انفجر الخلاف بشكل صريح بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون حول استقلالية ضباط الجيش وحقهم في التعبير عن رأيهم.
ورغم ان حث يعلون لضباط الجيش على أن «يقولوا ما في أنفسهم» خلافا لتأنيب نتنياهو لنائب رئيس الأركان الجنرال يائير جولان شكل ظاهرياً مفجر المشكلة، إلا أن دوافع حزبية ومصلحية أيضاً تقف خلف ذلك. فهناك اتصالات تجري بين نتنياهو و «المعسكر الصهيوني» يساراً و «إسرائيل بيتنا» يميناً لتوسيع حكومته، ومنصب وزير الدفاع كان ولا يزال ضمن إغراءات المساومة.
وكان الشرخ قد بدأ في الظهور بين نتنياهو ويعلون حول مسائل قيمية، كالموقف من الجندي الذي أطلق النار على رأس جريح فلسطيني في الخليل، والموقف من كلام جولان حول مظاهر النازية في المجتمع الإسرائيلي. وبعد أن وبخ نتنياهو علناً نائب رئيس الأركان ساعياً لتحقيق الردع ومنع ضباط الجيش من إبداء مواقفهم، دعا يعلون الضباط في مقر وزارة الدفاع إلى قول ما تمليه عليهم ضمائرهم من دون خشية من القيادة السياسية.
وفي حفل الوزارة، في الذكرى السنوية لإعلان إسرائيل، قال يعلون للضباط: «أعود وأطالبكم، أنتم ومرؤوسيكم، بأن تواصلوا قول ما في نفوسكم. افعلوا هذا حتى لو لم تكن أقوالكم جزءا من التيار المركزي، وحتى لو كانت تختلف مع آراء ومواقف القيادة العليا أو القيادة السياسية. لا تخافوا، لا تترددوا. واصلوا كونكم شجعانا، ليس فقط في ميدان المعركة بل أيضاً حول طاولة المداولات. الجيش الجيد هو جيش قادته، كباراً وصغاراً، يشعرون بثقتهم بقدرتهم على قول رأيهم في كل وقت، مع علمهم أنهم لن يتضرروا. هذا هو طلبي منكم، يا قادة الجيش الإسرائيلي الكبار، وينبغي هذا أن يكون طلبكم من مرؤوسيكم: واصلوا العمل حسب الضمير الإنساني والبوصلة، ولا تسيروا حسب اتجاه الريح».
وأضاف يعلون «لقد كان الجيش الإسرائيلي، ولا يزال، بوتقة الانصهار المركزية لدولة إسرائيل، وبهذه الصفة علينا أن نحافظ عليه من كل شر، وألا نسمح بتسلل عناصر عنف وتحريض إلى داخله، أو ممن يؤثرون على جنوده. في الأشهر الأخيرة نجد أنفسنا نكافح حيال قلة متطرفة، تعمل في الميدان وفي الشبكات الاجتماعية. بعضهم تسللوا أيضاً إلى التيار المركزي في المجتمع، في الكنيست وبالتمويه، وهم يحاولون التأثير على شخصية وقيم الجيش الإسرائيلي. هذا صراع مهم لا مثيل له، لعله الأكثر حيوية وأهمية منذ سنوات طويلة. ليس فقط في سبيل صورة الجيش الإسرائيلي، بل وأيضاً في سبيل صورة المجتمع الإسرائيلي. إن مواصلة المس بالحصانة القيمية والأخلاقية للجيش الإسرائيلي وللمجتمع الإسرائيلي ستكون محملة بالمصيبة لدولة إسرائيل».
