أكدت كثرة الدعوات التي صدرت عن القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، خلال إحياء ذكرى تأسيس "إسرائيل" وجنودها القتلى، في اليومين الماضيين، على عمق الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري.
وتتمحور هذه الخلافات حول انفلات قادة "إسرائيل" السياسيين، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزراء وأعضاء الكنيست من ائتلافه الحكومي، في تصريحات ضد قادة المؤسسة الأمنية، وزير الجيش موشيه يعلون ورئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت ونائبه يائير غولان.
وبرزت هذه الخلافات بشكل كبير جدا في الموقف من الجندي القاتل، الذي أعدم الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في الخليل فيما هو مصاب بجراح خطيرة وعاجز عن الحركة، وبمحاولة السياسيين السيطرة على تعليمات إطلاق النار، منذ اندلاع انتفاضة القدس في مطلع تشرين الأول الماضي.
وفي مقابل ذلك، دان يعلون وآيزنكوت سلوك الجندي القاتل، بينما هاتف يعلون والد الجندي وأعرب بشكل مبطن عن دعمه للجندي القاتل، بعدما أدرك أن الرأي العام في "إسرائيل"، اليميني بغالبيته، يؤيد هذا الجندي.
ومنذ بداية الانتفاضة الفلسطينية، أطلق وزراء تصريحات تهدف إلى تسهيل إطلاق النار على الفلسطينيين بادعاء الاشتباه بتنفيذهم عمليات طعن.
وأدت دعوات هؤلاء الوزراء إلى استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين، قسم كبير منهم بإطلاق النار عليهم بدم بارد ومن دون أن يشكلوا أي خطر على أحد، وذلك باعتراف جهات "إسرائيلية" وبضمنها تحقيقات عسكرية.
ودفعت هذه الأجواء المنفلتة في "إسرائيل" آيزنكوت إلى الإعلان قبل شهور أنه لا ينبغي إفراغ ذخيرة بندقية أوتوماتيكية في جسد فتاة فلسطينية تحمل مقصا. إذا جرّت عمليات القتل والإعدام الميدانية التي نفذها جنود الاحتلال انتقادات دولية ضد "إسرائيل".
وكتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم الجمعة، أن "قادة الجيش هم الذين يعون المخاطر الحالية" منطلقا من فرضية أن نتنياهو وغيره من السياسيين يطلقون تصريحاتهم المنفلتة من أجل كسب تأييد ناخبين.
وأضاف المحلل أن "أزمة الثقة الحاصلة في الأسابيع الأخير في القيادة، بين نتنياهو وبين يعلون وأعضاء هيئة الأركان العامة، ليست نتيجة اختراع صحفي".
وقبل أسبوع، أضيف خلاف آخر في أعقاب تصريح نائب رئيس أركان الجيش غولان، الذي ألمح إلى وجود أجواء في "إسرائيل"، تتمثل بسلوك الجندي القاتل وإطلاق النار على الفلسطينيين بحرية، تشبه الأجواء التي سادت في ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية.
وأدى هذا التصريح إلى تعرض غولان لهجوم شديد من جانب وزراء ومن جانب نتنياهو أيضا، بلغت حد الانفلات بقيادة الجيش، وذلك في الوقت الذي عبر فيه يعلون عن دعمه لغولان.
ووفقا لهرئيل، فإنه خلال اللقاء التقليدي بين نتنياهو وأعضاء هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي عشية يوم الاستقلال، "وخلافا لما هو متبع، لم يسمح للضباط برتبة لواء بالتحدث بحرية". وعزا المحلل ذلك إلى التخوف من توجيه انتقادات لنتنياهو بعد هجومه على غولان.
يشار إلى أن نتنياهو اصطدم خلال ولايته كرئيس للحكومة مع الجيش في الماضي. فقد اصطدم مع رئيسي الأركان السابقين أمنون ليبكين شاحك وغابي أشكنازي. والأخير تلقى في حينه دعما من رئيسي الموساد، مئير داغان، والشاباك، يوفال ديسكين، من أجل منع نتنياهو ووزير أمنه حينذاك، ايهود باراك، من الدخول في مغامرة عسكرية خطيرة تتمثل بهجوم عسكري إسرائيلي منفرد في إيران.
ورأى هرئيل أن آيزنكوت بلور مواقفه بعد ترجيح للرأي، وأن "إصراره على إحباط تدخل خارجي في تعليمات إطلاق النار، وإبقاء ترجيح الرأي للمدعي العسكري الرئيسي باتخاذ قرار بمحاكمة الجندي مطلق النار من الخليل (أي الجندي القاتل)، ورفض تحويل الجيش إلى كيس ضربات من جانب بعض السياسيين، له تبعات سياسية".
وحذر هرئيل من أن "التهجمات على هيئة الأركان العامة من شأنها أن تضر بثقة الجمهور بها، لكن الضرر الناجم عن ذلك سيكون متبادلا. فنتنياهو يعرف جيدا أنه ليس بمقدور أي رئيس حكومة أن يربح في المدى البعيد من صدام مباشر مع الجيش الإسرائيلي. لذلك، يرجح أن يختار في نهاية الأمر لجم التوتر مع الجيش".