هكذا أعدم الضابط الإسرائيلي عبد القادر الحسيني وهو جريح يطلب الماء!

20161305211831
حجم الخط

منذ عيد المساخر الأخير تهتم دولة اسرائيل بقضية الجندي مطلق النار في الخليل. يدعى الجندي اليئور أزاريا، ويخدم كممرض في كتيبة كفير. وقد أطلق النار على "مخرب" ملقى على الارض بعد تحييده من قبل قوات كانت موجودة قبل وصول ازاريا الى المكان. اعتقلت الشرطة العسكرية ازاريا فثارت البلاد. أزاريا لم يكن الاول الذي يطلق النار على عدو ملقى على الارض. أحد الأحداث المعروفة والاكثر أهمية كان في احدى معارك "حرب الاستقلال" وهي معركة القسطل. في مرحلة من مراحل المعركة أطلق نائب قائد الفرقة، يعقوب سلمان، الذي أصبح ضابطا رفيع المستوى في الجيش الاسرائيلي وايضا شخصية رفيعة في المستوى الحكومي والشخصي، النار على رأس قائد "الجيش المقدس"، عبد القادر الحسيني، الذي كان ملقى ومصابا على قمة الجبل. وقد تم اطلاق النار بعلم قائد الفرقة، مردخاي غازيت، الذي أصبح فيما بعد مدير عام مكتب رئيس الحكومة وسفيرا لاسرائيل في فرنسا. الاشتباك في القسطل عبد القادر الحسيني، ابن موسى كاظم الحسيني (الذي كان رئيس بلدية القدس في فترة العثمانيين وفي بداية الانتداب البريطاني وأحد قادة الحركة القومية الفلسطينية)، كان في الثلاثينيات من القرن الماضي عضوا في اتحاد العلماء المسلمين. وفي 1936 كان قائدا لـ"العصابات" في منطقة القدس. وقد أصيب اربع مرات واعتقله البريطانيون وتم اطلاق سراحه بكفالة وهرب الى العراق. وفي العام 1938 عاد الى "ارض اسرائيل" وتم تعيينه من قبل اللجنة العربية العليا، قائدا لمنطقة القدس. في العام 1939، بعد فشل التمرد العربي، هرب مرة اخرى الى العراق وانضم الى دورة للضباط. وفي العام 1942 تم اعتقاله في العراق، وعندما أطلق سراحه ذهب الى السعودية ومن هناك الى مصر. ومع اندلاع "حرب الاستقلال" عاد الى اسرائيل وتم تعيينه مجددا قائدا للواء القدس. وقد كان مكتبه الرئيسي في بيرزيت والمكتب الفرعي في بيت جالا. إن نجاح الحسيني في حرب الشوارع جعل القدس العبرية و"غوش عتصيون" على شفا الانهيار. وقد قام بعدة تفجيرات منها تفجير مباني المؤسسات القومية. وانجازه الاكبر كان معركة النبي دانييل. إن تراجع الولايات المتحدة عن تأييد اقامة الدولة اليهودية حسب خطة الامم المتحدة كان انجازا سياسيا استراتيجيا للعرب ونتيجة لنجاح عبد القادر الحسيني التكتيكي. مرؤوسوه المحليون والمتطوعون الاجانب أحبوه، وقد تعاون معه سكان المدن والقرى. إنه من أرفع القادة الفلسطينيين حتى الآن. بدأت معركة القسطل يوم الجمعة، 2 نيسان 1948، حيث سيطرت قوة من "البلماخ" بقيادة الياهو سيلع بدون معارك على قرية القسطل بعد هرب سكانها. وفي يوم السبت استبدل غازيت وسلمان مقاتلي "البلماخ"، ودافعوا عن القرية في وجه هجمات الفلسطينيين الشجاعة. في 7 نيسان قرر القادة العرب في دمشق الانقضاض في الليل على قرية القسطل. وخلافا لموقف مساعدي عبد القادر الحسيني، قرر الانضمام للمعركة. وقال لمساعده بهجت أبو غربية: "لقد خانونا. الأمر الاخير الذي رأيته في مطار دمشق هو مخزن السلاح المخصص للقاوقجي. نستطيع الذهاب الى العراق