أثار تعيين الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان وزيراً لدفاع الكيان في فلسطين المحتلة كثيراً من ردود الفعل. وقرأ بعض المراقبين والدول تعيينه في سياق تعزيز التوجهات اليمينية لحكومة الاحتلال المتطرفة، وبالتالي المزيد من الابتعاد عن إمكانية تحقيق السلام مع الفلسطينيين. لكن آخرين قرأوا هذا التطور في سياق الصراع الداخل-إسرائيلي بين بنيامين نتنياهو وما يمثله، وبين مؤسسات الجيش والاستخبارات. ويعكس هذا الصراع مفارقة يختص بها كيان الاحتلال تقريباً، والتي تتجسد في "اعتدال" الأجهزة الأمنية والعسكرية مقارنة بتزمت الساسة وتعصبهم.
ويقلب هذا الفارق المنطق على رأسه، باعتبار أن الساسة ينبغي أن يكونوا هم الأكثر براغماتية ومرونة من جماعة الجيش والأمن المعنيين بالشؤون التقنية. لكن أيديولوجية ساسة اليمين في الكيان، القائمة أساساً على أفكار غير دنيوية مثل "أرض الميعاد" و"إسرائيل الكبرى" لا تفسح الكثير من المجال أمام منطق حساب الأرباح والخسائر على المدى الطويل، يساعد على ذلك "النجاح" النسبي لهذه التوجهات، بمعنى إفلات الكيان بالاحتلال والإبادة الجماعية والحلول العسكرية، مع عدم التعرض لضغوط دولية أو محلية قوية بما يكفي لفرض تغيير في السياسات. كما أن البرامج السياسية من هذا النوع تكفل النجاحات الانتخابية في مجتمع استيطاني إقصائي لا يدفع ثمناً يستدعي إعادة الحسابات.
يذكّر تسليم ليبرمان وزارة الحرب بولاية آرئيل شارون لهذه الوزارة في وقت سابق، وما صنعه في غزو لبنان في العام 1982. وفي تلك العملية، تجاوز شارون الهدف الأساسي للحرب ومسافة الـ40 كيلومتراً المحددة للعملية ليقطع باقي المسافة إلى بيروت. ورتّب ذلك تداعيات على مختلف الأطراف وأزم المنطقة المنطقة، كما ورَّط الكيان نفسه في جنوب لبنان حتى اضطراره إلى الانسحاب في العام 2000 تحت ضغط المقاومة اللبنانية. ويعتقد مراقبون أن ليبرمان ربما يقود المؤسسة العسكرية في الكيان إلى مغامرات عسكرية من هذا النوع، بالإضافة إلى تصعيد القمع ضد الفلسطينيين بلا شفقة. ويستشهد المتابعون بالموقف الأخير من قيام جندي جيش الكيان، إيلور عزريا، بإطلاق النار على فلسطيني جريح وقتله. وفي حين دان الجيش هذه الحادثة، عبّر نتنياهو وليبرمان عن دعمهما لتصرف الجندي.
بطبيعة الحال، تصعب رؤية رد فعل ضباط الجيش الاحتلالي في إطار "أخلاقيات جيش الدفاع"، عندما فسروا إدانتهم عزريا بأن تصرفه لا يمثل الجيش وقيمه. ففي نهاية المطاف، يظل هذا الجيش هو أداة الاحتلال وحاميه، وهو الذي يرتكب كل أعمال القتل والترويع في حق الفلسطينيين. لكنَّ الجيش والمؤسسات الأمنية في الكيان تتصرف "بدافع المصلحة الوطنية فقط، وليس الأيديولوجية أو الدين أو الاعتبارات الانتخابية"، كما يقول الكاتب رونين بيرغمان في مقال أخير. كما أن ضباط الجيش والاستخبارات أصبحوا "أكثر حذراً بشأن خرق القانون" خشية التعرض للملاحقات القضائية في المحاكم الدولية، حسب رأي نفس الكاتب.
لكن وقوف مؤسسات الجيش والأمن في الكيان على يسار الحكومة، يغري بتأمل احتمال أن تقوم هذه المؤسسات بتنفيذ "انقلاب" في داخل الكيان.
وقد عرض رونين هذا الاحتمال في مقالته، فكتب: "في بعض الحوارات التي أجريتها مؤخراً مع كبار الضباط حول تعيين ليبرمان... أثير احتمال حدوث انقلاب عسكري –وإنما مع ابتسامات فقط، ومع بقاء هذا الاحتمال غير مرجح". ويذكر الكاتب مناطق للاحتكاك الممكن بين ليبرمان وقادة الجيش إذا وجه إليهم أوامر من نوع القبول بجرائم قتل الفلسطينيين، أو اغتيال قادة حماس، أو حتى "قصف سد أسوان" في ظروف معينة. ويختم الكاتب بالتساؤل عن قبول قادة الجيش بتنفيذ أوامر مثل هذه، مع معرفتهم بأبعاد الكارثة التي ستجلبها هكذا إجراءات على مختلف الصعد.
بالنسبة لنا نحن، قد يريد البعض سيادة جهة في الكيان تفهم المعادلات والمخاطر، وتدفع باتجاه التحرك نحو السلام ومنح شيء للفلسطينيين –حتى بدوافع براغماتية تخدم غاية ديمومة الكيان في فلسطين. لكن الرهان على احتمال أن يأتي الانفراج من جيش الاحتلال في هيئة انقلاب أوغيره لا يبدو كاسباً. ففي الصورة الأوسع، لن يفرق تعيين ليبرمان أو غيره في تغيير الاستقرار النسبي لمشروع الكيان وفق الاشتراطات الراهنة. وسيبقى أي تغير جوهري في سياسات الكيان مرهوناً بالمتغيرات الخارجية، لدينا وفي العالم، أكثر من أي شيء آخر.
عن الغد الاردنية