نشهد مزيداً من التحولات الإسرائيلية نحو التطرف والعدمية والعنصرية، في الوقت الذي ما تزال فيه القضية الفلسطينية على هامش الأجندة العربية والدولية، وما زال العامل الذاتي الفلسطيني مثقلاً بالضعف.
هذا الوضع الحرج، تستثمره المؤسسة الإسرائيلية وتوظفه في تسريع وتائر النهب والسيطرة والإقصاء، إلى المستوى الذي دفع أطرافاً دولية وعربية إلى طرح مبادرات، كفرنسا والمؤتمر الدولي، والرباعية الدولية وبيانها المرتقب، وكالمبادرة المصرية، فضلاً عن مبادرات تركية وقطرية حول قطاع غزة. فهل تنتقل القضية الفلسطينية من الهامش إلى المركز؟ وما هي طبيعة تلك النقلة؟
الصراع الإسرائيلي الداخلي هو بين اتجاهات: يمين، وأقصى اليمين، ويمين فاشي، ووسط. ولا يرتبط بين موافقين وداعين لحل سياسي ينهي الاحتلال أو يوقف الاستيطان، وبين رافضين ومعارضين للحل.
و»موشيه يعالون» المساهم النشط في تعميق الاحتلال وفي تدمير قطاع غزة لم يعد مقبولاً من «اليمين المجنون الذي اختطف إسرائيل وبات يسيطر على مفاصل حكمها، حسب تعبير «يعالون».
حتى الخلاف حول القتل ليس جوهرياً «حين يتطلب الأمر أن نقتل نقوم بذلك، لكن حين يتم تحييد المهاجم نعتقله»، بحسب يعالون.
ويناقش الآن مشروع قرار «لحكم إعدام خاص بالفلسطينيين» ويستثني الإسرائيليين اليهود! حتى الذين تحدثوا عن «نزعات فاشية» مثل إيهود باراك، أو الذي قارن الأعمال التي أثارت القشعريرة في أوروبا زمن المحرقة وبين الأشياء التي تحدث الآن ضد الفلسطينيين» مثل يائير غولان نائب رئيس الأركان. مثل هذه الموا قف والتقييمات لا تخرج أصحابها من موقع الجلاد. حرب الاصطفافات بين وجود قفاز معدني مغطى بالحرير وقفاز عار، ولا خلاف على القفاز، وارتفاع أو انخفاض وتيرة العنصرية، ذلك أن استمرار الاحتلال والاستيطان غير المختلف عليهما منذ نصف قرن وحتى اليوم لن يؤدي إلا إلى فاشية وعنصرية تأتي بليبرمان وبينيت وأمثالهما. المشكلة أن أغلبية المجتمع الإسرائيلي تخضع لاستقطاب على قاعدة بقاء الاستيطان والاحتلال في ظل انهيار المعارضة الإسرائيلية وخضوعها المزري لمعسكر اليمين وتوجهاته السياسية.
كيف تتعاطى المبادرات والمواقف الأخرى مع هذا الواقع الإسرائيلي الرافض لكل الحلول، سيما وأنها تعتمد جميعاً على إعادة المتفاوضين إلى الطاولة وإقرار السلام وهذا يعني عودة «إسرائيل» للتحكم في العملية السياسية.
الجديد هو أن إسرائيل المجنونة وذات السمات الفاشية هي التي تفاوض راهناً. كان يمكن التعامل مع مساعي سياسية جدية لو جرى إلزام دولة الاحتلال بقواعد سياسية جديدة. غير أن ذلك لم يحدث، فالمبادرة الفرنسية تتبنى القدس الموحدة عاصمة لدولتين وتبادل الأراضي يعني بقاء التوسع الاستيطاني الكولونيالي، فضلاً عن مرور الحل عبر تفاوض ثنائي، وما يعنيه ذلك من إعطاء دولة الاحتلال حق القبول والنقض. ولما كان الطيف السياسي الإسرائيلي من أقصى اليمين الفاشي إلى الوسط ضد إنهاء الاحتلال والاستيطان، فإن العودة إلى المفاوضات ضمن القواعد السابقة بتعديلاتها الطفيفة، سيمنح إسرائيل المجنونة حق النقض وكسب الوقت اللازم لإكمال تحويلات بسط السيطرة وتفكيك المكونات الفلسطينية عن بعضها البعض وعن الأرض الفلسطينية.
