تصفية حسابات داخل «حزب الله»؟

hezbbb
حجم الخط

 

 
 


يوجد للجنرال قاسم سليمان، قائد قوة "القدس" في حرس الثورة الايراني، مبدأ. إنه يحرص على عدم تجنيد اكثر من مقاتل من العائلة ذاتها. هذه النظرة الانسانية هي درس مرير استُخلص منذ فترة الحرب الايرانية - العراقية في الثمانينيات في القرن الماضي، حيث قتل الابناء من العائلة الواحدة، وبذلك تم القضاء على سلالة كاملة. الآن ايضا، في سورية والعراق وهما الدولتان اللتان يعمل فيهما جنود وضباط ومرشدون ايرانيون، تسعى القيادة الايرانية الى تقليص رد الفعل المدني الذي قد يتحول احيانا الى احتجاج، وعدم الحاق الضرر بقدر الإمكان بعائلات المقاتلين.
لكن سليماني لا ينجح دائما في تطبيق هذا المبدأ. فكثير من المتطوعين الإيرانيين، لاسيما اولئك الذين ينتمون لصفوف "الباسيج" – جهاز متطوعي الحرس الثوري القادر على تجنيد أكثر من مليون مقاتل – ينجحون في تجاوز هذا المبدأ. يحصلون على بطاقات هوية افغانية أو باكستانية وينضمون لكتائب مثل "الفاطميين"، "الافغانيين"، أو "الزينبيين" الباكستانيين الذين يحاربون الى جانب النظام السوري. وفقط عند اعادة الجثث الى ايران يتبين أنهم مواطنون ايرانيون. حوالي 280 مقاتلا ايرانيا، بينهم ضباط رفيعو المستوى، قتلوا في الحرب منذ ايلول 2015، وهذا العدد يثير خلافا سياسيا في البرلمان الايراني حول استمرار تدخل ايران في الحرب السورية.
سليماني، الذي يؤيد التدخل الايراني في سورية، يجد أمامه محمد ظريف، وزير الخارجية الايراني، الذي لا يشجع هذا التدخل العسكري. يمتنع الرئيس روحاني في الوقت الحالي عن التصريحات العلنية حول هذا الشأن. وحسب المحللين الايرانيين فإن هذا الخلاف تسبب في نشر عدد القتلى الايرانيين في سورية، خصوصا بعد المعركة الفاشلة في خان طومان، وهي قرية محاصرة في جنوب حلب، قتل فيها في الاسابيع الاخيرة أكثر من 50 مقاتلا ايرانيا منهم الجنرال الايراني شافي الشافعي. ويعتقد المحللون أن نشر المعطيات يهدف الى تأجيج الخلاف في ايران، وقد جاء من قبل اطراف اصلاحية وأطراف معادية لسليماني.
يطرح نشر المعطيات تساؤلا آخر. في شباط الماضي تحدثت جهات رسمية أميركية ووسائل اعلام في اسرائيل عن انسحاب جميع القوات الايرانية من سورية. ويبدو أن المعلومات لم تكن كاملة أو دقيقة. فقد قامت ايران باستخدام 2500 مقاتل في سورية، صحيح أن بعضهم عاد الى الوطن كجزء مما تعتبره ايران "استبدال القوات"، لكن الدولة قامت بنفي التقارير حول الانسحاب. وتشير المعارك الأخيرة في حلب إلى أن مئات المقاتلين ما زالوا يعملون في سورية في إطار مجموعات صغيرة لتقليل عدد القتلى.
الإعلان الروسي حول انسحاب القوات الروسية من سورية بحاجة الى تدقيق. ليس فقط طائرات سلاح الجو الروسي تشارك في المعارك ضد المتمردين (وليس فقط ضد "داعش" كما تدعي روسيا)، فـ"مرشدون" ومقاتلون من روسيا يشاركون في الحرب في بعض الجبهات. واذا كانت التقديرات في بداية التدخل الروسي أن ذلك لن يغير وجه المعركة، فإن هذه التقديرات ضعيفة اليوم. حسب مصادر في المعارضة السورية فإن هناك تنسيقا أمنيا بين روسيا وايران تم وضع أسسه اثناء زيارة سليماني الى موسكو في 14 نيسان الماضي. هذا التنسيق يشمل استمرار الحرب في حلب من اجل احتلال المدينة الثانية في حجمها في سورية وايضا التعاون الجوي مع القوات السورية والايراني في خان طومان.
