أغلقت سبل الوصول الى المقبرة الكبرى في ضواحي حولون، يوم الجمعة الماضي، الخامس من كانون الاول قبل سنتين، بمئات من رجال الامن، بمن فيهم حرس الحدود، الشرطة ووحدة حراسة الشخصيات في المخابرات. أُقتيدت قافلة لا تنتهي من السيارات التي فحصت بعناية الى نطاق خاص اقيم بجوار المبنى الذي كان معدا لتعقد فيه مراسيم جنازة استر (فيرا) ليبرمان، ام زعيم "اسرائيل بيتنا"، ايفات ليبرمان. لحظة واحدة – وان شئتم، صورة واحدة – انطبعت في ذاكرتي من ذاك الموقف الذي كنت حاضرا فيه. فحول جثمان الراحلة، الى جانب الابن، وزير الخارجية الذي عاد على عجل من زيارة الى سويسرا، وقف رفاقه: آريه درعي، الذي تلا بهمس آيات من التوراة، موشيه كحلون، الذي تحدث مع شخصيات معروفة من حلفاء ليبرمان، يائير لابيد، الذي كان وزيرا للمالية، وجدعون ساعر، الذي ترك الحكومة وخرج الى الصحراء السياسية. ولم يقم الارتباط بينهم فقط على أساس الصداقة والتقدير المتبادل. فقد كانوا متشاركين في احساس النفور، انعدام الثقة، وبالاساس كانوا ممتلئين بالاعتراف بانه حان الوقت لاجبار بنيامين نتنياهو على اعتزال رئاسة الوزراء. أما العنوان الذي أعطيته لصورة هؤلاء الرجال حول نعش أم ليبرمان فكان "لقاء المتآمرين". يمكن الافتراض بان أصداء الاحاديث في الجنازة كادت تصل في الزمن الحقيقي الى آذان النزلاء في منزل رئيس الوزراء في شارع بلفور في القدس. وفي منتهى السبت، سار نتنياهو ليكون من أوائل المواسين لليبرمان في مكان سكنه في نوكاديم. لشدة المفارقة، نجح نتنياهو في أن يشكل حكومته الرابعة بلا ليبرمان وبلا ساعر. وفقط اذا لم يحصل شيء غير متوقع، فان ليبرمان سينضم الآن الى الحكومة كوزير للدفاع. لم يتخلَ نتنياهو عن نية البقاء في رئاسة الحكومة لولاية اخرى، مثلما لا يتخلى ليبرمان عن تطلعه لخلافته مع حلول اليوم. فوزارة الدفاع تشكل محطة ضرورية للسيطرة على الهدف الاساس – رئاسة الوزراء. لا شيء سهل أكثر من توفير عناوين تتضمن شتائم ومنح علامات دون أي رقابة من جانب ليبرمان عن نتنياهو، وبالعكس. هذه الامور لا تشير الى ما يجري في الواقع الحقيقي. فتاريخنا السياسي مليء بشخوص غذت وسائل الاعلام بعناوين مهينة، ولكنها أثبتت في نهاية المطاف، فيما يتجاوز التشهيرات المتبادلة، بان السياسيين - مثل رابين وبيريس – يجدون الطريق والتوازنات الصحيحة للعمل معاً وعرض انجازات في ظل اتخاذ قرارات شجاعة. وعليه، ففي حالة نتنياهو وليبرمان ايضا توجد امكانية في أن نفاجأ إيجابياً. ومع ذلك، فان دخول ليبرمان الى وزارة الدفاع يشكل نوعا من الاختبار الذي لم يسبق له أن جربه حتى اليوم. فوزير الدفاع يقف في قلب الجهاز الحساس، الاكثر شمولا وتأثيرا على حياة الاسرائيليين، وبقدر كبير على ما يجري في الشرق الاوسط ايضا، لدى جيراننا القريبين والبعيدين. ليبرمان برؤيته يمكنه الاطلاع على اكثر اسرار الدولة كتمانا منذ العام 1996، حين شغل منصب مدير عام ديوان رئيس الوزراء، وحتى لسنوات تولى فيها منصب وزير الخارجية. وقد كان شريكا في "الكابنيت" السياسي الامني الذي يتخذ القرارات التي تنطوي على مصائر البشر. ظاهراً، سبق لنا ان رأينا كل شيء: موشيه آرنس تسلم مكتب وزير الدفاع بعد تنحية ارئيل شارون في أعقاب حرب لبنان الاولى. آرنس، بلا خلفية عسكرية، استقبل بشك وبتعابير قاسية. الجنرالات الذين هزئوا من آرنس سرعان ما تبين لهم أن المسؤول عنهم لا يعتزم الانبطاح أو التأثر بقصص بطولاتهم في المعارك. فقد ادار الجهاز، وفي نهاية المطاف نال التقدير العميق. كيف سيتصرف ليبرمان؟ اصدقاؤه سيقولون انه شكاك حتى اللحظة التي تحظى فيها بثقته، وفي تلك اللحظة، الثقة الكاملة، ما يشجع المحيطين به على أخذ المسؤولية وتحريك الاجهزة التي اودعت في يديه. أما منتقدوه فيدعون بانه ليس مبنيا للعمل العنيد، الذي يتضمن انشغالا بتفاصيل تستوجب حضوره وكامل انتباهه للمجالات المختلفة في وزارة الدفاع. ولكن السؤال الحقيقي يرتبط بمسألة اخرى تماما: هل سيجتذب ليبرمان الى الداخل ويصبح عمليا المنفذ لارادة عناصر الجهاز أم سيكون شخصية تتحدى اصحاب القرار فيه؟ اذا ما استندنا الى ما قاله في الماضي في احاديث خاصة، فان ليبرمان، بلغة لطيفة، لا يتأثر بقادة الجيش الاسرائيلي وبالمباحثات معهم. وقد وجدت الامور تعبيرا حادا لها في المعركة ضد "حماس" في صيف 2014، في حملة "الجرف الصامد". فقد اعتقد ليبرمان بان "ثلاثي قصاصي الاثر العميان"، على حد تعبيره، نتنياهو – يعلون – ورئيس الاركان غانتس، اداروا المعركة بشكل هزيل بل بائس. وقد قضى بشكل جارف – حسب محققي مراقب الدولة الذين يعدون التقرير عن "الجرف الصامد" – بان قادة جهاز الأمن ظهروا بكامل بؤسهم. ومرة اخرى، لشدة المفارقة، ففي الايام القريبة القادمة سيتولى المسؤولية عن الضباط الذين على حد قوله تعفنوا، وعن الجهاز الذي بزعمه لا يبدي أي تفكير من خارج العلبة، والمرة تلو الاخرى يعود ليقترح الخطوات والاجراءات ذاتها التي تجر اسرائيل الى حملات لا تنتهي. في كلمته أمام مؤتمر "اسرائيل بيتنا" في 26/2 من هذا العام، قال ليبرمان ان "آخر شيء نحن مستعدون له هو حرب استنزاف. دولة اسرائيل ملزمة بان تتطلع دوما الى مواجهة قصيرة قدر الامكان، حتى بثمن استخدام قوة أكبر بكثير. نتيجة الهزال الذي اظهرناه في الجرف الصامد نراها الآن يوميا في مئات العمليات ومحاولات العمليات للمس بنا في باب العمود، في تل أبيب، في جبل الخليل، وفي رعنانا. اذا قرر أحد ما استفزازنا فالرد يجب أن يكون فوريا وليس متوازنا. اللغة الوحيدة المفهومة في الشرق الاوسط هي "رب البيت جن جنونه". ثمة من سيقول إنه لما كان لا توجد حرب في الافق، يمكن لليبرمان أن يستكمل الدراسة اللازمة له في اطار منصبه في مكتب وزير الدفاع. وفضلا عن ذلك، في محيط نتنياهو كان يمكن أن نسمع بان رئيس الوزراء سيكون عمليا وزير الدفاع أيضا، مثلما فعل مع يوفال شتاينتس حين ارسل الاخير الى وزارة المالية. وعن هذا يمكن ان نقول طوبى للمؤمنين. الراحل مناحم بيغن هو الآخر اعتقد بان من الافضل أن يرسل ارئيل شارون الى وزارة الدفاع، وهو، بيغن، "سيهدئه". فقد قال وهو يقصد عيزار وايزمان: "أفضل جوادا شرسا ألجمه على بغل كسول". والنهاية معروفة: تذكروا حرب سلامة الجليل. من هدأ من؟ المسائل العاجلة التي ستصل الى حسم ليبرمان تتعلق بساحتين، غزة والضفة، قبالة شعب واحد: الفلسطينيين. لا ينبغي التأثير بتهديداته لهنية؛ فهو قد يفاجئ في السعي الى تسوية إقليمية، في اطارها يقوم نوع من الكيان الفلسطيني. ويلمح مقربو ليبرمان إلى ان في جعبته اقتراحات مفصلة تستهدف التقدم في مثل هذه التسوية، التي تضع حدا للمواجهة. وفي الاشهر الاخيرة من ولايته لوزارة الخارجية عقد ليبرمان سلسلة من اللقاءات السرية مع قادة دول في الخليج ومع شخصيات فلسطينية. فهل ستنضج الظروف لاختراق سياسي في فترة ولايته؟ من السابق لاوانه أن نقدر ذلك. في هذه الاثناء، اثنان من أكثر منتقدي وزير الدفاع المنصرف يعلون في جلسات "الكابنيت" السياسي الامني، افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت يقتربان من الامساك بدفة القيادة السياسية. والاثنان يكنان احتقارا ليعلون، ومن الآن فصاعدا سيبذلان جهودا كبرى للاثبات بان هناك طريقا آخر بقيادة جهاز الأمن. يخيل لي بأن التذمرات التي يطلقها الكثير من اولئك الذين اصبحوا، طوعا أو لاسباب اخرى، ناطقين بلسان جهاز الامن مبالغ فيها. كان من الافضل لو أعطوا فرصة لتغيير الاسماء في رئاسة وزارة الدفاع وفي "الكابنيت" لرسم اتجاه جديد.