الاحد القادم، حيث ستتم إجراءات احياء الذكرى و»يوم الاستقلال»، سينهي يورام كوهين 34 سنة من الخدمة في «الشاباك»، وقد كان في السنوات الخمس الاخيرة منها رئيسا لهذه المؤسسة. ومقارنة مع فترات الرؤساء الاربعة الذين سبقوه – كارمي غيلون، عامي ايلون، آفي ديختر ويوفال ديسكن – فان ولاية كوهين كانت أقل دراماتيكية. صحيح أنه في الظروف الحالية لا يوجد ضوء كامل ومتواصل في الحدود أو في الساحة الفلسطينية، لكن بمفاهيم الزمان والمكان وعلى خلفية الاشهر الاخيرة في «المناطق» فان هذه كانت سنوات استقرار الى حد ما، لاسيما بالمقارنة مع ما يحدث وراء الحدود على مسافة ساعتين أو ثلاث ساعات سفر من مركز البلاد.
ولاية كوهين في رئاسة «الشاباك» تميزت بوجود ضئيل لوسائل الاعلام. منذ ايلون اصبحت اسماء رؤساء «الشاباك» مكشوفة في وسائل الاعلام الاسرائيلية. في بداية التسعينيات وخلال ولاية يعقوب بيري سعت وسائل الاعلام الى التذاكي والحديث باستخدام مفردات مثل «عمل الشاباك أثمر». وبالتدريج فتحت ابواب «الشاباك» للمؤتمرات الصحافية. وقد ألقى ديختر وديسكن خطابات هنا وهناك بمناسبة انتهاء ولايتهما. وفضل كوهين الحفاظ على مسافة بينه وبين الجمهور ووسائل الاعلام. ويحتمل أن وريثه، نداف أرغمان، سيستمر بالشكل ذاته.
رغم ذلك، كان لـ»الشاباك» دور في أغلبية المواضيع الامنية التي شغلت الدولة في هذه السنوات. في بداية ولاية كوهين كانت صفقة شاليت، حيث اعطى لهذه الصفقة المصداقية المهنية. وفي عامه الاخير قام القسم اليهودي في «الشباك» بحل لغز قتل أبناء عائلة دوابشة في قرية دوما في الوقت الذي اهتمت فيه الوحدات الاخرى بمواجهة «المخربين» الافراد الذين ميزوا الانتفاضة الحالية منذ نشوبها في تشرين الاول.
ديسكن، الذي سبق كوهين، عارض التنازلات التي طلبت من اسرائيل من اجل اطلاق سراح جلعاد شاليت في عهد ايهود اولمرت وبعده، عندما كان بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة. ولكن في صيف 2011 وبعد تعيين كوهين بشهرين انطلق الاحتجاج الاجتماعي. وفي نهايته كان نتنياهو بحاجة الى انجاز جماهيري. وفي تلك الفترة كان الرأي العام الاسرائيلي يؤيد التوصل الى اتفاق، وكانت هناك فرصة لنتنياهو، حيث أبدت «حماس» بعض الليونة من اجل التوصل الى الصفقة. وبأمر من رئيس الحكومة قام كوهين ومنسق المفاوضات، دافيد ميدان، ببلورة الصيغة التي تم في اطارها اطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيا منهم 450 ملطخة أياديهم بالدماء.
تمحور الخلاف بين الاطراف حول 125 من القتلة «من العيار الثقيل». وفي النهاية تم الاتفاق بحيث لم يطلق جزء من الاسرى الذين طالبت بهم «حماس». أكثر من 200 من «القتلة» تم ابعادهم عن شرقي القدس والضفة الغربية – الى قطاع غزة وتركيا ودول اخرى. كثير ممن أبعدوا عادوا للعمل في «الارهاب» من بعيد، ولكن واحدا فقط بقي في الضفة. وقد أدين حتى الآن بقتل ضابط الشرطة باروخ مزراحي، عشية عيد الفصح قبل عامين. وكانت تقديرات «الشباك» أنه يمكن «استيعاب التهديد»، صحيحة.
تقسيم العمل
طريقة العمل التي تبلورت في عهد ديختر وديسكن – الاعتقالات الليلية (بعضها في مناطق «أ» التي هي تحت السيطرة الفلسطينية) وبعد ذلك التحقيق، المزيد من الاعتقالات والمحاكمات – استمرت بفعالية ايضا اثناء ولاية كوهين. ماكينة الاحباط «كاسحة العشب» أثبتت نفسها. لكن الصورة عن «الشاباك» أنه قادر على فعل كل شيء، وقادر على منع كل عملية أو الكشف عنها بسرعة البرق بعد حدوثها، تعرضت الى ضربة في قضية خطف وقتل الفتيان الثلاثة في غوش عتصيون في حزيران 2014.
