بعد خسارة نتنياهو الانتخابات لصالح ايهود باراك في العام 1999 واعلانه اعتزال الحياة السياسية استمعت الى حوار لخبراء في أحد البرامج الحوارية في الاذاعة، قال فيه مؤرخ سياسي ان بنيامين نتنياهو خرج من الحياة الاسرائيلية العامة «دون أن يخلف أي عبارة في سجل التاريخ». لا أذكر اسم المؤرخ، ولكن يخيل لي انه من الصعب الاختلاف مع حقيقة أنه منذ توقعه المعلل أصبح بنيامين نتنياهو الزعيم الاسرائيلي الاهم والاكثر تأثيرا منذ دافيد بن غوريون ومناحم بيغن.
تقديرات معللة عن سقوط قريب، او على الاقل عن بداية النهاية، انطلقت بعد ولاية نتنياهو كوزير للمالية ومسه الوحشي بالاجزاء الضعيفة والاكثر هشاشة في المجتمع الاسرائيلي؛ بعد كل واحدة من القضايا والتحقيقات في شأن السلوك المبذر لعائلته على حساب الاموال العامة؛ بعد الحرب في غزة («الجرف الصامد»)، التي شرخت – بكونها طويلة، كثيرة الاصابات وعديمة الانجاز – حصانة صورته كمهندس لسياسة «لا عمليات ولا قتلى»؛ وفي حملة الانتخابات الاخيرة، بالطبع، حين آمن مصوتو «الليكود» الاكثر اخلاصا حتى الساعات الاخيرة في صناديق الاقتراع بخسارة الحكم لليسار. ومؤخرا تطلق هذه التقديرات على خلفية التنحية البشعة لموشيه يعلون من وزارة الدفاع وادخال افيغدور ليبرمان وحجارة الشطرنج خاصته الى الحكومة. بداية نهايته، يقول المحللون.
كتب اوري مسغاف، هذا الاسبوع، «بوغي اسقط بيبي». وكتب موشيه آرنس ان الخدعة السياسية ستشرخ ثقة الجمهور في «الليكود» بصفته حارس الامن، وادعى اوري افنيري بان نتنياهو منقطع عن الواقع. ليس سهلا الاختلاف مع التجربة والحدة الفكرية لافنيري، ولكن يخيل لي ان نتنياهو بالذات مرتبط أكثر من أي شخص آخر بالواقع الاسرائيلي، وهذا ما يجعله الشخصية السياسية المركزية والاكثر تأثيرا في العشرين سنة الاخيرة.
أكثر من المحللين الذين يندهشون المرة تلو الاخرى من خطوات معينة لنتنياهو، ويسارعون الى قلب ساعات الرمل لتحديد حكمه، تمس شغاف القلب الاماني الساذجة لاولئك الذين يمتلئون أملا في كل مرة يتحدث فيها نتنياهو عن المفاوضات السياسية، عن الدولتين، وعن مؤتمرات سلام اقليمية مختلفة. فالإرث السياسي الاكبر لنتنياهو هو الجمود السياسي (الذي يؤدي بالطبع الى تدهور ثابت لان الطبيعة لا تحتمل الفراغ). فهو لن يتخذ قرارا شجاعا واحدا لتقدم السلام، ولن يسحب الاحتمال، وذلك لانه اذا كانت هناك أي قيم يتمسك بها، باستثناء حفظ حكمه، فهي «بلاد اسرائيل الكاملة» وانعدام الثقة بالعرب.
ان الاتفاقات السياسية الوحيدة التي وقع عليها هي اتفاق الخليل، الذي ابقى هناك الاستيطان اليهودي الذي يعيش برعاية الجيش كمثال فظ على نحو خاص للابرتهايد، واتفاق واي، الذي ادى الى سقوط حكومة نتنياهو الاولى ولم يتضمن سوى تنفيذ النبضة الاولى منه، ذات التأثير الهامشي على الارض. وكلاهما ارثان مفروضان من اتفاقات اوسلو.
منذ أكثر من عشرين سنة ومصير مواطني اسرائيل مرتبط به. ولا يزال الناس يرفضون استيعاب ظاهرة نتنياهو. رجل ذكي جدا، عبقري سياسي يترك وراءه كل خصومه، بمن فيهم اولئك الذين ينالون عطفا أكبر منه (بخلاف مناحم بيغن، الذي ظن المؤيدون له بانه «مغربي» بسبب ارتباطه الاصيل بالدين، بالفكرة الوطنية والدفء الانساني). شخصية تحقق المكاسب من تجارب خارجية عميقة من بيت الاب، ولاعب ذكي بمشاعر الدونية، كراهية النخبة اللدودة، المخاوف الوجودية، وعقد الاضطهاد.
