أضعف رئيس.. أخطر رئيس !

thumbgen (36)
حجم الخط
 

قبل ايام قليلة، بثت فضائية اجنبية ناطقة بالعربية ، لقطة من برنامج وثائقي ظهر فيها الرئيس اوباما خلال حملته الانتخابية الاولى يقف تحت شعار حملته « التغيير ». في تلك اللحظة تذكرت بعض بنود برنامجه الانتخابي ، وبعض الوعود التي تضمنها خطابه الاول ، وموقعها في قائمة انجازاته بخيرها وشرها.

في بداية عهده اعتقد البعض ان الرئيس اوباما هو الرئيس الاميركي الضعيف ، وربما الأضعف في التاريخ الاميركي المعاصر ، بسبب اسلوبه الهادئ في ادارة الدولة الاقوى ، خصوصا أنه جاء بعد ضجيج جورج بوش الابن المتهور الأحمق الذي خاض حربين مفتوحتين ، عندما قام بغزو أفغانستان والعراق.

اليوم ، نستطيع القول إن اول رئيس اسود دخل الى البيت الابيض أثبت في نهاية عهده ، أن الانطباع الاول نتج عن قراءة خاطئة ، لأن التاريخ اثبت انه الرئيس الاخطر والأقدر والأقوى ، بعدما امتلك القدرة على احداث التغيير في الولايات المتحدة ، وتحقيق الاصلاحات الداخلية ، وفي مقدمتها برنامجه للتأمين الصحي ، ومعالجة ازمة الرهن العقاري التي هددت النظام المالي في اميركا ، والتي ألقت بظلالها على النظام الاقتصادي والمالي العالمي.

وعلى صعيد السياسة الخارجية ، حقق مصالح وأهداف اميركا دون اللجوء الى الحرب او ارسال جيوشه لغزو بلاد أخرى ، لأنه استخدم حلفاءه وأدواته في الخارج لتحقيق هذه المصالح والأهداف ، أو أنه لجأ الى سياسة الاحتواء والتحييد لإطفاء بعض بؤر التوترالتي اعطت ثمارها اكثر من عمليات الغزو العسكري ، كما حدث عندما توصل الى انهاء ازمة الملف النووي الايراني.

وفي اوروبا الشرقية ، نجحت ادارة اوباما في الوصول الى حديقة روسيا الامامية ، حين دعمت الانقلاب في اوكرانيا واسقاط النظام المتحالف مع موسكو ، وفرض الحصار والعقوبات على روسيا ، ثم تابعت خطواتها فاكملت الطوق حولها ، فنصبت منظومة الدرع الصاروخية في رومانيا ، واجرت مناورات عسكرية في جورجيا واقتربت أكثر مما ينبغي من الحدود الروسية.

اما بالنسبة للوطن العربي ، فالرئيس باراك حسين اوباما لم يبخل علينا ببركاته ، وأولها فشله في فرض حل الدولتين أو فرض وقف الاستيطان والتهويد ، واكتفى بتاكيد التزامه بامن اسرائيل. وفي المقابل بعث لنا عاصفة الربيع العربي ، وهو المشروع الذي نجح في اسقاط الانظمة وتقويض الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اكثر من بلد عربي ، اضافة الى ادخال هذه البلاد في أزمات دموية تتناسخ على قاعدة مذهبية وعرقية وقبلية ارجعتها الى زمن ما قبل قيام الدولة.

والذي يثير الدهشة والاستغراب ان الادارة الاميركية لم ولن تتوقف عن الادعاء بمحاربة الارهاب، دون ان يكون لواشنطن أي دور جاد وفاعل وحقيقي في ضرب التنظيمات المتطرفة الارهابية ، او وقف الدعم عنها ، لأن الهدف الحقيقي لواشنطن هو اسقاط النظام وتفكيك الدولة ، وترك الامور مفتوحة وسائبة كما حدث في العراق بعد تفكيك الدولة وحل الجيش ، وكما يحدث في ليبيا اليوم.

وعندما ننظر الى خريطة طريق ادارة اوباما في اميركا اللاتينية ، نرى ما هو اكبر وأخطر. فقد سجل الرئيس اوباما أنه اول رئيس اميركي يزور كوبا ويطّبع العلاقات معها املا باحتوائها ، وربما الهدف هو العمل على احداث تغيير من الداخل بخلخلة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في كوبا عبر تشجيع السياحة والاستهلاك ونمط الحياة والعمل على انعاش غريزة حب التملك عند الفرد.

واذا انتقلنا الى فنزويلا نجد ان ادارة اوباما دعمت المعارضة اليمينية في فنزويلا وساعدتها على الوصول الى السلطة ، وهي تسعى اليوم لاسقاط النظام في كراكاس وخلع الرئيس مادورو من خلال التخريب الناعم وبادوات محلية. وكما في فنزويلا كذلك في البرازيل ، فقد نجحت المعارضة المدعومة من واشنطن في تشويه سمعة الرئيس البرازيلي اليساري السابق دي سيلفا ، وتجميد صلاحيات الرئيسة ديلما روسيف ، وتسليم الحكم لنائبها مشيل تامر المتعاون مع الولايات المتحدة ، بما يشبه الانقلاب ، مع ضرورة التذكير بأن البرازيل عضو في مجموعة بريكس مع روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا.

وبعد أيام قليلة سيقوم الرئيس اوباما بخطوة غير مسبوقة بزيارة هيروشيما ليسجل التاريخ بأنه أول رئيس أميركي يقوم بهذه الزيارة وهو في السلطة. صحيح انه لن يقدم اعتذارا رسميا للشعب الياباني، الا أنه سيعتذر بصمت وخشوع عندما يقف أمام النصب الشاهد على هول وفظاعة الجريمة الاميركية. كذلك سيزور فييتنام يحمل « رسالة السلام» من أجل راحة البال وكتابة نهاية سعيدة لعهده.

هذا الكم من الاحداث المهمة التاريخية المضافة الى حساب الرئيس باراك اوباما وادارته في ختام عهده ، بخيرها بالنسبة لاميركا ، وشرورها التي تعاني منها الشعوب الاخرى ، والتي حققها دون اللجوء الى الغزو العسكري أو اشعال الحروب ، تؤكد انه قدم لأميركا ما لم يقدمه رئيس آخر من خلال السياسة ، أو بالقوة العسكرية.. وسيكتب المؤرخون في سيرته أنه الرئيس الاخطر في التاريخ الاميركي المعاصر.

عن الرأي الاردنية