موسم الخريجين والحاجة إلى تغيير في نوعية التعليم

05110183010569508383113123343322
حجم الخط
بدأت مؤسسات التعليم العالي، هذه الأيام، احتفالات تخريج عشرات الآلاف من حملة الشهادات المختلفة وفي مختلف التخصصات، وبالطبع فإن من حق الخريجين أن يفرحوا بعد الانتهاء من التعب وأنواع المعاناة، ولكن ومع الانتهاء من زخم الاحتفال، يبدأ الخريجون بإرسال الطلبات إلى المؤسسات والشركات والدوائر وحتى الوزارات المختلفة، بحثاً عن فرصة عمل، وذلك لترجمة ما تم الاستثمار فيهم، في سوق العمل، تلك السوق المقيدة والجامدة والخاملة، في ظل اقتصاد مقيد وضعيف النمو ويعتمد على الآخرين.
وبعد فترة من البحث يكتشف الخريجون، ما هي الإمكانيات والفرص واحتياجات السوق وعدم احتياجاته، ويبدؤون يلمسون ويتعايشون مع البطالة ومع نسب البطالة المرتفعة.
حيث تشير الأرقام التي تم نشرها حديثاً إلى إن نسبة البطالة الحالية في فلسطين تبلغ حوالى 26 %، أما عند فئة الشباب بالتحديد، فقد تصل نسبة البطالة إلى حوالى 41%، وحسب الأرقام أو المعطيات، فإنه وللحفاظ على النسبة الحالية من البطالة، نحتاج إلى إيجاد حوالى 600 ألف وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، أي بمعدل حوالى 60 ألف فرصة عمل سنويا، ونحتاج إلى نمو اقتصادي سنوي يقدر بحوالى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك فإذا استمر التصاعد الحالي في نسبة البطالة بنفس الوتيرة، فإننا قد نصل إلى حوالي مليون فلسطيني عاطل عن العمل بحلول عام 2030، وفي نفس المنوال ومن أجل إنقاص البطالة في بلادنا إلى نسبة الـ 10%، فإننا نحتاج إلى خلق حوالى مليون فرصة عمل منذ الآن وحتى حلول عام 2030.
ومعروف أن أحد الأهداف الرئيسة لمؤسسات التعليم العالي في العالم ومن ضمنها بلادنا، من المفترض أن يكون المساهمة في سد حاجة المجتمع وتغطية النواقص، من خلال رفد القطاعات المختلفة، من قطاع عام وقطاع خاص وشركات ومؤسسات بالأيادي المتعلمة أو المدربة، من أجل البناء والتنمية والتقدم، وبالتالي من المفترض أن تتداخل فلسفة وأهداف التعليم العالي مع حاجات المجتمع من خلال قطاعاته المختلفة، ويقوم المجتمع بدعم التعليم العالي ويقوم التعليم العالي برفد المجتمع بما يحتاجه من الأيادي المدربة المتعلمة، والتي من الممكن أن تكتسب مهارات الإدارة والقيادة.
ومن دون شك أن مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني، بمستوى شهاداتها المختلفة، من دبلوم وبكالوريوس وماجستير وفي بعض التخصصات الدكتوراه، وبالتخصصات المتشعبة التي تحتويها، من علم الاجتماع إلى الهندسة والصيدلة والطب والعلوم والآداب وحتى التربية، والتي نجدها مكررة في معظم الجامعات، هي الجهة الرئيسة التي تتحمل المسؤولية عن هكذا وضع، من حيث ضعف التخطيط والإرشاد وعدم التركيز كأولوية على النوعية أو على مصلحة الطالب من خلال ربطها بحاجات المجتمع، حيث من الواضح أن الوضع الحالي للجامعات يهدف بالأساس لاستقطاب المزيد من الطلبة وبالتالي المزيد من الدخل الذي يصاحب ذلك، واصبح التركيز اكثر على كيفية حل الأزمة المالية التي تعاني منها الجامعات، عن طريق قبول المزيد من الطلبة وبالتالي المزيد من الأقساط، وتم تناسي أن نسبة البطالة عند خريجي العديد من التخصصات تزيد على 50% وربما تصل إلى حوالى الـ 80%، وأن هذه النسبة تزداد مع الزمن، وتزداد معها مضاعفات عدم إيجاد عمل، سواء أكانت مضاعفات اجتماعية أو اقتصادية وغيرهما.
وفي خضم اصطفاف عشرات الآلاف من الخريجين من مؤسسات التعليم العالي، فإن من الأخطاء التي ما زلنا نرتكبها، هي النظرة غير الموضوعية إلى التعليم المهني أو إلى التعليم التقني، أو إلى التعليم غير الجامعي التقليدي أو الكلاسيكي، والذي من المفترض في الوقت الحالي أن يكون أهم واكثر فعالية من التعليم الجامعي التقليدي في بلادنا، والذي تستثمر فيه الدول المتقدمة الجزء الأكبر من الطاقات والأموال، والذي يقبل عليه الكثير في هذه الدول، والذي يجد خريجوه الفرص ويساهموا في تطوير المجتمع وسد حاجات البلد، ورغم الحديث المتواصل عن أهمية التعليم المهني، إلا أن القليل تم عمله من اجل تشجيع الإقبال على هذا التعليم أو خلق الفرص والإمكانيات، أو من خلال تغيير نظرة الناس إليه، من اجل تشجيع الطلبة للتوجه نحوه، ومن ثم ربطه، سواء من حيث الكم أو من حيث النوع مع احتياجات المجتمع.
ومع تواصل دوامة الآلاف من الخريجين في تخصصات لا نحتاجها، وبالتالي انضمامهم إلى أفواج البطالة، فإن هذا يدل ودون شك على عمق الفشل وعلى كل المستويات في ربط الاستثمار في التعليم بأنواعه، وبالأخص التعليم العالي، مع متطلبات سوق العمل، وبمعنى آخر، إن هذا يعني خسارة الاستثمار من وقت ومن أموال ومن تعب ومن جهد، وحسب الأرقام المتوفرة، فإن نسبة كبيرة من الخريجين وبالتالي من العاطلين عن العمل، هم من النساء الفلسطينيات، وهذا يوضح عمق المأساة التي تعيشها المرأة الفلسطينية المتعلمة، مع العلم أن نسبة الطالبات في معظم الجامعات الفلسطينية تتجاوز الـ 60%، ولكن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بلادنا، ما زالت لا تتعدى نسبة الـ 15% فقط، ولا أدري كم تبلغ هذه النسبة عند الخريجات من مؤسسات التعليم العالي فقط.