تغير الحكومة جلدها في إسرائيل خلال يوم واحد، كاشارة سياسية شجاعة لشركاء عرب في المنطقة حول وجود خط جديد ومد اليد لمبادرة اقليمية ولاتفاق سيكبح ضغوطا سياسية لحكومة يمينية صقرية، تبشر بتغيير في السياسة الامنية المكبوحة والسعي الى مبادرات سياسية وخطط مفروضة. المسؤولون عن هذا الامر الغريب هم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يظهر من جديد كشخص مغامر، ورئيس المعارضة، اسحق هرتسوغ، الذي يظهر كقائد ضعيف بدون جنود، ووزير الدفاع المستقبلي، افيغدور ليبرمان، المنتصر الاكبر بفضل السلاح السري الخاص به: إنه غير متوقع. عندما يخطر بباله فانه يأتي، وعندما لا يخطر بباله فهو لا يأتي. لقد نشأ عن هذا الامر امور غريبة جدا. سنبدأ بالمبادرة الاقليمية التاريخية. بصوت مخدوش ومنفعل بشر هرتسوغ بإضاعة الفرصة التاريخية التي كان يتم التحضير لها. والسؤال الكبير هو الى أي حد كانت هذه المحاولة جدية ومن هم الشركاء؟ هل فجأة وقف الزعماء العرب في السعودية وقطر والامارات والاردن ومصر من اجل دعم الاتفاق السياسي والسلام الشامل؟ هذا أمر مهم ومغر، لكن تجربة الماضي تقول إن العرب يتحدثون وينشئون الانطباع بأنهم فوق السفينة، ويتبين فيما بعد أنهم قفزوا الى المياه. ويحتمل أن ما كان هو محاولة ليست جديدة للاعبين قدامى، اغلبيتهم فشلوا في هذا الملعب في انشاء إطار لعملية غير واضحة. وبرفقة طوني بلير ومعرفة جزئية من جون كيري ومشاركة اشخاص اسرائيليين رفيعي المستوى سابقا، تمت المبادرة الى التدخل في السياسة الاسرائيلية. لم يجند نتنياهو السيسي، ولم يفعل هرتسوغ ايضا ذلك، لكن يبدو أن الاصدقاء من وراء الكواليس قالوا له إنه اذا تحدث عن السلام فان هذا قد يساعد. لقد تحدث. تحدث عن تغيير تشكيلة الحكومة في إسرائيل. وما الذي حدث هنا؟ أُغمي على الاسرائيليين، واهتمت ووسائل الاعلام وبارك نتنياهو وهرتسوغ. هذه فانتازيا شرق اوسطية. هل فهمتم ما الذي حدث هنا؟ زعيم أجنبي خارجي دعا الى تغيير سياسي في اسرائيل، ونحن ببساطة قمنا بالعناق. لو كان باراك اوباما قال هذه الاقوال لهاجمه «الليكود» ورئيس الحكومة بسبب التدخل الفظ من قبل دولة اجنبية في شؤون اسرائيل الداخلية. ولقالوا إن هذا تدخل مرفوض في السياسة الاسرائيلية. وهذا ما كان سيحدث ايضا لو قال ذلك مناويل فالس، رئيس الحكومة الفرنسي، أو الرئيس فرانسوا هولاند. ولكن عندما يقول ديكتاتور عربي ذلك، الذي تُعتبر الديمقراطية بعيدة عنه بقدر المسافة بين دونالد ترامب وزهافا غلئون، فلا أحد يقوم بفتح فمه. يفضلون تدخل ديكتاتور عربي على تدخل ديمقراطي غربي. هذا شيء لا يمكن تصديقه. هناك تحول غريب آخر هو خضوع نتنياهو، الذي تم وصفه بالخطوة العبقرية. يتم تصوير نتنياهو مؤخرا على أنه انتصر بخطوته السياسية. ويمكن أن الجمهور قد اعتاد على الاكاذيب والتحولات. ويمكن أننا لا نتوقع أي شيء آخر. ويمكن أن الجمهور يعتبر بقاء نتنياهو بمثابة برنامج تلفزيوني واقعي ينجح فيه دائما بالتخلص من العقبات مثل هوديني. ولكن الحقائق تُظهر أنه قد خضع، ببساطة. قبل سنة، بعد الانتخابات، طالب ليبرمان بوزارة الدفاع. واقترح نتنياهو عليه وزارة الخارجية. رفض ليبرمان وفاجأ نتنياهو، وذهب الجميع الى المعارضة. ومن هناك هاجم نتنياهو في كل اسبوع بشكل فظ: كاذب، خائف ومتحول. وقد قال نتنياهو إنه اقترح على ليبرمان وزارة الدفاع عدة مرات. وقال ليبرمان بشكل حاسم إن نتنياهو كاذب ومخادع. الحقيقة هي أن مبعوثين من رئيس الحكومة اقترحوا على ليبرمان الدخول الى مكتب وزارة الدفاع في العام 