وعلى الفور، اعتبر نتنياهو أقوال يعلون تحديا له. وبتدبير استثنائي، وفيما كان يعلون لا يزال يلقي كلمته، نشر ديوان رئاسة الحكومة بيانا جاء فيه إن «رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يمنح إسناداً كاملاً للجيش الإسرائيلي، قادته وجنوده. رئيس الوزراء متمسك برأيه بان التشبيه بألمانيا النازية كان قولاً غير مناسب لا بالتوقيت، وغير جدير وألحق بإسرائيل ضرراً في الساحة الدولية. قادة الجيش يقولون آراءهم بحرية، في المحافل ذات الصلة وفي المواضيع ضمن مسؤولياتهم. الجيش الإسرائيلي هو جيش الشعب ويجب الحفاظ عليه خارج الخلافات السياسية».
ولم يكتفِ نتنياهو بالبيان، وقرر استدعاء وزير الدفاع يعلون صباح أمس. وأشار ديوان نتنياهو إلى أن استدعاء يعلون جاء لجلاء الأمور وبحث الخلافات. وبعد لقاء استمر 50 دقيقة، نشر الاثنان بياناً جاء فيه إن «رئيس الحكومة ووزير الدفاع التقيا هذا الصباح، واستوضحا بينهما الأمور. ولا خلاف، ولن يكون، على أن الجيش يخضع للمستوى السياسي، والضباط أحرار في الإعراب عن رأيهم في الدوائر ذات الصلة».
ورأى معلقون أن هذا البيان عبر عن رغبة في عدم التصعيد، وهو يوحي بأن نتنياهو لا يريد تغيير وزير دفاعه قريباً. واعتبرت سيما كدمون في «يديعوت احرونوت» أن هذا «يوم استقلال يعلون»، موضحة أن الخلاف بين الرجلين له جذور، وأن نتنياهو لم يكتف بالرد على يعلون وهو يلقي خطابه لكنه قرر استدعاءه. وواضح أن «السوط الذي يحمله نتنياهو أمام يعلون هو وزارة الدفاع. هذا هو العقاب الوحيد ولا يوجد غيره: إمكانية أن يقيل يعلون ويعين وزير دفاع آخر بدلاً منه». وأشارت إلى ان نتنياهو لن يسارع لفعل ذلك على الأقل، لأن أفيغدور ليبرمان حتى الآن لا يريد دخول الحكومة. وفي نظرها، يبدو أن يعلون في الآونة الأخيرة يتصرف «على أساس عدم الخوف من خسارة ما بيده. وانه اتخذ قراراً للسير مع قيمه وضميره كل الطريق، من دون أن يأخذ بالحسبان الأثمان، بالضبط مثلما أوصى القادة أمس».
أما بن كسبيت، في «معاريف»، فلاحظ أن يعلون «خلع القفازات، إما لأنه يعلم ما لا نعلم، أو أنه يصر على موقفه بعناده المعروف، بغض النظر عن الثمن. ولكن أياً كان السبب هناك جانب حزبي في هذا الفعل. يعلون يسمع أصواتاً ويرى مشاهدات، يتضح فيها أن حقيبة الدفاع هي إحدى الجوائز الأهم لدى نتنياهو، في ذهابه عند ليبرمان أو هرتسوغ، أيهما الأسبق، إلى داخل الائتلاف. ويعلون يكره الإطاحة المبكرة. عندما فعلوها به كرئيس للأركان، لم يغفر ولم يصفح».
واعتبر أن يعلون في خطابه صعد الأزمة وعمق الفجوة بينه وبين نتنياهو. ورأى أن يعلون بذلك «يرجو نتنياهو أن يقيله. إنه يشد الحبل، ويراه بالتدريج يتقطع، ويتعاطى وكأنه يتلذذ بكل دقيقة. يبدو لي أن يعلون فقد الخوف، ونفد صبره. وإذا كان أحد لم يكن حتى وقت قريب يتخيل أن يترك يعلون الليكود ليبحر في حزب جديد، فهذا بات اليوم سيناريو مشروعا. وإلى أن يحدث هذا، تدور هنا لعبة بوكر مثيرة بينه وبين نتنياهو على كل الصندوق».