لقد احتاج «الشاباك» في حينه الى ثلاثة اسابيع من اجل العثور على الجثث. وأكثر من شهرين من اجل الوصول الى اثنين من «حماس» شاركا في عملية القتل، وقتلهما. الشرطة هي التي تعرضت للنار في وسائل الاعلام بسبب طريقة تعامل استعلامات الشرطة مع المكالمة من قبل المخطوفين، لكن «الشاباك» ايضا كانت له اخطاء في القضية. وبعد العثور على الجثث بوقت قصير اندلعت الحرب في غزة وفي نهايتها الحرب الاستخباراتية: تبادل الاتهامات بين «الشاباك» والاستخبارات العسكرية. وتبين فيما بعد أن «الشاباك» كان أقرب لفهم التحضيرات التي قامت بها «حماس». وبقيت الاستخبارات العسكرية على موقفها بأن «حماس» قد جُرت للمواجهة بسبب مجموعة من الاخطاء في الفهم لدى الطرفين، وهذا الخطر تأكد، هذا الاسبوع، مجددا عندما تصاعدت حرارة الحدود مع غزة.
في الصيف الماضي، بعد القتل في دوما، كان «الشاباك» عرضة للانتقادات. التساهل مع اليمين المتطرف هو الذي سمح له بالتقدم من حرق المساجد والكنائس الفارغة نحو قتل عائلة فلسطينية وهي نائمة. اصحاب الاقلام في الصحف قالوا إن كوهين لا يمكنه، ويمكن أنه لا يريد، حل موضوع القتل. لكن كوهين و»الشاباك» نجحا في الاختبار. وتم بذل جهود في التحقيق واعتقل مشبوه بالقتل وتم تقديم لائحة اتهام ضده بعد أن تم وللمرة الاولى استخدام اساليب تحقيق استثنائية (التعذيب). وفي الوقت ذاته تم التقدم في حل احداث الحرق والهجمات الاخرى، واتخذت خطوات مشددة ضد الفاعلين – الاعتقال، والاعتقال الاداري والابعاد – وضد عشرات النشطاء من «مجموعة التمرد» من «تلال السامرة» التي وقفت وراء معظم العمليات الارهابية اليهودية.
لكن قبل حل قضية دوما، اندلعت في تشرين الاول الماضي الانتفاضة الجديدة التي تميزت بالعمل غير المنظم لـ»المخربين» الشباب. وقد احتاج الجيش و»الشاباك» الى بعض الوقت من اجل بلورة طرق عمل جديدة. ولكن في الاشهر الاخيرة يمكن ملاحظة تراجع عدد العمليات والمصابين رغم أنه قد تكون هذه مسألة مؤقتة.
إن بعض التغيير يمكن نسبه الى عمل «الشاباك» والاستخبارات العسكرية على الشبكات الاجتماعية الفلسطينية، حيث يترك الكثير من «المخربين» علامات حول نواياهم. العنصر المكمل هو التحسن في عمل الاجهزة الأمنية الفلسطينية. في الجيش الاسرائيلي يعتبرون أن افشال العمليات هو بفضل 90 في المئة من العمل الاسرائيلي و10 في المئة من العمل الفلسطيني في بداية الاحداث، وبعد ذلك 40 في المئة من العمل الفلسطيني و60 في المئة من العمل الاسرائيلي في الوقت الحالي. كوهين ايضا مثل قادة الجيش يدرك اهمية التنسيق الامني، كما قال لوزراء الحكومة في جلسة الوداع، الاربعاء الماضي.
على مدى سنوات خدمته حافظ كوهين على علاقات عمل جيدة مع نظرائه في الطرف الفلسطيني. في ربيع 2014 بعد كشف «الشباك» لخلية واسعة لـ»حماس» في الضفة خططت لعمليات ضد اسرائيليين وتحضيرات أولية للانقلاب على السلطة الفلسطينية، تم ارسال رئيس «الشاباك» لعرض هذه التفاصيل على الرئيس الفلسطيني محمود عباس. الأدلة ومنها تسجيلات للتحقيق مع أحد المشبوهين، كانت كما يبدو مقنعة جداً..
