يتحفظ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر سلام في باريس، ويصر على "مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة" مع الفلسطينيين. لكن معارضة نتنياهو لم تردع وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرو، الذي زار هذا الأسبوع القدس ورام الله، وشدد على مواصلة التحضيرات للمؤتمر الذي يرى أنه يخدم المصلحة الإسرائيلية. يستخدم نتنياهو الخلاف الذي لا لزوم له مع فرنسا ذريعة جديدة من أجل المماطلة والتهرب من تسوية العلاقات مع الفلسطينيين. وبدلاً من البحث المسهب بشأن ما إذا كانت المفاوضات ستعقد في باريس أو في القدس، كان يتعين على نتنياهو إعلان مبادرة سلام إسرائيلية وأن يشرح بالتفصيل الأمور الحيوية في نظره، وعن أي شيء هو مستعد للتنازل لتحقيق "رؤيا بار إيلان" وقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. يريد نتنياهو اعترافاً فلسطينياً بإسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي" كشرط للتسوية، ومحمود عباس يرفض؟ يمكننا مناقشة ما إذا كان الاعتراف ضرورياً. لكن إذا كان رئيس الحكومة يعتبره مهماً إلى هذا الحد، فليقل لنا ماذا سيقدم للفلسطينيين مقابله؟ عاصمة محسّنة في القدس؟ اعتراف إسرائيلي بالنكبة؟ ربما يوجد ثمن يمكن حتى لمفاوض عنيد مثل عباس، أن يوافق مقابله على قول "دولة يهودية". منذ عودته إلى الحكم قبل تسعة أعوام، يرفض نتنياهو باستمرار تقديم مواقف تفصيلية بشأن القضايا الجوهرية للتسوية السياسية: الحدود والمستوطنات، الترتيبات الأمنية، القدس واللاجئين. وهو يفضل أن يُصور كمفاوض عنيد يرفض عباس، ولا يريد الاجتماع معه، بدلاً من أن يقدم مقترحات سلام وتفحص رد الفعل الفلسطيني. إن محادثات نتنياهو مع زعيم "المعسكر الصهيوني"، اسحق هيرتسوغ، بشأن توسيع الحكومة، تسحب من نتنياهو ذريعة اعتماده سياسياً على اليمين المتطرف. ومبادرة سلام إسرائيلية يمكن أن تكون سبباً يبرر انضمام هيرتسوغ وإخراج حزب "البيت اليهودي" من الحكومة، وذلك خلافاً لما يدور حوله النقاش الحالي الذي يتركز على عمق الإهانة التي سيمر بها "المعسكر الصهيوني" في طريقه إلى الائتلاف. مع هيرتسوغ في وزارة الخارجية، ونفتالي بينت في المعارضة، ومع دعم من الخارج من يائير لبيد و"ميرتس" والقائمة المشتركة، ستكون لدى نتنياهو أغلبية سياسية كبيرة تدعم أي تسوية جدية يقترحها. وبدلاً من خوض صراع مع الفرنسيين، يتعين على نتنياهو استغلال مؤتمر باريس كأساس لتجنيد دعم دولي لمبادرته. المطلوب أن يقود لا أن ينجرّ، وأن يستغل الفرصتين الدبلوماسية والسياسية المطروحتين عليه من أجل إحياء المسيرة السلمية وتحقيق الرؤيا التي قدمها سنة 2009. وبذلك يساهم نتنياهو في مستقبل إسرائيل وأمنها أكثر بكثير من النقاشات العقيمة مع سياسيين أجانب.