في خطوة أخرى تدل على تحسن العلاقات الإسرائيلية ـ التركية، أبلغ حلف شمال الأطلسي (الناتو) إسرائيل، أمس الأول، أنه أصبح بوسعها فتح مكتب في مقر الحلف في بروكسل، وإتمام إجراءات اعتماد ممثليها هناك.
وكانت تركيا، بوصفها عضواً كبيراً في الحلف، قد عارضت منح إسرائيل هذه المكانة في الحلف، بعد اقتحام الجيش الإسرائيلي في أيار العام 2010 سفينة «مرمرة» التي كانت في طريقها للتضامن مع قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل. ومن الواضح أن أنقرة أزالت هذه المعارضة، جراء المفاوضات الدائرة بينها وبين إسرائيل لتطبيع العلاقات بين الدولتين، والتي ستحسم بشكل نهائي في اجتماع يعقد منتصف أيار الحالي وفق ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأمس أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية عمانويل نحشون أن حلف «الناتو» أبلغ إسرائيل بزوال العائق الذي حال حتى الآن دون اعتماد ممثلي إسرائيل كشركاء في الحلف، وفتح مكتب لها في مقر الاتحاد في بروكسل. وأوضح مسؤول إسرائيلي أن قرار الحلف صار ممكناً بعد أن أزالت تركيا اعتراضها المتمثل باستخدامها حقها في النقض (الفيتو) ضد أي نشاط إسرائيلي في نطاق حلف شمال الأطلسي منذ اقتحام سفينة «مرمرة».
ومعروف أن القوات الإسرائيلية اقتحمت في أيار 2010 سفينة «مرمرة» التي كانت ضمن أسطول الحرية لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، وقتلت في عملية الاقتحام تسعة من النشطاء الأتراك وجرحت كثيرين. وبعد ذلك شرعت تركيا بإجراءات مضادة لإسرائيل في العديد من المحافل والمستويات، بينها «الناتو» حيث قيدت تعاونه مع تل أبيب.
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن مسؤولين في إسرائيل فسروا القرار التركي بإزالة «الفيتو» عن التعاون بين «الأطلسي» وإسرائيل على أنها إشارة أخرى إلى رغبة الحكومة التركية في إتمام اتفاقية المصالحة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي الأسبوع الأخير كرر أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو إشاراتهم الإيجابية إلى المفاوضات الجارية من أجل تحقيق المصالحة.
وفي مستهل اجتماع الحكومة الإسرائيلية، أشار رئيسها بنيامين نتنياهو إلى بلاغ «الناتو». وقال إن «هذا هدف آخر عملنا من أجل تحقيقه طوال سنوات كثيرة». وأعلن أن إسرائيل سوف «تلبي الدعوة» وتفتح مكتباً لها في مقر الحلف. وأضاف «أعتقد أن هذا أيضاً تعبير مهم عن مكانة إسرائيل بين الأمم. فدول العالم تسعى للتعاون معنا بسبب نضالنا الحازم ضد الإرهاب، وبسبب خبراتنا التكنولوجية، وبسبب انتشارنا الاستخباري وأسباب أخرى كذلك». واعترف بأن إتمام الخطوة مع «الناتو» صار ممكناً فقط بعد إزالة تركيا معارضتها.
ومن المؤكد أن أسباب إشراك إسرائيل في فعاليات حلف شمال الأطلسي لا تعود فقط للأسباب التي ذكرها نتنياهو، وإنما هناك سبب جوهري أساسي، وهو التأييد الأميركي لهذه المشاركة. ومن المؤكد أن هذا التأييد ومصالح الدول الأعضاء في الحلف هي ما قادت أيضاً، وفي الوقت ذاته لمنح دولة قطر مثل هذه المكانة، رغم أنها لا تملك لا الانتشار الاستخباري ولا التفوق التكنولوجي، وليست في طليعة المكافحين ضد الإرهاب.
في كل حال فإن فتح مكتب لإسرائيل في مقر «الناتو» لا يجعل إسرائيل عضواً في الحلف، لكنه يعزز من إمكانيات تعاون «الأطلسي» معها. وحسب قواعد «الناتو»، فإن التعاون مع أي دولة ليست عضواً يستدعي نيل موافقة كل الدول الأعضاء. وهذا كان سبب منع إسرائيل من إتمام هذه الخطوة بسبب معارضة تركيا أي نشاط لإسرائيل في الحلف، خصوصاً على الصعيد العسكري. وقادت المعارضة التركية إلى تجميد كل المشاريع المشتركة بين إسرائيل وحلف «الناتو»، بما فيها اعتماد ممثلين وفتح مكتب. ولم تفلح الضغوط الأميركية طوال السنوات الماضية في إزاحة الأتراك عن معارضتهم، وظلوا على رفضهم السماح بالتعاون مع إسرائيل حتى التطور الأخير.
وكما سلف، من المتوقع أن تجري في منتصف الشهر الحالي الجولة الأخيرة والحاسمة من المفاوضات بين الطرفين على تطبيع العلاقات. وأشارت مصادر مختلفة إلى أن معظم قضايا الخلاف بين الطرفين قد حُلت، وأن تقدماً كبيراً طرأ على المفاوضات بشأن الدور التركي في غزة. وقد وافقت إسرائيل على السماح لتركيا بتنفيذ عدة مشاريع في القطاع، بينها إنشاء محطة للطاقة بالتعاون مع ألمانيا وكذلك إنشاء محطة لتحلية المياه. ومع ذلك بقيت خلافات بين الطرفين حول تواجد قيادات «حماس» في تركيا، وحول إنشاء ميناء وفتح خط بحري بين تركيا وقطاع غزة.
وقد أدت الخلافات في السنوات الأخيرة بين أنقرة وتل أبيب إلى تغيير المزاج العام التركي تجاه إسرائيل. وكانت تركيا إلى وقت قريب الحليف العسكري والأمني الثاني في أهميته لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. ولكن استطلاعاً نشر قبل أسبوع في تركيا أظهر أن الغالبية الساحقة من الأتراك لم تعد ترى في إسرائيل حليفاً. وفي نظر الأتراك كفت إسرائيل عن أن تكون بوابتهم نحو الغرب، وهي الآن مجرد قوة اقتصادية.