ما تتعرض له الدول العربية منذ نهايات العام 2010، يقترب من أن يكون حرباً شاملة، وصراعا تتشابك خلاله، مصالح العديد، بل الكثير من دول العالم، ودول الإقليم والمنطقة، بهدف الاستحواذ على المستقبل.
حتى الآن معظم الدول العربية تعاني من اضطرابات شديدة الخطورة، وصراعات دموية، فيما إسرائيل، التي تدعي كل القوى أنها العدو الرئيس للأمة العربية، تمضي قدماً، وبأشكال بشعة من التطرف نحو تنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى، ومصادرة الحقوق الفلسطينية والعربية.
هذا العنف الشديد والدموي، الذي يميز أداء الكثير من الفرق والجماعات والأحزاب، ضد أبناء جلدتهم، يغيب كلياً، عندما يتعلق الأمر، بالأعداء المتربصين بالجميع، بما في ذلك هذه الفرق الواهمة بأنها قادرة على تحقيق أهدافها الوطنية الخاصة، في ظل تكالب الدول الاستعمارية، التي تستغل هذه الصراعات، وهذه الأوهام لتفتيت الدول العربية، والإمعان في نهب ثرواتها.
منذ سبعة وستين عاماً على قيام دولة إسرائيل، لم تشهد المنطقة ولا مرّة واحدة، هذا القدر من التطرف والعنف، وقوة الإرادة التي تبديها الجماعات التكفيرية والمتطرفة ضد أهل المنطقة، فلقد ظلت إسرائيل بمنأى عن الاستهداف من قبل هذه الجماعات، بالرغم من علو الشعارات.
أين كان كل هذا الخزان من العنف والكراهية، ولماذا لم ينفجر حتى الآن في مواجهة المخططات والمصالح الأميركية والإسرائيلية، التي تدعي الجماعات التكفيرية والمتطرفة، استعداءها واستهدافها؟
تحضر الأسئلة بغزارة وببساطة، وتغيب الإجابات المقنعة، التي تبرر الشعارات المعادية للاستعمار بكل أشكاله ومسمياته، وتظهر مكانها سلوكيات براغماتية، ترجح أن هذه القوى تتعاون مع أعدائها المفترضين نظرياً، والحلفاء بالممارسة العملية.
لا تتنبه هذه الجماعات إلى وجود مبعوثين أمميين، هم في الحقيقة مجنّدون لتسهيل نجاح المخططات الأميركية، في اليمن، وسورية، وفي ليبيا، فيما يغيب حضور الجامعة العربية، أو أي شكل من أشكال الحضور العربي، إلاّ ما يظهر من تضارب في الميدان، يخدم التدخلات الأجنبية.
العرب مجندون في خدمة المخططات الأجنبية، وفي الحقيقة فإنهم مجندون ضد أنفسهم وشعوبهم ومستقبلهم، ولن ينجو منهم من اختار ممالأة الأجنبي والتقرب منه.
ماذا تفعل داعش وأخواتها في سورية والعراق، ولماذا لا ترى بأنها تقدم ذريعة قوية، لتدخل عسكري أميركي جديد بعد أن فشلت الحروب الأميركية في العراق وأفغانستان، ولتعوض فشلها بالقضاء على وحدة العراق وسورية، وفي الوقت ذاته القضاء على الجماعات والقوى التي تعتقد أن بمقدورها إقامة الخلافة الإسلامية التي يتوهم أصحابها بأنهم سيصلون إلى مقر البابا.
إذا كانت الأضواء، ووسائل الإعلام تركز على ما يجري في العراق، حيث تتحالف أربع وستون دولة على رأسها الولايات المتحدة لمواجهة تمدد الدولة الإسلامية، فإن ليبيا تعاني من أوضاع وتمزقات لا تقل خطراً عما يجري في العراق.
لا توجد دولة في ليبيا، ولا يوجد جيش وطني قادر على مواجهة القبائل، والجماعات التكفيرية والمتطرفة، ومقدرات وثروات البلاد تتقاسمها الجماعات والقبائل، حتى لم تعد الدولة قادرة على تغطية نفقاتها، وهي الدولة الغنية.
لا تكتفي الجماعات المتطرفة والتكفيرية في ليبيا، بما تقوم به ضد شعبها، ووحدة أراضيها، فلا تتوقف عن التحرش الخطر بمصر، والمصريين، ولا تتوقف عن تهريب الأسلحة، والذخائر، والمقاتلين إلى داخل مصر.
المعركة والصراع يتخذان طابعاً أممياً ضد شعوب المنطقة، فهي معركة تخوضها الدول الاستعمارية، ومعركة تخوضها الجماعات الدينية والتكفيرية، التي تتآخى وتتآزر وتتعاون رغم اختلاف مسمياتها، كما تحولت القاعدة إلى تنظيم عابر للحدود، تتحول الدولة الإسلامية، وتتحول الجماعات التكفيرية الأخرى، نحو تجاوز كل حدود الدولة الوطنية ولتهشيمها.
وعلى خط مواز ومشابه، يتحول اليمن إلى منطقة صراع دموي، تتضارب عليه وفيه كل أشكال وأنواع القوى، الخارجية والإقليمية والعربية والقبلية الداخلية، والحزبية، لتبدأ من جديد مرحلة أخرى من العنف الأسود، الذي يجتاح هذا البلد، ويمهد بتشظيه إلى أكثر من شمال وجنوب، وليشكل خزاناً لتصدير العنف والسلاح والمقاتلين لدول الجزيرة العربية، وفي مركزها المملكة العربية السعودية.
يتفهم العقلاء، طبيعة هذا الماراثون التاريخي الذي تمر فيه المنطقة العربية، نحو مستقبل آخر، يضع المنطقة في قلب حركة التاريخ، ويتفهم هؤلاء أيضاً، أن هناك ثمناً كبيراً، وباهظ التكلفة لعملية الانتقال نحو مستقبل الحرية والديمقراطية، أو حتى مستقبل الخلافة الإسلامية، ولكن أحداً لا يمكن أن يتفهم لماذا يجري تدمير وتفتيت، وخدمة مصالح الأجنبي، وتعظيم ثمن تحقيق الأهداف.
وفي الحقيقة فإن على هؤلاء وأولئك أن يدركوا أن عجلة التاريخ لا يمكن أن تعود إلى الوراء، وان المستقبل، هو لا محالة لصالح الاندماج في حركة التاريخ الصاعدة نحو التقدم والتحضر.
عملية الانتقال هذه ستكون طويلة، وصعبة، وباهظة التكاليف والمهم أن تتوفر قوة الإرادة، والإصرار على خوض الصراع حتى النهاية. وإذا كانت بعض أطرافه قد تعرفت إلى أشباحها وأقامت تحالفاتها، سواء كانت وهمية أم حقيقية، فإن على القوى المقابلة، أن تتعرف إلى أشباحها وتحالفاتها، خصوصاً وطالما أن المواجهة شاملة، ولا تستثني طرفاً.