2017، أي أن يكون وزيرا للخارجية في الوقت الحالي ويتبدل في السنة القادمة. استخف ليبرمان بذلك، حيث إنه لا يثق بأي كلمة من كلام نتنياهو وهو يعرف أنه يعد ولا ينفذ. لقد رفض ليبرمان الاكاذيب، وهذا ساعده. حينما بدأ اشخاص من «الليكود» برئاسة يوسي دغان، رئيس المجلس الاقليمي شومرون، باعادة العلاقة بين نتنياهو وليبرمان، كرر طلبه البسيط: وزارة الدفاع الآن. خضع نتنياهو وانتصر ليبرمان. إن هذا ليس أمرا بسيطا، حيث إن ليبرمان يحصل على الوزارة ولديه 6 مقاعد، أما نفتالي بينيت الذي لديه 8 مقاعد لفم يحصل على اقتراح وزارة الخارجية. وهذا الامر لا يساعد على الاستقرار. في «الليكود» أيضا يشاهدون تعيين ليبرمان. إنه لم يأت للجلوس على الكرسي لعقد، بل جاء للسيطرة على اليمين واستبدال نتنياهو. نتنياهو يمنحه مفتاح الغواصة والرقم السري للخزنة والمسدس الذي ينوي بوساطته القضاء عليه سياسيا، لا أقل من ذلك. لقد سلح نتنياهو، هذا الاسبوع، خصمه الاكبر في اليمين. والأكثر من ذلك: الانتخابات الأخيرة جاءت نتيجة لاقالة يائير لابيد وتسيبي ليفني. لكن فعليا كانت نتيجة لسياسة فظة دخلت الى «الكابنيت» في عملية «الجرف الصامد». ليبرمان وبينيت قالا لنتنياهو إنهما لن يصمتا ولن يصوتا بشكل أعمى. وهو فهم الرسالة وذهب الى الانتخابات وقزم ليبرمان من 12 مقعدا الى 6 مقاعد بمساعدة قضية «اسرائيل بيتنا». وقلص قوة بينيت الى 8 مقاعد بفضل «العرب يتدفقون على الصناديق». وها هو الآن يجد نفسه بين نفتالي وافيغدور في الصراع على اليمين. تعالوا لنتحدث عن الخطة: لم يأت ليبرمان هكذا. لقد جاء مع أفكار بعضها ابداعي وبعضها غير واقعي. ومن يجب عليهم الاستنفار هم الفلسطينيون والمستوطنون. ليبرمان يرغب في علاقة جيدة مع الادارة الأميركية وهو لن يتردد بخطوات «يسارية». من يعتقد أنه سيذهب رأسا برأس ضد اوباما أو كلينتون أو ترامب، فهو لا يعرف من هو ليبرمان. هرئيل كوهين، المقرب من كتسالا والمستوطنين كتب: «أريد تذكيركم أن ليبرمان هو الشخص الذي كان مدير عام مكتب رئيس الحكومة وهو الذي عمل من اجل بيبي في العام 1996 ونجح في جعل «الليكود» يوافق على تسليم مدينة الآباء، الخليل، والتوقيع على اتفاق واي... لقد أيد ليبرمان تجميد البناء في يهودا والسامرة وكان في «الكابنيت» حيث وافق على اطلاق سراح آلاف الارهابيين القتلة كبادرة حسن نية لأبو مازن. ولم يوافق ليبرمان على الانضمام لحكومة بيبي السابقة بدون حزب العمل. وقال إنه يوافق على مرور الحدود في شارع رقم 6 وأنه على استعداد للتنازل عن منزله في نوكديم للعرب». بالنسبة للفلسطينيين قال ليبرمان ما يريد: القضاء على «حماس» واسقاط السلطة في غزة عن طريق الدخول البري، التطهير، السيطرة، واعطاء السلطة لجهة اخرى. وهذا يعني: المبادرة الى معركة شاملة فيها مئات القتلى. وهذا يحتاج الى التنسيق مع مصر، التي تعتبر ليبرمان شخصية غير مرغوب فيها. وفي «يهودا» و»السامرة» يطلب طرد أبو مازن واعطاء السلطة لجهة اخرى. سيضطر ليبرمان الى مواجهة جيش يعتبر أن تعيينه خطأ كبير. وهو سيكتشف أنه من اجل القيام بخطوة ابداعية يجب عليه اقناع الجمهور الاسرائيلي بأنه لا يقوم بارسال الجنود الى الموت. هذا ليس سهلا، خصوصا بالنسبة لشخص ليست له تجربة في الجيش. وقد يكتشف نتنياهو قريبا أن ليبرمان يقترح اقتراحات استثنائية فقط من اجل أن يقوم نتنياهو بكبحه. اليساري الجديد قد يكون هو نفسه رئيس الحكومة، وعندها تخيلوا القمة الدولية القادمة: فلادمير بوتين، افيغدور ليبرمان، ودونالد ترامب. هذه هستيريا وتاريخ أيضا.