يكتب البروفيسور أيال زيسر، في "يسرائيل هيوم" ان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي عمل في الأسابيع الأخيرة بلا كلل، وبدعم وتأييد من المملكة العربية السعودية، من أجل تعزيز عملية سياسية تهدف إلى إنشاء قناة اتصال بين القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية لضمان الهدوء في مناطق السلطة الفلسطينية، واستمرار التنسيق الأمني بين الجانبين. الغرض من هذه الخطوة المصرية السعودية ليس مركزا، ومع ذلك، فقط أو أساسا في القناة الفلسطينية، الغرض منها هو، وهذه هي ميزتها وأهميتها، وضع الأساس لإنشاء إطار للتعاون الإقليمي مع إسرائيل امام التحديات التي تواجهها البلدان في المنطقة.
هذا النشاط المصري، بل والسعودي، هو دليل آخر على التغيير الاستراتيجي الذي حدث في المنطقة في السنوات الأخيرة. بعد كل شيء، في الماضي، في اوقات الأزمات الداخلية، كان القادة العرب ينتهجون توجيه الاضواء نحو إسرائيل، بل كانوا يعملون في الماضي البعيد على تسخين الحدود معها من أجل حرف انظار الرأي العام المحلي عن المشاكل. واليوم، ايضا، امام التحديات الداخلية، تتطلع عيون الدول العربية تجاه إسرائيل، ولكن لم تعد تنظر اليها ككيس لكمات من اجل تنفيس الضغط وتليين الرأي العام المحلي، وانما على العكس من ذلك - كحليف يمكن التعاون معه والاستعانة به من اجل التعامل مع الكثير من التحديات التي تقف على اعتاب الدول العربية.
فمصر تواجه تهديدا متزايدا من الإرهاب الإسلامي المتزمت بصورة داعش في شبه جزيرة سيناء. ويتسرب هذا التهديد ببطء في أعماق مصر، كما يتضح من سلسلة طويلة من الهجمات الإرهابية في مصر نفسها، ناهيك عن سيناء. وفي نفس الوقت يواصل "الإخوان المسلمون" بدعم كامل من حماس، القاء ظلال ثقيلة على جهود السيسي لضمان الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي في الداخل. في ضوء كل هذا، تبرز الكتف الباردة التي يديرها الامريكيون لنظام السيسي في اوقاته العصيبة.
ومن جانبها، تقف المملكة العربية السعودية، الآن على خط النار الإيراني وفي مواجهة مباشرة مع طهران، وليس بواسطة أذرع الجانبين كما في الماضي. لقد تم قطع العلاقات بين البلدين وكلاهما غارقان اليوم في الصراع اليمني، الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية، حيث رسخت إيران موطئ قدم، وبالطبع في ساحات القتال في العراق وسوريا، ايضا. من جانبه، لا يقدم تنظيم داعش تنازلات للمملكة العربية السعودية ويبذل هو ايضا، جهوده في محاولة لزعزعة استقرارها.
اذن، فان مستقبل المنطقة بأكملها يتواجد على المحك - بين طموحات الهيمنة الإيرانية وتهديد داعش. ونظرا لهذا الوضع تزداد أهمية إسرائيل. وفي الواقع، فان جهود مصر والمملكة العربية السعودية ليس هدفها كما في الماضي، كما كان الوضع في سبعينيات القرن الماضي، إزالة خطر نشوب حرب يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة. بل ان التقدم في القضية الفلسطينية لم يعد يمثل الهدف النهائي. هذه المرة، المقصود التعاون الشامل والعميق في كل ما يتعلق بمعالجة التحديات الراهنة للأمن والاستقرار في المنطقة.
لقد أدرك الأردنيون هذا منذ فترة طويلة. ففي نهاية الأمر، يعتمد الأردن على إسرائيل للتزود بمياه الشرب، وكذلك الغاز من حقول الغاز التي اكتشفت قبالة سواحل إسرائيل. حتى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يعمل حاليا بشكل حثيث من اجل تسخين العلاقات بين أنقرة والقدس في ضوء التهديد الإرهابي المتزايد من قبل داعش، والخطر هو أن تقوم إيران وروسيا بتحقيق انقلاب على الساحة السورية التي استثمر فيها أردوغان الكثير من طاقته في السنوات الأخيرة.
مصر والسعوديين لا تملكان حلا سحريا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولا للصراع الفلسطيني – الفلسطيني بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في رام الله. ولكن لأن المقصود قضية مهمة لا تزال تعتبر الحد الأدنى من القاسم المشترك للرأي العام العربي الذي يمكن الالتفاف من حوله، من المهم تحقيق الهدوء على هذه الساحة. ولكن بالنسبة لمصر والمملكة العربية السعودية والأردن، وتركيا في المستقبل، فان الهدف يعتبر بعيد المدى اكثر مما كان عليه في الماضي، ومن الممكن أن يفوق بكثير توقعات إسرائيل نفسها، خاصة وأن القضية الفلسطينية ستواصل منع تحويل هذه المصالح السرية الى عقد زواج بكل ما يعنيه الأمر.