ان مبعوث الامين العام للأمم المتحدة الى المنطقة، نيكولاي ملدانوف، بعث قبل عدة ايام، تحذيرا حظي باهتمام محدود، في ضوء الازمة السياسية المتعلقة بضم اسرائيل بيتنا الى الحكومة، واستقالة الوزيرين موشيه يعلون وآبي غباي. لكنه عندما سيدخل افيغدور ليبرمان الى مكتب وزير الأمن، ربما من المفضل ان يعرب عن رأيه في هذا التحذير. الوضع في غزة، حسب ما قاله ملدانوف خلال التقرير الدوري لمجلس الامن حول الاحداث في الشرق الأوسط، "يواصل كونه متفجرا ويائسا". ويحلق فوق القطاع خطر الحرب، و"المسألة ليست اذا ستقع وانما متى".
الظروف التي يصفها موفد الأمم المتحدة، والمعروفة جيدا لمن يتعاملون في موضوع القطاع في الجانب الاسرائيلي والجانب الفلسطيني والجانب المصري، يمكن ان تضع حكومة نتنياهو في صورتها الجديدة امام اول اختبار أمني. في الأسبوع الأخير، في ظل النقاش السياسي الحاد حول تقرير المراقب عن الحرب الأخيرة ومطالبة البيت اليهودي بتعزيز المجلس الوزاري المصغر، في اعقاب ذلك، تواصل في الميدان الاحتكاك بقوة منخفضة على حدود قطاع غزة. التنظيمات السلفية اطلقت صواريخ وقذائف باتجاه الأراضي الاسرائيلية، سقط غالبيتها في الاراضي الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، بقي التوتر قائما حول جهود اسرائيل لكشف الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس على الحدود.
نجاح اسرائيل الأخير، مع اكتشاف النفقين بين منتصف نيسان وبداية ايار، قاد الى رد استثنائي من قبل حماس، باطلاق القذائف، لأول مرة منذ انتهاء الحرب في آب 2014. لكنه تم توجيه نيران حماس مسبقا في اطار "هامش امني" الى المناطق المفتوحة، من خلال الامتناع عن اصابة جنود الجيش الاسرائيلي. وبتدخل مصري، تم تحقيق الهدوء المؤقت، الذي قامت مصر خلاله بفتح معبر رفح امام حركة الفلسطينيين لمدة يومين. يبدو ان وضع حماس صعب جدا الى حد تلقفها للفرصة وموافقتها على تبني المطلب المصري بوقف اطلاق النار.
لكن مصر لم توفر حلا للمشاكل الاكثر أساسية بين حماس واسرائيل: الازمة الاقتصادية الصعبة في القطاع، وتخوف حماس من ان كشف الانفاق سيسحب منها ورقة الهجوم الرئيسية في المواجهة العسكرية القادمة. المواطنون الغربيون الذين يكثرون من زيارة القطاع يصفون حالة يأس عميق في صفوف المدنيين، ولكن ايضا في صفوف موظفي حكومة حماس نتيجة للظروف الاقتصادية. انهم يقارنون الاجواء بما حدث في حزيران 2014. هذه المقارنة تنطوي على اهمية، لأن الضائقة الاقتصادية سرعت اندلاع الحرب قبل عامين. في حينه وجدت سلطة حماس صعوبة في دفع الرواتب لحوالي 42 الف مستخدم في القطاع. اتفاق المصالحة بينها وبين السلطة الفلسطينية في الضفة فشل واسرائيل شوشت محاولة قطرية لتخفيف الضغط الاقتصادي على حماس. مسودة تقرير مراقب الدولة الذي تم نشره هذا الشهر، يحدد بأن المجلس الوزاري الاسرائيلي لم يناقش بشكل جدي، خلال تلك الشهور، امكانية ان تمنع التسهيلات الاقتصادية الحرب. ولكن إسرائيل سمحت بالتسهيلات بعد الحرب بالذات، وشملت زيادة حجم البضائع التي يتم ادخالها الى القطاع من اسرائيل بأربعة اضعاف، وهو ما كانت رفضته قبل اندلاع العنف.
مسألة الأنفاق تحلق طوال الوقت فوق النشاط العسكري. يجب على اسرائيل معالجة الانفاق، بسبب الخطر المستقبلي الذي تشكله. التصريحات بشأن ايجاد الحل التكنولوجي للأنفاق، الذي سيستغرق استكماله حتى عامين، من المؤكد انه يجعل قيادة الذراع العسكري لحركة حماس، تسأل نفسها عما اذا لم يكن من المناسب المبادرة الى عمليات اختطاف عبر الأنفاق.، قبل ان يتم سحب هذا السلاح منها. وهناك مركب آخر: القوى العسكرية في الجانبين، تتدرب وتعد نفسها للحرب من خلال الافتراض المعقول بأنها ستندلع في نهاية امر. هذان نابضان يتم شدهما بالتوازي، وحقيقة شدهما تدفع خطر الحرب. توجد هنا نبوءة تميل في نهاية الأمر الى تحقيق ذاتها.
هذه المسائل ستناقش في الاستعراضات التي اعدها الجيش والشاباك لوزير الامن الجديد، حين يتم استكمال الخطوات السياسية. في الأسبوع الأخير تم، المرة تلو المرة، اقتباس تهديد ليبرمان، في مطلع الشهر، لحياة رئيس حكومة حماس، اسماعيل هنية، اذا لم يقم بإعادة جثتي الجنديين المحتجزين في قطاع غزة خلال 48 ساعة، منذ لحظة دخوله الى منصبه.
هذا التهديد يبدو واهيا، وسيتم تناسيه على خلفية القيود الامنية الاكثر تعقيدا، وحاجة ليبرمان الى طمأنة الجمهور بأن تعيينه لا يبشر بحرب جديدة في الصيف.
التخوف الأساسي امام استقالة يعلون يتعلق بفقدان الصوت الموزون وغير المتطرف في القيادة الامنية. ولكن على خلفية التوتر والوضع الاقتصادي المتصاعد في غزة، والتي يحذر موفد الامم المتحدة من أبعادها، يمكن مناقشة خطوات معكوسة بالذات. وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، يطالب منذ عدة اشهر بإجراء نقاش في المجلس الوزاري حول اقتراحه بإنشاء جزيرة اصطناعية امام القطاع، لتستخدم كمطار غزي بإشراف امني دولي. لقد عارض يعلون الاقتراح بشدة، بينما دعمت قيادة الجيش فحص هذا الخيار بشكل جدي. ربما يرى ليبرمان الامور بشكل يختلف ويكون منفتحا اكثر لفحص اقتراح كاتس.