فاطمة وصلاح طه فقدا ابنيهما، الأسبوع الماضي: مرام وإبراهيم قتلا بالرصاص على حاجز قلنديا، في عملية إعدام أخرى بحق من اشتبهوا كحاملي سكاكين.
صلاح هو سائق سيارة عمومية من قطنة، حيث كان ينقل على مدى سنوات جزارين ومراقبي طريقة الذبح من بني براك، أصبح أبا ثاكلا مزدوجا.
لكن مأساة صلاح لا تكفي إسرائيل، فهي تصمم على تعذيبه أكثر، لا تكفيها معاناته ومعاناة زوجته، لا يوجد تفسير لتصميمها على عدم إعادة جثث الأبناء إلى هذين الوالدين البائسين، لا يوجد تفسير سوى سعي عدد من السياسيين لإرضاء رغبة الانتقام لدى ناخبيهم.
المنافسة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير الأمن الداخلي تتم حول موضوع جثث الفلسطينيين.
وقد وصلت ذروتها: جلعاد أردان، باسم الشرطة والوطنية ومؤيديه في «الليكود»، لا يقوم بإعادة الجثث.
وزير الدفاع باسم الإنسانية المصطنعة، يعيدها، وبنيامين نتنياهو يأمر بعدم إعادتها، وقد أعاد لوزرائه في هذا الأسبوع صلاحية إدارة ثلاجات الأموات.
جثة من دهس في دولب تمت إعادتها، ومن حسن حظه أن الجنود هم الذين قتلوه وليس الشرطة، وقد احتج على إعادة الجثة عضو الكنيست أورن حزان.
من أين يأتي هذا السوء؟ من أين تأتي هذه الشيطنة تجاه عائلات ثكلى ضاع عالمها؟ قُتل أبناؤهم أحيانا كما تقتل الحيوانات الضالة، ولم يُقدم لهم العلاج الطبي، وبقوا مستلقين مثل الجيفة على الشارع، وبعد ذلك لا يعيدون للعائلات احترامها وعزاءها ليتم دفن الجثث.
«حماس» أيضا تتصرف هكذا، بنفس القدر من الانحطاط. لكنها تفعل ذلك في محاولة لإطلاق سراح أسراها، وإسرائيل تفعل ذلك بذريعة أنها لا تريد جنازات كبيرة ولا تريد رفع شأن الأموات: إنها لا تمنح نفسها فقط الحق في تقرير من يعيش ومن يموت، بل أيضا من يتحول إلى بطل.
وكأن هدم المنازل ومصادرة تصاريح العمل من أبناء عائلات القتلى لا يكفي، فقد سقطت على رؤوسهم هذه القضية أيضا.
إن الجثث آخذة في الازدياد في الثلاجات والجوارير، جثث من حملوا السكاكين ومن دهسوا وأيضا المشبوهين بذلك. أغلبيتهم قتلوا بلا داعٍ، رجالا ونساء، شبابا وشابات قرروا مقاومة الاحتلال بطريقة يائسة جدا، مصادرة جثثهم – حتى لا نقول سرقتها – لا تزيد ألم العائلات فقط، بل تزيد أيضا الغضب والإحباط والرغبة في الانتقام في «المناطق».
وهناك لافتات كثيرة تنتشر في المدن كُتب عليها «أعيدوا لنا الجثث».
هذه مرحلة أخرى من القمع من خلال نزع الأنسنة عن الفلسطينيين من أجل استمرار السيطرة عليهم.
في البدء لم تكن حياتهم تساوي شيئاً، والآن جثثهم كذلك. الحياة تعود إلينا وكذلك جثثهم.
الناس الذين ليست لهم حقوق وولدوا لكي يقتلوا، لا توجد لهم مشاعر أيضا.
مسموح تعذيبهم وهم على قيد الحياة أو أمواتا، وبعد ذلك أيضا.
إن كلمتي «آباء ثكالى» لا تناسبهم، فأين هم من الثكل؟ الآباء الثكالى هم نحن فقط، والثكل يخصنا وحدنا وكذلك الألم والحقوق.
إن المجتمع الذي لا يمر فيه يوم دون أن يتذكر موتاه لا يخجل من تحقير وإهانة مشاعر ضحاياه.
في بيت العزاء في قطنة قال لي عم القتلى في هذا الأسبوع: «قتلوهم، قتلوهم – لكن على الأقل أعطونا الجثث. نحن لا نستطيع مواصلة حياتنا دون دفن».
عندما طلب معرفة مصير جثث أبناء أخيه في الإدارة المدنية في بيت إيل تم طرده من هناك. ما الذي تفعله هنا أصلا، سألوه قبل طرده. وهذا صحيح، ما الذي يفعله هناك أصلا.
عن «هآرتس»
-