تحولت النكبة، في الذاكرة الفلسطينية، إلى ذكرى فقدان الوطن، والانتقال إلى حالة اللجوء والتشرد، وبقاء الأمل مشتعلاً في النفوس، بالعودة إلى الوطن المستلب، بذل الجيل الأول من اللاجئين، جهوداً كبيرة ومكثفة، للاحتفاظ بالهوية الوطنية، فيما سمي المخيمات، عبر اللهجة والأغنية والاسم، واللباس وغيرها من وسائل، رغم حالة الاستلاب التي عاشها اللاجئون، في مخيمات الشتات، والدول المجاورة لفلسطين. عاش الجيل الأول من النكبة على أمل العودة، بعد التحرير، ووجد بمن يعده في ذلك من الزعماء مخلصاً لهم مما هم فيه. لم يدرك الجيل الأول، حجم المأساة الحقيقية التي حدثت في العام ١٩٤٨، بل إن معظمهم كانوا يميلون إلى أن التحرير هو عمل حتمي قادم لا محالة، وبأن «شذاذ الآفاق» من العصابات الصهيونية، هم إلى زوال وان طال الزمن. كان الجيل الأول، يرى فيما حدث في ١٩٤٨، خيانة تتحملها القيادات العربية والفلسطينية على حد سواء، وبأن ما حدث من تشريد وتهجير، هو مؤامرة، ليس إلا. في حقيقة الأمر، ما حدث في ١٩٤٨، كان صراعاً وجودياً بين الحركة الصهيونية، والوطنية الفلسطينية، ولم يكن هناك تكافؤ في القوى، وكان من الطبيعي والحالة هذه، أن تتمكن الحركة الصهيونية، من فرض وجودها وإرادتها، والتمكن من إعلان دولتها، على حساب الفلسطينيين، وارضهم ووجودهم، وبدعم دولي واضح، وعجز عربي إقليمي أكثر وضوحاً. غيبت الوطنية الفلسطينية ردحاً من الزمن ١٩٤٨ - ١٩٦٤، وتضافرت عوامل معقدة ومتشابكة، من إعادة بعثها مجدداً، وعلى نحو رسمي عربي، جاء من أطر جامعة الدول العربية، عبر تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة أحمد الشقيري، طيب الله ثراه. جاء انبعاث م.ت.ف، بمثابة الإعلان عن بدء عودة الشخصية الوطنية الفلسطينية للوجود، ما شجع الفصائل السرية الفلسطينية، التي ترى في الكفاح المسلح طريقا للتحرير، لمحاولة الظهور والخروج للعلن رغم الإجراءات العربية، الرامية لمنعها بل ومحاربتها. خلفت جولات الزعيم أحمد الشقيري، لمخيمات اللاجئين، ومواقعهم في سورية ولبنان، تحديداً، أجواء حماسية أعادت الأمل لنفوس اللاجئين، بالعودة والتحرير، وارتبط شعار العودة، بالتحرير وتلازما. تمكنت الفصائل المسلحة الفلسطينية من فرض وجودها ميدانيا، والدخول لـ م.ت.ف، كفصائل فاعلة وقوية، لدرجة قيادة م.ت.ف، بعد أن قدم الشقيري، استقالته للشعب الفلسطيني. منذ ذاك التاريخ ١٩٦٩، أصبحت م.ت.ف، منظمة الفصائل الوطنية المسلحة وعبر الصراع الداخلي، تطورت المنظمة، وتطورت برامجها السياسية، وامتد نشاطها ليشمل مناحي الحياة الفلسطينية كافة. عبر مسارات الصراع الداخلي، ما بين تيارات مختلفة، وفي اطر م.ت.ف، ومجلسها الوطني، ومؤسساته، شهد الفكر السياسي الفلسطيني، تطورات كثيرة، وعبر حروب المنظمة، مع أنظمة عربية، ومع إسرائيل، ارتفع مستوى المقاومة وارتقت وسائل عملها، خاصة على الصعيد الأمني. وعبر مسارات صعبة، ومتشابكة ومعقدة في آن، وصلت م.ت.ف إلى قناعات وأطر جديدة للصراع، وفي هذا السياق، جاءت ولادة ما سمي هجوم السلام الفلسطيني، وتحديد المرجعيات الدولية، كمرجعيات للصراع، وفي المقدم منها، مقررات الشرعية الدولية. اصبحت م.ت.ف، واقعاً ملموساً ميدانياً وفي العالم، لا يمكن القفز عنه. وبات الرقم الفلسطيني، جزءاً من معادلة الشرق الاوسط، في وقت يمكن القول فيه، إن الحركة الصهيونية، كحركة سياسية وفكرية وعقائدية استنفدت دورها عملياً، ولم تعد حركة قادرة على فرض ارادتها، واقعياً، ما تقوم به حكومة نتنياهو، في هذه الايام، محاولة إحياء الحركة الصهيونية، في وقت بات فيه واقع الصراع، والادراك الدولي لأزمة الصراع، يتنافى ويتناقض مع هذا التوجه.