لم يطُل وقت الغموض وسيل التساؤلات, الذي أطلّ بقلق على الساحة الإقليمية وخصوصاً السوريّة, بعد تداول ما وُصِف بـِ «مسودة» دستور سوري جديد تم إعداده, قيل إن موسكو التي صاغته (انتبهوا) قامت بعرضِه على الحكومة السورية, لتُسارِع الأخيرة الى دراسته وإجراء «تعديلات» علية.
ما تم تداوله على استحياء في البداية واتخذ شكل التسريبات, التي ما أن نُشِرت تفصيلاتها, حتى أثارت عواصف من الردود, لم تخلُ واحدة منها, من تحميل روسيا مسؤولية العمل على طمس عروبة سوريا والذهاب نحو تقسيمها (على شكل فيدراليات) ثم فتح الطريق أمام اي قوة خارجية أو جهة داخلية ذات ارتباط بالخارج الى شطب سوريا التى نعرفها من الخريطة على نحو تتواضع فيه التجربة الصومالية. نقول: ما كان تسريبا اتضح سريعا وتم تبديد ان لم نقل فشل كل محاولات شيطنة روسيا واستعداء الجمهور العربي وفي مقدمته الشعب السوري ضد موسكو التي نجحت في الثلاثين من أيلول الماضي حتى الآن, في تعديل الإختلالات الخطيرة في موازين القوى التي كانت سائدة وقتذاك.فضلا عن لجمها الى حد كبير, كل محاولات التدخل الخارجي وخصوصا التركي المحمول على تحالف اقليمي بنكهة عربية في سوريا لإسقاط الدولة السورية ونشر الفوضى فيها وإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالح السلطان العثماني الجديد، والتحالف المشبوه الذي اقامه في الداخل السوري بتواطؤ أميركي وعربي ودائما في تحويل الصراع في المنطقة الى صراع طائفي ومذهبي خدمة للمشروع الصهيوأميركي الذي لم يتوقف أصحابه عن الترويج له والعمل لإنجاحه منذ خمسينيات القرن الماضي عبر سياسة الأحلاف.
ما علينا....
مشروع أو مسودة الدستور «الروسي» المزعوم، ما لبثت أن ظهرت على حقيقتها وكانت لافتة السرعة التي تم فيها التوقف عن الحديث عنها ,مباشرة بعد ان تدخلت الرئاسة السورية لتبديد كل ما انتشر في الفضاءات الإعلامية والسياسية والحزبية بأطيافها الموالية والحليفة كما في المقلب المُعارِض أو المعادي, وأبواق الدعاية والتحريض التي لم تتوقف عن صب الزيت على الحريق السوري المتمادي.
«.. لم يُعرض على دمشق أي مسودة دستور وكل ما تناقلته وسائل الإعلام حول هذا الموضوع عار تماما من الصحة «وأن أي دستور جديد لسوريا مستقبلا، لن يتم تقديمه من الخارج، سيكون سورِيّاً فقط, يتناقش فيه ويتفق عليه السوريون في ما بينهم حصرا, ويُطرح بعدها على الإستفتاء، وكل ما عدا ذلك لا قيمة له ولا معنى، قالت الرئاسة السورية، في الوقت ذاته الذي سارعت فيه موسكو نفسها التي أُلصِقت بها تهمة إعداد هذه المسودة التي نحسب ان اي سوري مهما كانت آراؤه وتوجهاته ومرجعياته, لن يقبل بها شكلا ومضمونا، الى نفي صلتها بهذا المشروع موضحة أن الوثيقة الدستورية الجديدة، هي عبارة عن (ورقة) قدّمتها المعارضة وأميركا لنقل معظم صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة الإنتقالية»....
فكيف يمكن البناء على مثل هذه اللعبة الإعلامية المصاغة بنفس استخباري محمول على توصيات ونصائح خبراء علم النفس الإجتماعي الذي يقررون توقيت وطبيعة ونوعية التسريب في لحظة يراد منها خلط الأوراق ونسف الثقة ونشر الإحباط ؟
ثم... إن كانت موسكو التي ما تزال وعلى لسان قادتها ما تزال تقول إنها تمنح الأولوية للحل السياسي في سوريا وتدعو واشنطن بما هي الرئيس «المناوب» لمجموعة دعم سوريا التي تتولى «هندسة» الحلول السلمية للأزمة السورية, الى التنسيق معها والمشاركة في توجيه ضربات مشتركة لداعش وجبهة النصرة وتضغط عليها كي تفي بتعهداتها السابقة بفضل الفصائل المعتدلة عن جبهة النصرة، تقول: إنها تدعم خيارات الشعب السوري وهو وحده صاحب الحق في تقرير مستقبل بلاده وما يريده لدولته أن تكون عليه بعد حوار سوري سوري عميق وتعددي، فكيف تأخذ على عاتقها هذه المهمة الصعبة – حتى لا نقول المستحيلة – وتضع نفسها في موضع «العدو» فيما هي عملت بجهد ومثابرة من أجل لجم العدوان متعدد «الجنسيات» والأهداف الذي استهدف سوريا – وما يزال – ونجحت كما قلنا في منعه من تحقيق أهدافه رغم شراسته وعدوانيته وتجاوزه لكل السقوف والخطوط الحمراء منها والسوداء ؟
يجدر بالذين أخذوا على عاتقهم شيطنة روسيا وتشويه سمعتها والمس بدورها الأخلاقي والقانوني المستند الى الشرعية الدولية, أن يأخذوا في الإعتبار ما كانت توصلت إليه وقرّرته مجموعة الدعم الدولي لسوريا في شهر تشرين الثاني الماضي (2015) والقاضي بتشكيل حكومة انتقالية ذات صدقية وشاملة وغير طائفية، تُحدِّد جدولا زمنيا لكتابة دستور جديد وأن تُجري انتخابات حرة وعادلة بإشراف الأمم المتحدة خلا ثمانية عشر شهرا»..
فهل موسكو على هذه الدرجة من الغباء (وهي ليست كذلك) كي تُورِط نفسها في «مسودة» كهذه, تُسوِّد وجهها و...دورها ؟ أم أن المسألة برمتها لا تعدو «وثيقة» صاغها مركز كارتر بعد «15» جولة من المحادثات مع شخصيات من المعارضات السورية بالتنسيق مع الأمم المتحدة ومكتب دي ميستورا, كما باتت معروفة تفصيلات هذه المسودة التي تم «تلبيسها» لروسيا ؟
...فليُسعد النطق ان لم تُسعِد الحال, على ما قال جدنا الطيِّب... المتنبي.
عن الرأي الأردنية