دولة بوجهين.. كيف تعيش؟

thumbgen (8)
حجم الخط
 

هل صحيح أن كل مسؤول - فى بلدنا - يتخذ ما يشاء من قرارات.. وأن ذلك يحدث بسبب غياب استراتيجية واضحة.. وأن كل وزير يأخذ الطريق الذى يراه، دون اعتبار لسياسة عامة واضحة للدولة كلها؟! نقول نعم وما أمامنا أكثر من مثل.. بل أكثر من تخبط.. وكله: سمك، لبن، تمر هندى.

الحكاية ببساطة تتمثل فى تناقض قراراتنا.. وتخبط سياستنا.. والمثل واضح.. هو الموقف من التعدى على الأرض الزراعية أو أملاك الدولة أو حرم نهر النيل.

هناك من مسؤولينا - وعلى أعلى مستوى وزارى، بل ورئيس الوزراء - من يرفض تماماً أى اعتداء من هذا النوع، وكأن الحكومة منقسمة على نفسها.

مثلاً وزير الرى والموارد المائية، بصفته وليس باسمه، يصمم على إزالة أى اعتداء على أرض حرم نهر النيل والرياحات الرئيسية.. ويقوم - وفى عهود وزراء متعددين - باستخدام أكبر المعدات لإزالة أى اعتداء.. ويدعم رئيس الدولة معنوياً وعملياً هذه السياسة.. وأيضاً مواقف معظم المحافظين، وكان فى مقدمتهم الدكتور جلال مصطفى سعيد - عندما كان محافظاً للمحروسة - إذ قاد بنفسه عمليات إزالة هذه التعديات، حتى ولو باستخدام المتفجرات كما حدث فى حالات إزالة فى حى البساتين والمعادى.. وكما حدث فى المطرية وعين شمس.. وهناك أيضاً مثل ذلك فى معظم المحافظات.. بل إن أكثر من وزير للرى قاد بنفسه عمليات إزالة التعديات.. وهذا كله من الأمور الحسنة التى تستهدف تأكيد وجود الدولة.. وتجسيد هيبتها.. حتى أمام المعتدين الكبار.. وما معركة إزالة الأقفاص السمكية على فرع دمياط أو فرع رشيد إلا نموذج لما نقول.

وفى الكفة المقابلة.. نجد أصواتاً تطالب بالعفو عن المعتدين، وعفا الله عما سلف.. واللى فات مات!! من ذلك مثلاً ما خرج من البرلمان، أمس الأول، من موافقة لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب على اقتراح بمشروع قانون للتصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية وإحالة هذا الاقتراح إلى لجنة مشتركة من لجنتى الإدارة المحلية والتشريعية، وهو اقتراح من النائب أيمن عبدالله بالتصالح فى الأعمال التى ارتكبت بالمخالفة لأحكام قانون البناء.. وقانون الزراعة وحماية الأراضى!!

وهذا الاتجاه، وهذا التخبط، ليس وليد اليوم.. إذ إننا كثيراً ما أغمضنا العيون، بل وأوقفنا - دون إعلان - تنفيذ بعض القوانين والقرارات لأسباب غريبة: فنحن مثلاً كثيراً - بل دائماً - ما أوقفنا تنفيذ غرامات إغلاق المخابز المخالفة، أو المتلاعبة فى وزن الرغيف المدعم.. أو فى الاتجار فيما يحصل عليه المخبز من دقيق مدعم، وأيضاً عدم تنفيذ أحكام الحبس الصادرة ضد كل هؤلاء.. وآخرها صدر منذ أيام قليلة.. بحجة أننا لا نتحمل إغلاق أى مخبز حتى لا ينقص المعروض من الخبز فى الأسواق!!

وفى المقابل، تصريح وزير الرى والموارد المائية - ومنذ أيام فقط - عن مخالفات زارعى الأرز، الذين يزرعونه خارج المناطق المحددة لزراعته بكل ما يعنيه ذلك من ضغط على مياه الرى، رغم علم الجميع بقسوة نقص هذه المياه الآن.

ويذكرنا ذلك كله بما كان يحدث منذ سنوات بعيدة من إلغاء أحكام إغلاق المخابز أو حبس مسؤوليها.. وكذلك قرارات إزالة الأدوار التى أقيمت بالمخالفة، أو بنيت على أرض زراعية، أو مملوكة للدولة، وكانت حجة المطالبين بذلك أن البلاد على أبواب معارك انتخابية، برلمانية أو محلية.. وكانت الحكومة «تستجيب»، لأن الطالب هنا هو حزب الحكومة، سواء كان الاتحاد الاشتراكى، أو حزب مصر، أو الحزب الوطنى.. وحزب الحكومة هذا لا يريد أن يفقد وجوده بين الناس، أو يفقد شعبيته.. ولذلك كانت الحكومة تستجيب!! وكذلك قرارات منع توصيل الكهرباء أو مياه الشرب إلى المبانى المخالفة.. إذ كانت الحكومة تستجيب، ليس بدافع حبها للناس.. ولكن خوفاً من انصراف الشعب عنها.. وعن حزبها!!

ولذلك: كان الناس.. كل الناس يخالفون.. وهم على يقين من أن الحكومة سوف تتراجع، وسوف تلغى الأحكام القضائية.. وتجمد القرارات الوزارية، أى لن يضار أى مخالف.. ولذلك كان الناس يواصلون المخالفات، وما أكثرها.. على أمل أن يأتى العفو.. فالانتخابات قادمة لا محالة.

■ ■ والسؤال الآن: ما الذى تغير عما كان يحدث فى الماضى.. قبل الثورة.. وهل هناك أى انتخابات على الأبواب، ونحن لا نعرف.. رغم أننا استكملنا كل مراحل خارطة الطريق.. أم أن ما يجرى هو استمرار سياسة تدليع المواطنين، حتى وإن أخطأوا؟! أليس ما يجرى الآن استمراراً لكل ما كان موجوداً قبل الثورتين؟!!

■ ■ ثم ألا يشجع هذا السلوك الناس على استمرار ارتكاب المخالفات؟.. طيب.. وماذا يفعل الذين أزيلت عقاراتهم أو تم نسفها، هل من حقهم المطالبة بالتعويض بسبب هدم عقاراتهم هذه؟.. وما هو موقف القضاء عندما يجد نفسه بين نارين؟.. أليس ما يجرى سببه غياب خط سياسى واضح.. واستراتيجية محددة يعرفها الناس مسبقاً.. فيلتزمون بها مجبرين أو مكرهين.. أو منفذين للقوانين.

■ ■ أغيثونا من هذا التخبط والكيل بأكثر من مكيال.. وقولوا لنا صراحة يا عالم: نفتح الشباك.. أم نغلق الشباك، ورحم الله الفنان «الجزيرى» بطل هذه المقولة الشهيرة!!

عن المصري اليوم