الهزيمة في خان طومان ينسبها الايرانيون الى التدخل السعودي والقطري والتركي والأميركي، حيث إن "قواتهم تعمل الى جانب قوات التكفيريين وتمدهم بالسلاح والذخيرة والارشاد"، هذا ما يقوله محسن رجائي، رئيس مجلس مصالح الأمة، والذي كان في السابق قائد الحرس الثوري. وقد تحولت خان طومان الى مركز الصراع من اجل الصيت بين الجيش السوري وشركائه وبين المتمردين الذين احتلوا القرية التي تقع في خط حيوي بالنسبة لحلب.
هل تسببت المعركة في خان طومان بقتل القائد العسكري    لـ"حزب الله"، مصطفى بدر الدين؟ في الشبكات الاجتماعية التابعة لمنظمات المتمردين نشرت، أول من أمس، تقارير تقول إن بدر الدين قتل في 6 أيار في معارك خان طومان. وحسب تلك التقارير فإن اقوال "حزب الله" بأنه قتل نتيجة قصف المدفعية من قبل التكفيريين في القاعدة الجوية بقرب دمشق، ليست صحيحة. هذه الرواية تعززها تصريحات المتمردين الذين يقولون إنهم لم يطلقوا في الآونة الاخيرة صواريخ أو قذائف نحو المطار، وإن المواقع المتقدمة لتنظيم "أحرار الشام" تبعد 15 كيلومترا عن مكان الاصابة، و"داعش" تبعد أكثر من 20 كيلومترا. اضافة الى ذلك، لا يوجد لهذه التنظيمات صواريخ أو قذائف دقيقة الى هذه الدرجة.
إن نفي الولايات المتحدة واسرائيل والمتمردين القاطع لصلتهم بالقتل يجب ألا يوقع أحداً في الحيرة. فبدر الدين مطلوب منذ 1983 من الولايات المتحدة بسبب صلته بالعمليات في الكويت التي استهدفت سفارات الولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك جهات في لبنان تريد الانتقام منه بسبب قتل رفيق الحريري، حيث إن اسم بدر الدين قد ارتبط بذلك. اسرائيل ايضا لها حساب مع من كان مسؤولا عن اطلاق الصواريخ باتجاهها.
واذا كان الحديث يدور عن مشتبه فيهم محتملين، فيمكن القول إن بدر الدين قد اختلف مع قادة في "حزب الله" حول التكتيك الذي يجب تبنيه في الحرب ضد اسرائيل، وطريقة تشغيل القوات في سورية. قبل عامين نشرت صحيفة "السياسة" الكويتية نبأ حول خلافات حادة في صفوف "حزب الله"، حيث تم توجيه الانتقادات الشديدة لبدر الدين بسبب اهماله في إدارة الوحدة التنفيذية 910 برئاسة طلال حامية، المسؤول عن عمليات "حزب الله" خارج لبنان، والوحدة 133 برئاسة محمد عطايا، المسؤول عن العمليات في المناطق. وقد تم اتهام بدر الدين بأن صديقاته يشغلنه عن دوره، الامر الذي تسبب في فشل عدد من العمليات للمنظمة مثل محاولة تنفيذ العملية في تايلاند في العام 2014.
نشأ خلاف بين عطايا وبدر الدين بعد أن تجاوز عطايا بدر الدين وقدم التقارير مباشرة للقيادة في بيروت. ويتوقع أن يكون حامية هو بديل بدر الدين، إلا إذا تبين أنه ساعد في قتله. يبدو أن "حزب الله" يعرف من هو المسؤول عن قتل بدر الدين. والمشكلة الاساسية بالنسبة له هي امكانية وجود اختراق أمني في صفوفه خصوصا أن الحديث يدور عن قائد معروف بسريته وكان دائما يقوم بتغيير مكانه وهو لا يستخدم الهاتف المحمول أكثر من يومين متتاليين.
إن قتل بدر الدين، بغض النظر عن حجم الضربة لـ"حزب الله" ولنصر الله بشكل شخصي، لن يؤثر على استمرار مشاركة المنظمة في الحرب السورية. مشكلة "حزب الله"، الآن، ليست ملء هذا المنصب، بل ملء صفوف المقاتلين بعد أن فقد حسب التقديرات أكثر من ألف مقاتل. "حزب الله" يلتزم تجاه ايران (التي فقدت هي ايضا قادة رفيعين في الساحة السورية) وتجاه الأسد. وطالما أنه ليس هناك حل سياسي فإن الحرب في سورية ستستمر في كونها حاجة وجودية بالنسبة لـ"حزب الله".

عن "هآرتس"