ديمقراطية غير ليبرالية

3fd684d06d1a5f97ff4780263d33c513
حجم الخط
«تشكل اسرائيل قوة هجومية دولية في تحويل انظمة الحكم وفرض مبادئ حقوق الانسان التي تناقض احيانا مواقف وقيم الجمهور» – بهذه الجملة تتلخص قيم الليبرالية التي هي العملية الاكثر عمقا في دولة اسرائيل منذ قيامها وحتى ذروتها الحالية. هذه الجملة قام بصياغتها د. ران بيرتس في مقال بعنوان «الديمقراطية وشظاياها». إنه نفس ران بيرتس الذي يريد رئيس الحكومة في هذه الاثناء تعيينه رئيسا للدعاية رغم احتجاج الولايات المتحدة وسلطة خدمات الدولة.
«لنسم الطريقة الديمقراطية الجديدة، ليبرالية جديدة»، كتب بيرتس عندما تطرق الى النظام الذي يقدس حقوق الانسان. ولكن هيا لا نسميها هكذا. لماذا؟ لأنه يوجد لهذه الديمقراطية اسم آخر هو «ديمقراطية ليبرالية». النموذج الذي يمدحه بيرتس له اسماء اخرى مثل «ديمقراطية غير ليبرالية» و»ديمقراطية اجرائية» أو «شبه ديمقراطية». هذه نماذج تقدس المبنى بدون المضمون. وطريقة الانتخابات بدون المرساة الاجتماعية وسلطة الاغلبية بدون حقوق الاقلية مثل الديمقراطيات في روسيا وتركيا.
صحيح أن العلوم السياسية تختلف على تعريف مصطلح «القيم الليبرالية». ولكن بشكل عام، الكلمات الاساسية هي الحرية والمساواة. الجهات التي تصنف الديمقراطيات تميل الى تقسيم هذه الافكار الى عدد من المميزات: الانتخابات الحرة، حرية التعبير، حرية العبادة، حقوق الانسان وغيرها. ونشير الى أن المميزات يجب أن تسري على كل السكان. اسرائيل، رغم الاهتمام الدائم بالتوتر بين تعريفها «يهودية» وتعريفها «ديمقراطية» قد تم تشكيلها بالتأكيد كديمقراطية ليبرالية تسعى الى الوفاء بهذه المعايير. وهذه هي صورتها الذاتية الجماعية.
إلا أن الفجوة بين الطريقة وبين الواقع تزداد اتساعا: مظاهر العنصرية ضد الاقليات، محاولة تقييد الحوار والهجوم على الجهاز القضائي وقانون القومية وما أشبه. يمكن الجدل اذا كانت السيطرة على المناطق هي سبب النتيجة.
جميع القضايا المركزية الموجودة على جدول اعمال اسرائيل اليومي ترتبط بهذا التوتر، حول التأييد أو عدم تأييد تلك «القيم الليبرالية». بيرتس ومن يؤيدوه على حق في أن ذلك ينبع من الفجوة التي تزداد اتساعا بين أسس النظام وبين مواقف الجمهور – هل الحديث يدور عن اغلبية الجمهور؟ يصعب التحديد.
زكريا فريد، الذي شاهد قمة الديمقراطية الليبرالية، بدأ مقاله بجملة «لنفرض أن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة – لكن اولئك الذين سيتم انتخابهم سيكونون عنصريين وفاشيين وانفصاليين...»، هذه الجملة التي كان يمكن أن تظهر عشية الانتخابات الاسرائيلية في الفيسبوك الخاص بي، قيلت على لسان دبلوماسي أميركي عشية انتخابات 1996 في البوسنة. «ديمقراطيات غير ليبرالية تستمد شرعيتها من حقيقة أنها ديمقراطيات بشكل معقول». ويحذر زكريا من أن «الخطر هو القاء الظل على الطريقة الديمقراطية كلها». وفي ظل الوضع الحالي فان الكلمة السحرية «ديمقراطية» فقدت مغزاها. يجب الكف عن التلويح بها والبدء في التساؤل عن أي ديمقراطية يتم الحديث. هل عن التي تكون فيها الانتخابات حرة مثل العصفور ولكن ليس فيها حقوق للانسان؟ اذا كانت الاجابة بـ «نعم»، فتعالوا نسمى الشيء باسمه على الاقل، «ديمقراطية غير ليبرالية». أو كما أعلن الوزير يوآف غالنت بعد العمليات في بروكسل: «احيانا يجب فعل امور تناقض القيم الليبرالية التي تعيش اوروبا بحسبها». أهلا وسهلا بالقادمين الى مرحلة ما بعد الليبرالية في دولة اسرائيل.