ثمة تقولات عن تقرير للرباعية الدولية، سينتقد البناء في المستوطنات، ومن الجدير ذكره أن مشروع الرباعية السابق في عهد بوش الابن تضمن مطالبة بوقف كل أشكال الاستيطان بما في ذلك النمو الطبيعي، وظل ذلك الموقف حبراً على ورق. أَما وقد استيقظت الرباعية من سباتها الطويل، فإنها ستنشر بياناً ينقد الاستيطان! حكومة نتنياهو لم تتوقف عند المبادرة الفرنسية التي رفضتها، ولن تتوقف عند بيان الرباعية ولا اجتماعاتها الرزينة، بل تتعامل باهتمام كبير مع مبادرات عربية، فقد سارع نتنياهو إلى الترحيب بالمبادرة المصرية، وسبق له ولمسؤولين إسرائيليين من بينهم الوزير المرشح لحقيبة «الدفاع» أفيغدور ليبرمان، وأن رحبوا بالتفاهم مع دول عربية ومع حلول عربية، وفي مركز اهتمامهم إذابة القضية الفلسطينية في الوضع العربي والتخلص من كوابيسها التي تقض مضاجعهم.
الاتفاق الإسرائيلي مع دول عربية لا يستند إلى مبادرة السلام العربية التي تطرح إقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة وحل قضية اللاجئين حلاً متفقاً عليه؛ فإسرائيل «السوية» رفضت المبادرة، وبالقطع فإن إسرائيل المجنونة ليست في وارد التوقف عند تلك المبادرة.
بمفهوم إسرائيلي، يدور حديث عن توسيع اتفاقية كامب ديفيد 79 لتشمل دولاً عربية أخرى، وما يعنيه ذلك من بقاء الوضع الفلسطيني على حاله، بنتوستونات فصل عنصري داخل قبضة كولونيالية مهيمنة، وإذابة ما يمكن إذابته من الفلسطينيين في بلدان عربية، وشطب قضية اللاجئين. وبمفهوم دول عربية استمرار الحل المرحلي «أوسلو» بعد توسيعه قليلاً في الضفة، وإعادة ربط الضفة بقطاع غزة وتسمية ذلك دولة فلسطينية، والتي يمكن ربطها عربياً بصيغ ضامنة لعدم انتقالها إلى حالة من الفوضى.
ويبرر القبول بمثل هذا النوع من الحل بأنه مؤقت وبإجازة استمرار مطالباتها في قضايا القدس واللاجئين والحدود. وإذا ما قيض لاتفاق عربي إسرائيلي أن يرى النور فإن حلاً وسطاً هو المرجح، إنه حل أقرب إلى الصيغة الإسرائيلية انسجاماً مع موازين القوى الفعلية.
قد يشكل الوضع الفلسطيني الراهن بتراثه وشعاراته وبرامجه التاريخية عقبة أمام الحل العربي الإسرائيلي، رغم أحواله البائسة، لذا فإن التعاون لإعادة صياغة الوضع الفلسطيني بما يتناسب مع الحلول المتداولة أو التي ستتداول سيكون مطروحاً للبحث.
وإذا ما استمر الوضع الفلسطيني على حاله من الضعف والتفكك وعدم الاستجابة لضرورات تغيير البنية السياسية والإدارية وتصويب العلاقة مع مكونات الشعب في الداخل والخارج، إذا لم يحدث تغييراً ولم تنطلق مبادرات، فإن الشعب الفلسطيني سيعود إلى الوصاية وسيفقد مقومات تقرير مصيره. عندئذ سيكون حظ تلك الحلول هو الأوفر حظاً.
قد تكون بداية التغيير الفلسطيني، بإنهاء الانقسام والدفع نحو تغيير بنية المنظمة والسلطة، وتصويب العلاقة مع المجتمع الفلسطيني ومكونات الشعب في الخارج، وانتزاع زمام المبادرة السياسية. والسؤال الأهم هو من يبادر وعلى من تقع المسؤولية في الخروج من الهوامش.
