حذارِ من حرب استنزاف محدودة مع "حماس" على حدود غزة

20160905212102
حجم الخط

كعادتها تسعى «حماس» لتستمتع بكل العوالم. من جهة، أن تحافظ على وقف النار مع اسرائيل، والذي تحت في ظله تعيد بناء مكانتها السياسية وقدرتها العسكرية. ومن جهة اخرى أن تعرض نفسها كمنظمة مقاومة تلتزم بالكفاح العسكري ضد اسرائيل وتسمح باعمال «ارهابية» ضد اسرائيل من جانب رجالها ومن جانب منظمات اخرى تعمل في القطاع، كتنظيم «الجهاد الاسلامي». وقف النار مهم لـ «حماس» ايضا لان مليوني غزي يعيشون تحت حكمها يحتاجون الى الهدوء الذي يوفره لهم وقف النار، وعليه فانهم يتوقعون من قيادة «حماس» أن تحترمه وتحافظ عليه لتسمح لهم بان يعيشوا حياتهم ويواجهوا الضائقة الاقتصادية التي اصبحت من نصيب الجميع في القطاع.  ولكن «حماس» لا تعمل دوما وفقا لمصالح سكان غزة. وعلى اي حال، فان القرار ليس موجودا بالضرورة في يد قيادة «حماس» السياسية، مثل رئيس وزراء غزة، اسماعيل هنية، الذي سعى في خطابه الاخير في نهاية الاسبوع الى أن يأكل الكعكة وان يبقيها كاملة، اي ان يحافظ على الهدوء وفي الوقت ذاته ان يضع لاسرائيل خطوطا حمرا حول ما هو مسموح وما هو ممنوع للجيش الاسرائيلي على طول حدود القطاع. تفيد تجربة الماضي بالذات بأن القرار في الشؤون العسكرية، وخاصة استئناف اطلاق الصواريخ نحو اسرائيل، موجود في يد القيادة العسكرية لـ «حماس»، وعلى رأسها محمد ضيف، ولهذه منطق وتفكير خاص بها. ترى «حماس» نفسها كمن تسير بمشورة اصدقائها الايرانيين وعلى خطى منظمة «حزب الله». هكذا مثلا حرصت على اقامة منظومة الصواريخ التي تغطي اجزاء واسعة من الاراضي الاسرائيلية، بما في ذلك وسط البلاد، كي تحقق  قدرة ردع ضد اسرائيل كتلك التي توجد في يد منظمة «حزب الله».  وتحاول «حماس» الآن ان تقرر قواعد لعب حيال اسرائيل حسب النموذج اللبناني، والتي تعني أن اسرائيل لا يحق لها أن تتجاوز خط الحدود وان تعمل خلفه، حتى لو لاحظ الجيش الاسرائيل استعدادات لمقاتلي المنظمة لنشاط «ارهابي»، وحتى لو كشف انفاقا تحفرها «حماس» الى داخل اراضي اسرائيل السيادية. اسرائيل من جهتها توضح من جديد للمنظمة بانها تبقي لنفسها حرية العمل في الجانب الفلسطيني من الحدود، وانها سترد ليس فقط على كل عمل «ارهابي» ينفذه رجالها بل على كل استعداد لتنفيذ أي عمل كهذا. في ضوء الوضع السائل السائد في القطاع وعلى كل حدوده مع اسرائيل، فان الموقف الاسرائيلي منطقي بل مبرر. ففي الاسابيع الاخيرة فقط عاد الجيش الاسرائيلي فاكتشف انفاقا هجومية موجهة نحو اراضي اسرائيل، وفضلا عن ذلك فان تنازل اليوم هو خط البداية للمفاوضات غدا، وفيه ما يدهور اسرائيل الى الواقع السائد على طول الحدود في جنوب لبنان، والذي تقيد فيه اسرائيل من حيث قدرتها على أن تمنع بشكل مبادر اعمالا لـ «حزب الله» ضدها. وعليه، محظور على اسرائيل ان تسمح لـ «حماس» بان تجرها الى حرب استنزاف محدودة على طول الحدود يدفع ثمنها سكان غلاف غزة. فضلا عن ذلك، على الحدود اللبنانية، التي تنظر اليها «حماس» كنموذج، نُص على وقف النار الهش الذي تنفذه مع «حزب الله» في قرار لمجلس الامن، وبموجبه ينتشر الجيش اللبناني على طول الحدود في ظل تواجد قوات الامم المتحدة. كل هذا لا يستجيب كما هو معروف للاحتياجات الامنية الاساس لاسرائيل، ولكن حتى هذا الحد الادنى لا يوجد في حالة قطاع غزة. ان  استعداد «حماس» لمحاولة المساومة مع اسرائيل من خلال تبادل لاطلاق النار والحوادث على طول الحدود ليس بالضرورة تعبيراً عن قوة. فالمنظمة تعيش ضائقة في الداخل في ضوء الاغلاق الذي فرضه عليها المصريون، وهذا وضع هش يستدعي حوادث وتصعيد. يحتمل ان تكون «حماس» استمدت تشجيعا من حقيقة ان اسرائيل قررت تركها تجكم القطاع. ولكن في مثل هذه الحالة عليها أن تأخذ بالحسبان بانه اذا توصلت اسرائيل الى الاستنتاج ان «حماس» لا تريد بل لا تستطيع الحفاظ على الهدوء على طول الحدود، فلن يوجد في اسرائيل من يدعو، مثلما حصل في اثناء حملة «الجرف الصامد»، الى تركها في الحكم وتفضيلها على مجموعات اكثر تشددا منها من شأنها أن تحتل مكانها.