شرك الإسمنت
لم يحتج كوهين في الاشهر الاخيرة على سياسة وزير الدفاع، موشيه يعلون، ورئيس الاركان غادي آيزنكوت الذي كبح مطالبة بعض السياسيين بالعقاب الجماعي في الضفة والغاء تصاريح العمل في اسرائيل. مع ذلك، اجهزة الامن المختلفة تقدم تقديرات متشابهة: الهدوء النسبي ما زال مهددا حيث إن عملية ارهابية يهودية كبيرة أو حدثا خطيرا في الحرم أو هجوما «ارهابيا» فلسطينيا فيه الكثير من المصابين، قد يهدد هذا الهدوء. وعندما نضيف للمعادلة صراع الوراثة المتصاعد في السلطة، فليس غريبا أن التوقعات ما زالت سلبية خصوصا أنه لا يوجد أي أفق سياسي.
في نهاية الاسبوع الماضي شهد كوهين تصعيدا في القطاع. أول من أمس، كان الاكثر سخونة منذ انتهاء الحرب الاخيرة في نهاية آب 2014. التهديدات التي ترسلها «حماس» الآن واضحة جدا: «حماس» تزعم أن اسرائيل تخل بالتفاهمات التي تحققت في نهاية الحرب، والتي تقول إن من حق اسرائيل القيام بعمل هندسي غرب الجدار فقط على عمق 100 متر داخل المناطق الفلسطينية. وتهدد «حماس» ايضا باطلاق قذائف قد تفاجئ اسرائيل.
ينفي الجيش الاسرائيلي ذلك، مدعيا أن الجرافات التي تبحث عن الانفاق لم تتجاوز المنطقة المتفق عليها. في ليل الاربعاء، بدأت مصر بالتوسط بين الاطراف في محاولة للتهدية. وأول من أمس صباحا اعلن الجيش الاسرائيلي أنه كشف عن نفق آخر وهو الثاني خلال شهر بجانب الجدار في جنوب القطاع. مع ذلك، هناك انطباع بأن «حماس» مثل اسرائيل تفضل الآن الامتناع عن المواجهة الشاملة. وحسب تقديرات اسرائيل، فانه يفضل التعاطي الآن بحذر وشك. أول من يعترف بذلك هم رجال الاستخبارات انفسهم، الذين فشلوا مرات كثيرة في معرفة التحولات في مواقف «حماس» قبل الحرب الاخيرة على غزة.
العمل الاستخباري للكشف عن الانفاق يتم بشكل مشترك بين «الشاباك» والاستخبارات العسكرية (كما يفعل الطرفان بشكل مشترك في متابعة نشاطات ذراع داعش في سيناء). أعلن رئيس الحكومة قبل اسبوعين أن اسرائيل وجدت حلا تكنولوجيا يسمح بالكشف عن الانفاق وتدميرها، لكن من الواضح أن الكشف عن الانفاق وتدميرها يرتبط بنوعية المعلومات طالما أن العائق لم يستكمل بعد على طول الحدود.
ما زالت الانفاق هي المشروع الاساسي لـ»حماس»، حيث إنها تستثمر مبالغ طائلة في بنائها، وكذلك مواد البناء التي تصل من الضفة واسرائيل. قبل أكثر من سنة اكتشف «الشاباك»، متأخرا، ثغرة في الحماية. تبين أن تجار فلسطينيين من القدس والضفة وبمساعدة تجار يهود من النقب، يقومون بتهريب مواد ثنائية الاستخدام عن طريق معبر كرم أبو سالم وتستفيد منها «حماس» من اجل اعمار الانفاق وصناعة السلاح. اسرائيل الآن حذرة أكثر، والبرهان على ذلك هو قرار وقف ادخال الاسمنت الى القطاع في الشهر الماضي، بعد أن تبين أن «حماس» تستخدمه في بناء الانفاق. في المقابل من الواضح تفاقم الازمة الاقتصادية في غزة اضافة الى النقص في المياه والكهرباء، وكل ذلك يزيد من خطر الحرب.
ورغم التصعيد، فان المستوى السياسي والاجهزة الامنية سيناقشون بعض التسهيلات الاقتصادية من اجل تحسين الشبكة المدنية في القطاع. وسيطرح مجددا اقتراح اسرائيل كاتس اقامة ميناء عائم على شاطئ غزة. لا يعارض الجيش ذلك، ومع ذلك فان فرصة تحقيق هذا المشروع في الظروف السياسية الحالية، ضعيفة.
عن «هآرتس»
-