عادت المناوشات إلى قطاع غزة لتأخذ بعداً درامياً أكبر من سابقاتها خلال الأشهر الماضية، على الرغم من التصريحات المباشرة والقوية التي تصدر من حماس وتل أبيب حول رغبتهما في عدم الانجرار إلى مستنقع حرب جديدة، لا استعداد لها من كلا الطرفين.
في العدوان الأخير، جاء وقف إطلاق النار على أمل رفع الحصار ولو جزئياً عن قطاع غزة وإعطاء حرية حركة أكبر لحماس مقابل الهدوء على الحدود، ولو كان ذلك بنشر عناصر القسام للحفاظ على الهدوء والقيام بهذا الدور بشكل علني وقمع كل من يحاول تفجير الأوضاع أو الانزلاق نحو حرب جديدة.
الكابينت الإسرائيلي في جلسته الطارئة أمس، كان واضحاً في عدم استخدام لغة التهديد أو حتى التصعيد، بقدر ما كان يحاول التركيز على قضية الأنفاق... خاصة بعد تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي يوسف شابيرا والذي وُزع على عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين على الرغم من طابعه السرّي.
جزء من التقرير تناول بشكل خاص قضية الأنفاق، وأن القيادة الإسرائيلية لم تعمل المطلوب من أجل وقف العمل في شبكة الأنفاق، على الرغم مما تشكله من خطورة على المستوطنات القائمة في غلاف غزة (أي الواقعة على الحدود مباشرة). وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية تجد نفسها اليوم أمام ضغط الجمهور، لذا سعت إلى التغطية على كثير من الإخفاقات التي وقعت خلال العدوان الأخير، ومن بين ذلك محاولاتها المستميتة خلال الأسابيع الماضية للإعلان عن اكتشاف أنفاق لتغطية عورتها المكشوفة أمام ناخبيها، وخاصة من اليمين المتطرف.
ولكن حتى الروايات التي تقدمها إسرائيل في هذا السياق كانت غير متماسكة، فبينما تدعي حيناً أن التطور التكنولوجي وأجهزة الاستشعار المتقدم التي تملكها تساهم في الكشف عن الأنفاق، فإنها تناقض نفسها عندما تعلن أيضاً أن أحد عناصر القسام المعتقلين لديها هو الذي قدم معلومات شاملة عن الأنفاق وتفرعاتها وكيف يتم حفرها و...، على الرغم من أن هذا القسامي الذي التحق منذ عشر سنوات في الجناح المسلح، تسلّل إلى إسرائيل حاملاً سكينين لتنفيذ عملية؟!! قد يبدو الأمر مضحكاً أو لم يتنبه الذي قدم المعلومات للصحافة كم هي رخوة.. عنصر من القسام منخرط منذ عشر سنوات مفترض أن يحمل على الأقل رشاشاً وليس سكيناً... وهل تسمح القسام لمن يحمل كل هذه الأسرار والمعرفة الخاصة بالذهاب سيراً إلى الحدود بسكينين لطعن إسرائيليين؟!! هي أسئلة مفتوحة... يسهل على كل محلل أن يجيب عنها دون عناء.
ولكن في المقابل، دعونا نرى تصريحات حماس والقسام خلال اليومين الأخيرين، حماس من جهتها أعلنت أن وساطة عربية عملت بشكل مكثف خلال الساعات الثماني والأربعين الأخيرة لاحتواء المناوشات... وعلى الرغم من أنها لا تذكر من الذي يتوسط عربياً، إلى أن الأمر أكثر من واضح، فالوسيط هو دولة قطر التي غابت عنها الأضواء كثيراً، وفي الطرف المقابل تركيا... وهما تعملان بجد واجتهاد لمقايضة الهدوء والأنفاق بالميناء ورفع الحصار.
ما يعزز هذا التحليل هو تصريحات القسام قبل يوم من أن الأنفاق التي اكتشفت هي أنفاق قديمة وليست جديدة، إذن هي أيضاً رسالة واضحة المعالم لا لبس فيها. موجهة بشكل أساس للإسرائيليين بأن القسام لا يقوم بحفر أنفاق جديدة وأن هناك التزاماً... ولكن دون أن ننسى تصريحات القسام قبل أسبوع والتي كانت تحت عنوان «رفع الحصار أو الانفجار»، إذن المعادلة لكلا الطرفين تل أبيب وحماس أصبحت واضحة، وهي أنهما لا يريدان مواجهة شاملة، أو حرباً على غرار الحربين السابقتين، ولكنها مجرد مناوشات أو عضّ على الأصابع من أجل الحصول على تنازلات.
تل أبيب أقرب من أي وقت مضى للموافقة على إقامة ميناء يكون تحت رقابتها الأمنية، وأيضاً تحت إشراف دولي، تكون المهمة الأساسية للميناء هي دخول البضائع بطريقة أكثر سلاسة مما هي عليه اليوم، ولكن مقابل التزام حماس بشكل قاطع بهدوء طويل الأمد، وبتحمل المسؤولية كاملة عن أي هجوم يقع من قطاع غزة.
يبدو أن الطرفين متفقان على المبدأ، ولكن المشكلة في كيفية التنفيذ... وهذا منوط بدور تركيا وقطر وربما أطراف أخرى، لأن حماس تعتقد أنه إذا ما كان هناك ميناء، ورفع الحصار على خروج المواطنين وتنقلهم، فإنها ستعود إلى الإمساك بزمام الأمور في القطاع بشكل قوي، وتحقق مصالحها، في إبقاء القطاع نقطة ارتكاز أساسية وقوية للحركة.
بالنسبة لإسرائيل الهدوء طويل الأمد مقابل التنازل الشكلي عن جزء من الحصار أيضاً هو في صالحها. وحتى تكون هناك «زحزحة» للأوضاع القائمة لا بد من مناوشات قد تصل إلى اللون البرتقالي ولكن دون السماح إلى الاقتراب من الخط الأحمر!!!
-