والعيش هناك سرا، نستطيع الانتحار ونستطيع الموت هنا. أنا سأذهب الى صوبا. أرسل لي مدرعتين. وأمر أبو دية بأن يأتي مع المقاتلين والالتقاء معه في صوبا. سنعيد احتلال القسطل. وأنا سأكون على رأس الهجوم". في 8 نيسان، قبل الفجر، وصلت خلية من "المخربين" الى مقر قوة "موريه" وقامت بوضع العبوات الناسفة. وقام غازيت وسلمان بتفكيك العبوات. وعندما انسحب "المخربون" مروا بالقرب من قبر الشيخ، حيث كانت هناك فرقة "البلماخ". موشيه كتسنلسون الذي كان في برج المراقبة قام باطلاق النار. وفي تقرير قائد الفرقة الرابعة لـ"البلماخ" كُتب أن اثنين من اعضاء الخلية قتلا برصاص كتسنلسون والثالث استسلم، "لكن رجالنا قتلوه". قبل طلوع الفجر صعد عبد القادر الحسيني ونائبه كمال عريقات وشخص ثالث يدعى عرفات (حسب احدى الروايات يدور الحديث عن ياسر عرفات) الى القسطل. وفي الرابعة فجرا وصل الثلاثة الى القمة. على بعد 30 مترا لاحظهم الضابط مئير كرميول الذي استيقظ من نومه في شرفة البيت. غازيت وسلمان اللذان أنهيا تفكيك العبوات عادا الى الموقع. اعتقد كرميول أن عبد القادر وزملاءه هم قصاصو أثر من "البلماخ". "اصعدوا يا جماعة"، قال لهم بالعربية. ولبس كرميول الزي العسكري البريطاني ووضع الخوذة، واعتقد عبد القادر أنه جندي بريطاني هارب وقال "هالو بويز". ايضا سلمان وغازيت اعتقدا للحظة أن الثلاثة هم من جماعة تبنكين. ولكن عندما سمع سلمان الاصوات صرخ: "مئير، إن هؤلاء عرب". وقد فهم كرميول ذلك وقام باطلاق النار نحوهم. أصيب عبد القادر وسقط وهرب كمال عريقات وعرفات. وقد طلب المصاب الماء للشرب، متوسلاً. قال سلمان لكاتب هذه السطور إنه وضع المسدس على رأس المصاب وطلب أحد الضباط منه عدم قتله أمام الجميع، بل في مكان خال. وقد قام سلمان بجر المصاب وأطلق النار على رأسه. "هذا قائد عربي" لم يعرف غازيت وسلمان وكرميول من هو القتيل. لقد لاحظوا أن ملابسه غربية والى جانبه بندقية أميركية ومسدس. وشاهدوا في يده ساعة ذهبية وكان في جيبه أقلام ذهبية وكثير من الوثائق. عندها فهموا أنه "سمكة ثمينة". ولكن بسبب التعب لم يقوموا بفحص وثائقه: رخصة سياقة مصرية باسم عبد القادر سليم، تقرير نقاش مع القنصل الأميركي في القدس وخطة هجوم على جبل المشارف. ولم يتعرفا عليه رغم أن صورته كانت قد نشرت كثيرا في الصحف. وصل نبأ اختفاء عبد القادر الحسيني في اليوم التالي الى مركز شاي في القدس، قبل الظهيرة. فقام هذا المركز بالاتصال مع غازيت والاستفسار عن الامر. وعندها فقط عرف غازيت من هو العربي القتيل وقام بفحص وثائقه. وقد اتصل رجال هيئة اللواء مع قائد "موتسا"، ميخائيل هافت، وطلبوا الجثة. وطلب هافت من غازيت ارسالها. "لا يمكن، العرب يقومون بالقنص"، قال غازيت. وفي مدرعة مليئة بالذخيرة والطعام صعد هافت وقائد الفرقة يغئال ارنون الى القسطل. وحصل يعقوب سلمان على أمر من قائد منطقة القدس لـ"الهاغاناه" بارسال جثة عبد القادر الحسيني في المدرعة الى المدينة، لكن مرؤوسي غازيت الذين ساعدوا المصابين رفضوا وضع الجثة داخل المدرعة. "التعرض للخطر بسبب ميت؟ هذا لن يحدث". والمصابون ايضا لم يوافقوا على السفر مع الجثة. وقال هافت لغازيت: إذا لم يأت من يستبدلكم في القسطل واذا لم تستطيعوا الصمود فمن الافضل أن تنسحبوا الى أرزا. وقد عادت المدرعة من القسطل الى القدس من دون جثة الحسيني. وقبل ذلك بساعات، في السابعة صباحا، وصل الى القسطل نائب اللواء، عوزي نركيس، مع مدرعتين أحضرتا الذخيرة، القنابل، والملابس والطعام الأميركي واربع صفائح من الحلاوة. وجاء مع نركيس فرقتان من الحراس. رجال نركيس أعطوا المدافعين عن القسطل الملابس النظيفة والادوات وأخذوا الملابس المستعملة. "أين الدعم؟"، سأل سلمان نركيس. "كانت هناك مشاكل مع المدرعات، ستصل بعد قليل"، قال نركيس. "لم ينم رجالنا منذ خمس ليال ولا يستطيعون فعل شيء"، قال غازيت. "ما الذي تفضله، استبدال عشرة اشخاص الآن، أم استبدال الجميع عند الظهيرة؟"، سأل نركيس. لقد خاف غازيت من أن يكون استبدال قسم من المقاتلين سببا في خفض معنويات الآخرين فقال "سننتظر حتى الظهيرة". فهو لم يكن يثق بوعود قادة "البلماخ". فلاحظ نركيس جثة وسأل "هل هذا تابع لنا؟ لماذا لم يتم دفنه؟". "هذا قائد عربي"، قال غازيت. لم يصدق نركيس وسأل "ماذا وجدتم معه؟". فأظهر له نركيس ما كان في محفظته وهي: نصف ليرة اسرائيلية، قرآن وشهادة تطعيم ضد الكوليرا تلقاها في معبر السويس. وطلب نركيس مسدس القائد العربي. "سأعطيك إياه اذا أخذت جثته"، قال سلمان. لكن رصاص القناصين استؤنف فسارع نركيس الى العودة الى المدرعات التي انتظرته على الطريق وطلب من غازيت ارسال الجثة الى القدس مع الجنود الذين سيغادرون عندما يأتي من يستبدلونهم. قال غازيت للمسؤولين عنه في برقية إن نركيس غادر القسطل بسرعة وأخذ معه مصابا واحدا فقط. والمصابون الآخرون بقوا في المنطقة المعرضة للهجوم. بدأت الجموع الغفيرة تتجمع بعد ستة ايام قال يغئال الون لدافيد بن غوريون في تل ابيب: "عبد القادر الحسيني لم يمت بسبب عبوة بل بسبب جنودنا. لقد أخطأ وجاء على رأس خلية الى المكان الذي كانت فيه فرقتنا. رفع عبد القادر الحسيني يديه واستسلم. لم يعرف رجالنا من هو وقاموا باطلاق النار عليه. وعندما قاموا بفحص وثائقه اكتشفوا أنه عبد القادر الحسيني. لم يعرف ألون أن الحديث هو عن "مخرب" عربي أصيب قبل ذلك على أيدي "البلماخ"، ولم يكن يعرف عبد القادر الحسيني ولم يهتم بأخلاق الحرب. وبعد عودة نركيس من القسطل الى بيت ففرمان سألوه اذا كان عبد القادر الحسيني قد قتل. وقالوا إن العرب ينظمون "فزعة" من الخليل الى نابلس وإن الكثير من المسلحين توجهوا الى شاعر هجاي من اللد والرملة وذهبوا الى القسطل بالسيارات من الجنوب. "الاعداء يحيطون بعبد القادر"، نادى المنادون. كانت التلال حول القسطل سوداء من كثرة الناس. وشاهد يوسف تبنكين من بيت ففرمان الجموع الغفيرة. في معركة تخليص جثة الحسيني انتصر العرب وسيطروا على القسطل. قُتل عشرات من رجال كتيبة "موريه" ومقاتلي "البلماخ" بقيادة ناحوم اريئيلي. ولم يهتم أحد من النخبة الاسرائيلية التي سيطرت عشرات السنين بموضوع أن عبد القادر الحسيني قد أطلقت النار على رأسه وهو مصاب ويطلب الماء. يجب على أولادهم وأحفادهم أن يتذكروا ذلك الآن اثناء النقاش حول الجندي مطلق النار من الخليل.