سجلوا امامكم رقما قياسيا: حملة انعاش السلام التي كشفها الرئيس سيسي، صمدت لأقل من 24 ساعة، قبل ان تحظى بدفنها كما يدفن الحمار. حاولوا التفكير ما الذي يدور في رأس الرئيس المصري بعد ان اوقعه نتنياهو في الفخ. ذهب لشراء بوغي (هرتسوغ) واكتشف بأنهم غلفوا له ليبرمان. السيسي الذي لا يعتبر شاة ساذجة، اكتشف بأنه تعرض الى اكبر خديعة في حياته.
لكن الحكاية لم تنته. لقد ادخل السيسي ساقه ولكنه لم يغلق الباب. نحن لا نعرف ما الذي وعده به نتنياهو عندما اتصل به في نهاية الأسبوع لتعزيته بضحايا كارثة الطائرة المصرية. نحن لا نعرف حتى اذا جرت محادثة هاتفية كهذه، او انه تم تحويل التعزية عبر قنوات دبلوماسية. لكن ما نعرفه هو تشخيص الغضب في العنوان الضخم لصحيفة "الاهرام": "نتنياهو عين المتطرف ليبرمان وزيرا لأمن اسرائيل".
ليس صدفة ان المستشارين والمحللين يصمتون. مصر تعلن عن فترة تعطيل مؤقت، وواجب الاثبات ينتقل الى ليبرمان. في الذاكرة المصرية يرتبط اسم ليبرمان بالتهديد بتفجير سد أسوان، وبمقولة "اذا كان رئيسهم (مبارك) لا يريد زيارة إسرائيل فليذهب الى الجحيم".
فيما يلي حكاية لا نعرفها عن ما وراء كواليس مبادرة السيسي. يوم الاربعاء الماضي دشن محطة ضخمة للطاقة في اسيوط. لقد اختار عمدا هذا الحدث الايجابي وفي مكان ناء لإطلاق البشارة منه. لقد جلس السيسي في منتصف الصف الأول، وامر عبر مكبر الصوت مشغلي المولدات بالانطلاق. وعندما انتهت الجولة بين المحطات السبع الجديدة، اعلن العريف عن عزف النشيد الوطني المصري، ومن ثم حصل الرئيس السيسي على حق الكلام "لأن لديه شيء آخر يعلن عنه"، واعلن بشكل مفاجئ عن خطة السلام.
حسب التفاهمات التي تم تحديدها مسبقا، سارع الجانب الإسرائيلي الى اصدار بيان دعم جارف. لم يشتبه احد بأن هناك من سيقوم بإنزال الطنجرة عن النار لصالح حبة بطاطا ملتهبة. وتطايرت الشائعات عن رحلة لنتنياهو وهرتسوغ الى مصر للإعداد لمؤتمر سلام يتجاوز فرنسا.
وقبل ان يتمكنوا من الانتعاش، طار هرتسوغ، وفصل يعلون، وعين ليبرمان. "وداعا للمفاوضات" قال لي دبلوماسي مصري مخضرم ومسؤول رفيع في القاهرة. "نحن تعودنا على المفاجآت من جانب بيبي، لكنه هذه المرة وجه الينا خازوقا كبيرا". هذا الدبلوماسي، الذي لديه كيلومترات طويلة من ازمات الثقة مع اسرائيل، هو الوحيد المستعد اصلا للتطرق الى سلسلة الأحداث. اما البقية، وعلى رأسهم السيسي، فقد فقدوا اصواتهم.
انهم يتخبطون بين "خازوق" و"زومبا" لتعريف خديعة نتنياهو للسيسي. الخازوق معروف لدينا، ايضا، كقضيب رفيع وحاد، يدفعونه في المؤخرة من اجل التسبب بتعذيب ضخم. "الزومبا" باللهجة المصرية هي خديعة نتنة". الدبلوماسي المصري قال لي "حصلنا على خازوق من نتنياهو (طرد هرتسوغ)، وعلى زومبا (ليبرمان شرشف احمر)". واضاف: "انتم الذين تفاخرون بان اسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وتقسمون بأنكم تريدون السلام. ما الذي احضرتموه لنا. هل لديكم من كرس ولو لحظة واحدة للتفكير بالسلام؟"
كارثة الطائرة المصرية اسقطت، مؤقتا، الموضوع الاسرائيلي من العناوين. السيسي لا يحتاج للوقوف امام الميكروفونات والتحدث عن البصقتين على وجنتيه، ولكن الاجهزة الأمنية في القاهرة تواجه مشكلة جديدة الآن: التعاون الاستخباري – الاستراتيجي – الأمني، الذي لم يعد يتوقف على سيناء، سيصب في ايدي وزير الامن الجديد.
بعد غد، عندما يدخل ليبرمان الى الكرياه، سيبدأ برؤية ما لم يره في مناصبه السابقة. يصعب التصديق – لكن كل شيء يمكنه التدحرج لدينا – بأنه سيكون هناك، حتى ليبرمان، من سيمس بالتنسيق الامني مع مصر. هذه هي حبة الكرز النادرة في صحراء العلاقات. يمكن فقط لمجنون يفتقد الى المسؤولية، الاصرار على احداث تغييرات خطيرة حين لا يزال الباب مفتوحا.