هذا الوضع الحرج، تستثمره المؤسسة الإسرائيلية وتوظفه في تسريع وتائر النهب والسيطرة والإقصاء، إلى المستوى الذي دفع أطرافاً دولية وعربية إلى طرح مبادرات، كفرنسا والمؤتمر الدولي، والرباعية الدولية وبيانها المرتقب، وكالمبادرة المصرية، فضلاً عن مبادرات تركية وقطرية حول قطاع غزة. فهل تنتقل القضية الفلسطينية من الهامش إلى المركز؟ وما هي طبيعة تلك النقلة؟
الصراع الإسرائيلي الداخلي هو بين اتجاهات: يمين، وأقصى اليمين، ويمين فاشي، ووسط. ولا يرتبط بين موافقين وداعين لحل سياسي ينهي الاحتلال أو يوقف الاستيطان، وبين رافضين ومعارضين للحل.
و»موشيه يعالون» المساهم النشط في تعميق الاحتلال وفي تدمير قطاع غزة لم يعد مقبولاً من «اليمين المجنون الذي اختطف إسرائيل وبات يسيطر على مفاصل حكمها، حسب تعبير «يعالون».
حتى الخلاف حول القتل ليس جوهرياً «حين يتطلب الأمر أن نقتل نقوم بذلك، لكن حين يتم تحييد المهاجم نعتقله»، بحسب يعالون.
ويناقش الآن مشروع قرار «لحكم إعدام خاص بالفلسطينيين» ويستثني الإسرائيليين اليهود! حتى الذين تحدثوا عن «نزعات فاشية» مثل إيهود باراك، أو الذي قارن الأعمال التي أثارت القشعريرة في أوروبا زمن المحرقة وبين الأشياء التي تحدث الآن ضد الفلسطينيين» مثل يائير غولان نائب رئيس الأركان. مثل هذه الموا قف والتقييمات لا تخرج أصحابها من موقع الجلاد. حرب الاصطفافات بين وجود قفاز معدني مغطى بالحرير وقفاز عار، ولا خلاف على القفاز، وارتفاع أو انخفاض وتيرة العنصرية، ذلك أن استمرار الاحتلال والاستيطان غير المختلف عليهما منذ نصف قرن وحتى اليوم لن يؤدي إلا إلى فاشية وعنصرية تأتي بليبرمان وبينيت وأمثالهما. المشكلة أن أغلبية المجتمع الإسرائيلي تخضع لاستقطاب على قاعدة بقاء الاستيطان والاحتلال في ظل انهيار المعارضة الإسرائيلية وخضوعها المزري لمعسكر اليمين وتوجهاته السياسية.
كيف تتعاطى المبادرات والمواقف الأخرى مع هذا الواقع الإسرائيلي الرافض لكل الحلول، سيما وأنها تعتمد جميعاً على إعادة المتفاوضين إلى الطاولة وإقرار السلام وهذا يعني عودة «إسرائيل» للتحكم في العملية السياسية.
الجديد هو أن إسرائيل المجنونة وذات السمات الفاشية هي التي تفاوض راهناً. كان يمكن التعامل مع مساعي سياسية جدية لو جرى إلزام دولة الاحتلال بقواعد سياسية جديدة. غير أن ذلك لم يحدث، فالمبادرة الفرنسية تتبنى القدس الموحدة عاصمة لدولتين وتبادل الأراضي يعني بقاء التوسع الاستيطاني الكولونيالي، فضلاً عن مرور الحل عبر تفاوض ثنائي، وما يعنيه ذلك من إعطاء دولة الاحتلال حق القبول والنقض. ولما كان الطيف السياسي الإسرائيلي من أقصى اليمين الفاشي إلى الوسط ضد إنهاء الاحتلال والاستيطان، فإن العودة إلى المفاوضات ضمن القواعد السابقة بتعديلاتها الطفيفة، سيمنح إسرائيل المجنونة حق النقض وكسب الوقت اللازم لإكمال تحويلات بسط السيطرة وتفكيك المكونات الفلسطينية عن بعضها البعض وعن الأرض الفلسطينية.
