ترامب أو مزيج كاردشيان و"جون السباك"

thumbgen (10)
حجم الخط
 

بعد ساعات من انسحاب المرشحين الجمهوريين الأخيرين تيد كروز وجون كايسيك أمس الأول من السباق للفوز بترشيح حزبهما الذي بات يقف وراء دونالد ترامب بحكم الأمر الواقع، نشرت حملة المنافسة الديموقراطية هيلاري كلينتون إعلاناً مرئياً ينتهي برسالة: «الحزب الجمهوري هو الآن حزب ترامب» الذي سرعان ما يظهر ليؤكد أنه سينفذ كل ما قال أثناء حملته.

وما قاله شديد الخطورة على ما يوضح الإعلان المذكور ومنه: التحريض على التمييز ضد المهاجرين المكسيكيين ومنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة وقتل عائلات «الإرهابيين» وإلغاء مناطق حظر السلاح في المدارس والتلويح باستخدام السلاح النووي، ألخ.

ليس أمام الحزب الجمهوري سوى تأييد هذا المرشح الذي يبدو من خارج المؤسسة التقليدية بل يختلف معها في مسائل تتعلق بالصلات القائمة بين الحزب وبين عالم المال والأعمال، ما يجعل من كلينتون الأقرب إلى سدة الرئاسة الأميركية إذا استطاعت «المؤسسة» التقاط أنفاسها وتحمّل الضربات التي أتتها من اليمين بقفازات ترامب ومن اليسار بيد بيرني ساندرز.

لكن الأمر يزيد كثيراً عن مصادفة حملت مرشحاً جامحاً إلى صدارة مرشحي «الحزب العظيم القديم» على ما يُسمى الحزب الجمهوري، تماماً مثلما لم تكن مصادفة حالات التقدم الواضح لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وآخرها في النمسا قبل أيام.

العالم المتغير بوتيرة غير مسبوقة سيفرز حتماً سياسيين من أنواع جديدة هم خلاصة العصر وظواهره وآفاته أيضاً. ويجوز القول إن ترامب بهذا المعنى يعكس سلطة الإعلام الجماهيري القائم على التسويق الكثيف بل القهري، وبين مشاعر الإحباط لدى الأميركي العادي الذي يرى مورد رزقه مهدداً من جملة من التغيرات التي لا يستطيع حيالها شيئاً، مثل نقل المنشآت الصناعية الكبرى إلى خارج الولايات المتحدة لتوفير تكاليف اليد العاملة والطاقة، وتضاؤل أهمية قطاعات الزراعة مقابل صعود اقتصاد المعرفة وتهميش مناطق ريفية شاسعة لمصلحة المدن الكبرى وغير ذلك.

يمكن القول إن ترامب يمثل اندماج العارضة كيم كاردشيان بـ «جون السباك». فهو في آن نجم تلفزيون الواقع الذي يكاد لا يغادر الشاشات، مثله في ذلك مثل كاردشيان التي تكاد صورها تقفز من كل أجهزة التلفزيون والكمبيوتر رغماً عن المستخدم غير المهتم، ودائم الحضور في برامج تقوم على تعميم أفكار الربح السريع، إضافة إلى الأميركي العادي الذي شكّل «جون السباك» رمزه الأبرز في الحملة الانتخابية في 2008، مدافعاً عن المواقف المحافظة للطبقة الوسطى.

حدّة ترامب اللفظية وتعهده تنفيذ ما أعلنه أثناء حملته الانتخابية - على خطره - لا يأتيان من فراغ، بل يستندان إلى مناخ اقتصادي واجتماعي وثقافي ساهمت في تعميمه وترسيخه عقود من الإفراط في الاعتماد على وسائل الإعلام في الترويج السياسي مقابل التعامي عن التبدلات في التركيبة الاجتماعية وانتشار الخطاب الشعبوي اليميني التبسيطي الذي يقوم في جانب منه على أن العنف والقوة كفيلان بتوفير علاجات لمشكلات شديدة التعقيد، ما يفسر جزئياً تلك الصداقة بين «جمعية البندقية الوطنية» أو «أن آر أيه» المثيرة للجدال، وبين ترامب.

هذا الخليط الإعلامي (الميديائي) الشعبوي المستفيد من ذعر الإنسان العادي من أهوال تغيير غير مفهوم، مثل مسائل الهجرة والاقتصاد المتبدل والإرهاب الجهادي ألخ... لن يترك الساحة قريباً. وسيظهر في أماكن وانتخابات كثيرة مقبلة.

عن الحياة اللندنية