نتنياهو هنا ليبقى، وعلى ما يبدو لزمن طويل آخر، وبقدر كبير لمصيبة المجتمع الاسرائيلي. يجدر بنا أن نعتاد على ذلك.
تقديرات معللة عن سقوط قريب، او على الاقل عن بداية النهاية، انطلقت بعد ولاية نتنياهو كوزير للمالية ومسه الوحشي بالاجزاء الضعيفة والاكثر هشاشة في المجتمع الاسرائيلي؛ بعد كل واحدة من القضايا والتحقيقات في شأن السلوك المبذر لعائلته على حساب الاموال العامة؛ بعد الحرب في غزة («الجرف الصامد»)، التي شرخت – بكونها طويلة، كثيرة الاصابات وعديمة الانجاز – حصانة صورته كمهندس لسياسة «لا عمليات ولا قتلى»؛ وفي حملة الانتخابات الاخيرة، بالطبع، حين آمن مصوتو «الليكود» الاكثر اخلاصا حتى الساعات الاخيرة في صناديق الاقتراع بخسارة الحكم لليسار. ومؤخرا تطلق هذه التقديرات على خلفية التنحية البشعة لموشيه يعلون من وزارة الدفاع وادخال افيغدور ليبرمان وحجارة الشطرنج خاصته الى الحكومة. بداية نهايته، يقول المحللون.
كتب اوري مسغاف، هذا الاسبوع، «بوغي اسقط بيبي». وكتب موشيه آرنس ان الخدعة السياسية ستشرخ ثقة الجمهور في «الليكود» بصفته حارس الامن، وادعى اوري افنيري بان نتنياهو منقطع عن الواقع. ليس سهلا الاختلاف مع التجربة والحدة الفكرية لافنيري، ولكن يخيل لي ان نتنياهو بالذات مرتبط أكثر من أي شخص آخر بالواقع الاسرائيلي، وهذا ما يجعله الشخصية السياسية المركزية والاكثر تأثيرا في العشرين سنة الاخيرة.
أكثر من المحللين الذين يندهشون المرة تلو الاخرى من خطوات معينة لنتنياهو، ويسارعون الى قلب ساعات الرمل لتحديد حكمه، تمس شغاف القلب الاماني الساذجة لاولئك الذين يمتلئون أملا في كل مرة يتحدث فيها نتنياهو عن المفاوضات السياسية، عن الدولتين، وعن مؤتمرات سلام اقليمية مختلفة. فالإرث السياسي الاكبر لنتنياهو هو الجمود السياسي (الذي يؤدي بالطبع الى تدهور ثابت لان الطبيعة لا تحتمل الفراغ). فهو لن يتخذ قرارا شجاعا واحدا لتقدم السلام، ولن يسحب الاحتمال، وذلك لانه اذا كانت هناك أي قيم يتمسك بها، باستثناء حفظ حكمه، فهي «بلاد اسرائيل الكاملة» وانعدام الثقة بالعرب.
ان الاتفاقات السياسية الوحيدة التي وقع عليها هي اتفاق الخليل، الذي ابقى هناك الاستيطان اليهودي الذي يعيش برعاية الجيش كمثال فظ على نحو خاص للابرتهايد، واتفاق واي، الذي ادى الى سقوط حكومة نتنياهو الاولى ولم يتضمن سوى تنفيذ النبضة الاولى منه، ذات التأثير الهامشي على الارض. وكلاهما ارثان مفروضان من اتفاقات اوسلو.
منذ أكثر من عشرين سنة ومصير مواطني اسرائيل مرتبط به. ولا يزال الناس يرفضون استيعاب ظاهرة نتنياهو. رجل ذكي جدا، عبقري سياسي يترك وراءه كل خصومه، بمن فيهم اولئك الذين ينالون عطفا أكبر منه (بخلاف مناحم بيغن، الذي ظن المؤيدون له بانه «مغربي» بسبب ارتباطه الاصيل بالدين، بالفكرة الوطنية والدفء الانساني). شخصية تحقق المكاسب من تجارب خارجية عميقة من بيت الاب، ولاعب ذكي بمشاعر الدونية، كراهية النخبة اللدودة، المخاوف الوجودية، وعقد الاضطهاد.
نتنياهو هنا ليبقى، وعلى ما يبدو لزمن طويل آخر، وبقدر كبير لمصيبة المجتمع الاسرائيلي. يجدر بنا أن نعتاد على ذلك.