وقد حملا على الايدي رايزل البالغة 5 سنوات وايتسيك البالغ 7 سنوات. وقد تم اقتيادهم جميعا الى بئر الموت على مشارف التل في مدخل المقاطعة.
لم أجد أي بولندي أو اوكراني واحد يعترف أنه شاهد أو سمع البكاء والصراخ والصلوات واطلاق الرصاص. لقد سمعوا اطلاق النار وكأنه صوت ماكينة للخياطة. إلا أن هذه الماكينة قد أخرجت الرصاص طوال اليوم الى أن مات الجميع واختلطت دماؤهم. البعض مات بسبب ثقل الجثث الملقاة فوقه قبل وصول الرصاص اليه.
والديّ، أنتما تعرفان أنني واجهت في حياتي الكثير من الألم والفقدان، ولكن الآن في بيتكما الاول الذي تحول الى مقبرة كبيرة لعائلتنا، في المكان الذي قتلت فيه جذوري، فكرت في شيء واحد فقط هو كيف ومن أين استمددتما القوة لانشاء عائلة وانجابي أنا وأختي لهذا العالم. رغم كل شيء وبسبب كل شيء أقمتما عائلة، ايضا في "ارض اسرائيل".
مررت يا أبي اليوم في الشارع الذي سكنت فيه مع عائلتك. وقفت على جانب الشارع وعبرت المفترق سيرا على الاقدام، وتذكرت ما قلته لي قبل وفاتك، وتخيلتك تمشي هناك وأنت تلبس الزي العسكري الروسي حاملاً السلاح على كتفك.
الأولاد الذين التقيت بهم في الشارع قرب منزلك ليست لهم أية صلة بالاولاد الذي رأيتهم في حينه، في نهاية الحرب، حيث لاحظت فجأة أنهم يلبسون ملابس شقيقك مندل وشقيقتك رايزل. تجمدت في مكاني ونظرت اليهم حيث اختفوا. أنت يا أبي استمررت من هنا اشهرا اخرى من الحرب حتى الانتصار على النازيين.
والدي ووالدتي الغاليين، لا احتاج الى الدعم والتبرير لماذا أعيش في البلاد وأعمل في أمن اسرائيل منذ 45 سنة. ولكن الآن هنا، في المقاطعة التي ولدتما وكبرتما فيها أمام بئر الموت لأبناء عائلتي، أقسمت بأن أتذكر وأن لا أنسى. بفضلكم نمت عائلة من هذه الشجرة لعائلتي ديختر وكونيوخ. النازيون ومن ساعدوهم قطعوا أغصاناً من شجرتنا، لكنهم لم يقطعوا الجذع، ذلك الجذع الذي أصبح سميكا ومرتفعا.
اثنان من الاولاد وستة من الاحفاد وعشرة احفاد للأحفاد. هذه الارض لا تستحق جذوركما، حيث انتقلت الشجرة كلها الى إسرائيل في 1949.
الحقبة التي قتل فيها اليهود فقط لأنهم يهود لن تتكرر. وأقول لكما من أمام بئر الموت الكلمات البسيطة التي تخطر ببالي: أحبكما وأشتاق لكما جدا جدا.
عن "إسرائيل اليوم"
-