ثمة تقولات عن تقرير للرباعية الدولية، سينتقد البناء في المستوطنات، ومن الجدير ذكره أن مشروع الرباعية السابق في عهد بوش الابن تضمن مطالبة بوقف كل أشكال الاستيطان بما في ذلك النمو الطبيعي، وظل ذلك الموقف حبراً على ورق. أَما وقد استيقظت الرباعية من سباتها الطويل، فإنها ستنشر بياناً ينقد الاستيطان! حكومة نتنياهو لم تتوقف عند المبادرة الفرنسية التي رفضتها، ولن تتوقف عند بيان الرباعية ولا اجتماعاتها الرزينة، بل تتعامل باهتمام كبير مع مبادرات عربية، فقد سارع نتنياهو إلى الترحيب بالمبادرة المصرية، وسبق له ولمسؤولين إسرائيليين من بينهم الوزير المرشح لحقيبة «الدفاع» أفيغدور ليبرمان، وأن رحبوا بالتفاهم مع دول عربية ومع حلول عربية، وفي مركز اهتمامهم إذابة القضية الفلسطينية في الوضع العربي والتخلص من كوابيسها التي تقض مضاجعهم.
الاتفاق الإسرائيلي مع دول عربية لا يستند إلى مبادرة السلام العربية التي تطرح إقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة وحل قضية اللاجئين حلاً متفقاً عليه؛ فإسرائيل «السوية» رفضت المبادرة، وبالقطع فإن إسرائيل المجنونة ليست في وارد التوقف عند تلك المبادرة.
بمفهوم إسرائيلي، يدور حديث عن توسيع اتفاقية كامب ديفيد 79 لتشمل دولاً عربية أخرى، وما يعنيه ذلك من بقاء الوضع الفلسطيني على حاله، بنتوستونات فصل عنصري داخل قبضة كولونيالية مهيمنة، وإذابة ما يمكن إذابته من الفلسطينيين في بلدان عربية، وشطب قضية اللاجئين. وبمفهوم دول عربية استمرار الحل المرحلي «أوسلو» بعد توسيعه قليلاً في الضفة، وإعادة ربط الضفة بقطاع غزة وتسمية ذلك دولة فلسطينية، والتي يمكن ربطها عربياً بصيغ ضامنة لعدم انتقالها إلى حالة من الفوضى.
ويبرر القبول بمثل هذا النوع من الحل بأنه مؤقت وبإجازة استمرار مطالباتها في قضايا القدس واللاجئين والحدود. وإذا ما قيض لاتفاق عربي إسرائيلي أن يرى النور فإن حلاً وسطاً هو المرجح، إنه حل أقرب إلى الصيغة الإسرائيلية انسجاماً مع موازين القوى الفعلية.
قد يشكل الوضع الفلسطيني الراهن بتراثه وشعاراته وبرامجه التاريخية عقبة أمام الحل العربي الإسرائيلي، رغم أحواله البائسة، لذا فإن التعاون لإعادة صياغة الوضع الفلسطيني بما يتناسب مع الحلول المتداولة أو التي ستتداول سيكون مطروحاً للبحث.
وإذا ما استمر الوضع الفلسطيني على حاله من الضعف والتفكك وعدم الاستجابة لضرورات تغيير البنية السياسية والإدارية وتصويب العلاقة مع مكونات الشعب في الداخل والخارج، إذا لم يحدث تغييراً ولم تنطلق مبادرات، فإن الشعب الفلسطيني سيعود إلى الوصاية وسيفقد مقومات تقرير مصيره. عندئذ سيكون حظ تلك الحلول هو الأوفر حظاً.
قد تكون بداية التغيير الفلسطيني، بإنهاء الانقسام والدفع نحو تغيير بنية المنظمة والسلطة، وتصويب العلاقة مع المجتمع الفلسطيني ومكونات الشعب في الخارج، وانتزاع زمام المبادرة السياسية. والسؤال الأهم هو من يبادر وعلى من تقع المسؤولية في الخروج من الهوامش.