استقالة يعلون تعمّق الشرخ داخل اليمين الإسرائيلي

d0c97cf3cdd2c5c7fe3a1d0f8213f727_w800_h400_cp (1)
حجم الخط

قدّم وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون أمس، استقالته من منصبه الوزاري ومن عضويته في الكنيست، معلناً أنه فقد الثقة برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي حاول الإطاحة به عن طريق عرض وزارة الدفاع على زعيم «البيت اليهودي»، أفيغدور ليبرمان.
وأثارت استقالة يعلون ضجة كبيرة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، إضافةً إلى الصدمة في المؤسسة العسكرية. ويُعتقد أن استقالة يعلون تفتح الباب أمام تغيير معطيات داخلية، قد تقود إلى تبلور معسكرٍ مناهض لمحور نتنياهو ـ ليبرمان في وقت قريب.
وفي بيان وزّعه، أشار يعلون إلى «انعدام الثقة» بنتنياهو في أعقاب التطورات الأخيرة في الائتلاف الحكومي. وقال مقربون منه أنه لم يتفاجأ من محاولة نتنياهو الإطاحة به، لكنه تفاجأ بالأسلوب. وكتب يعلون على صفحته على موقع «فايسبوك»: «أبلغت رئيس الحكومة هذا الصباح أنه إثر سلوكه في التطورات الأخيرة وجراء انعدام الثقة به، أقدم استقالتي من الحكومة والكنيست وأخرج لفترةٍ من الحياة السياسية».
وفي إشارة ذات دلالة على المعنى العملي لاستقالة يعلون، فإن عضو الليكود الذي سيحل مكانه في الكنيست ليس سوى الناشط اليميني المشهور من أجل هدم الأقصى وإنشاء الهيكل، يهودا غليك، الذي كان مقاوم فلسطيني قد حاول اغتياله قبل عامين بسبب اقتحاماته للحرم القدسي. ورغم أن نتنياهو لم يكن في الماضي يرغب في أن يكون غليك جزءاً من صورة الليكود أمام العالم، إلا أن سلوكه المتطرف قاد إلى توضيح الصورة المتطرفة لحكومته وائتلافه وحزبه.
وقد رحب «البيت اليهودي»، وهو الشريك اليميني الابرز في حكومة نتنياهو، باستقالة يعلون. وغلّف الحزب الذي كان على نقيض تام مع منهج يعلون في إدارة السياسة الأمنية والتعامل مع الجيش ترحيبه بالاستقالة، بإعلانه أنها «قرار ضميري يعيد الاحترام للسياسة الداخلية الإسرائيلية».
وأشارت صحف إسرائيلية إلى أن نتنياهو كان اتصل مع يعلون طالباً منه عدم التصرف وفق ما ينشر في الصحف بشأن وزارة الدفاع، وأنه ليس هناك اتفاق مع ليبرمان بعد. ولكن يعلون كان يعرف أن الأمور تتجه نحو هذا الواقع، ولذلك رأى وجوب التبكير بالاستقالة. وبدأ يعلون حملةً ضد نتنياهو قال في بدايتها إن «الزعامة هي الإبحار وفق بوصلة، وليس وفق الأهواء». وأضاف أنه فوجئ «لأن ممثلي الجمهور يتحدثون بشكل ربما يخدم جهات معينة في المجتمع ولكن عبر فقدان الأخلاق والقيم».
ومعروف أن الصدام الأخير بين نتنياهو ويعلون كان على منظومة القيم التي ينبغي الالتزام بها في الجيش الإسرائيلي. وفي البداية كان الخلاف على محاكمة الجندي الذي أعدم جريحاً فلسطينياً في الخليل، وبعدها على تأييد يعلون لقادة الجيش وحقهم في الإعراب عن رأيهم، وأخيراً حول نائب رئيس الأركان، الجنرال يائير جولان الذي انتقد المظاهر النازية في المجتمع الإسرائيلي. ورغم إصدار نتنياهو ويعلون بياناً بعد لقاء بينهما قالا فيه إنهما سوّيا الإشكالات بينهما، إلا أن نتنياهو عرض في اليوم التالي وزارة الدفاع على أفيغدور ليبرمان.
ومعروف أن يعلون جاء إلى الجيش من بيئة يسارية صهيونية، لكنه من أجل المنصب صار يحمل أفكاراً متطرفة نقلته إلى أرفع المناصب في الليكود وحكومته. ولكن مع تزايد الانقسام في المجتمع الإسرائيلي صار يعلون، في العامين الماضيين، يظهر وكأنه الصوت العاقل في حكومة نتنياهو. ولكن تصاعد عربدة اليمين في البداية ضد الفلسطينيين، ثم ضد قادة الجيش، خلق هوةً كبيرة بين يعلون وشرائح واسعة في الليكود. وواضح أن اليمين الراغب في حسم الخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي وكل مؤسسات الدولة لم يعد يرغب في أمثال يعلون وصار يبحث عن ممثليه الحقيقيين: ليبرمان وغليك.
وأظهر استطلاع نشرته «معاريف» أمس أن 64 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يعتبر ما جرى مع يعلون إطاحة به. وانقسم الإسرائيليون بين تأييد بقاء يعلون في الليكود أو الخروج منه.
في كل حال، خلقت استقالة يعلون صدمةً في الحلبة السياسية الإسرائيلية. وقد أبدى كثيرون في الائتلاف الحكومي خيبتهم من هذه الخطوة فيما رحبت بها أوساط المعارضة. وانتقد بعض وزراء الليكود قرار يعلون، وقال بعضهم إنهم طالبوا نتنياهو أكثر من مرة في العام الأخير بإقالة يعلون. أما الوزير أرييه درعي من «شاس» فطالب يعلون بالعودة عن استقالته.
وقال وزير الدفاع السابق، عمير بيرتس، إن «نتنياهو أظهر اليوم للجمهور أنه ليس زعيم كل الشعب، وإنما الجزء الأكثر تطرفاً منه. لقد نجح نتنياهو في اغتيال وزير دفاع دولة إسرائيل بعدما نصب له الكمائن مرة تلو مرة». أما وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، فقالت إن استقالة يعلون تثبت أن «القيم ليست ضمن الخطوط الأساسية لهذه الحكومة».
واعتبرت زعيمة «ميرتس»، زهافا غالئون، استقالة يعلون «شهادة قاطعة على الضرر القيمي البليغ الذي أوقعه رئيس الحكومة سواء بالديموقراطية أو بالأمن. ومع كل خداعه، فإن ما أنجزه نتنياهو هو تحويل وزير دفاعه إلى عدو».
عموماً ورغم اعلان يعلون استقالته إلا أنه سرعان ما أعلن أنه سوف يعود قريباً لينافس على الزعامة ضد نتنياهو. ومن شبه المؤكد أن هناك في أوساط اليمين جملة من الخائبين من نتنياهو، وهم أنفسهم قد يتولون أمر تشكيل حزب جديد أو قد يسهمون في خلق «طوفان» يضمهم إلى أوساط أكثر اعتدالاً في الحلبة الإسرائيلية، وهذا ما يخيف نتنياهو.