"الكنيست العشرون، سِجِل القوانين العنصرية والمناهضة لحل الصراع"، تقرير صادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، إعداد الباحث برهوم جرايسي. التقرير جاء في الوقت الحرج ليوضح التحولات التعصبية الأعمق في المؤسسة الإسرائيلية، ممثلة هذه المرة، بإغلاق وحصار حقوقي قانوني يغلق الأبواب أمام السكان الأصليين، ويُدعِّم الإغلاق السياسي والاقتصادي، وصولا إلى الإغلاق الأخلاقي. التقرير يكشف تواطؤ المعارضة القبيح - باستثناء كتلتي القائمة العربية المشتركة وكتلة ميرتس- في سن مشاريع القوانين، سواء بالمشاركة بنسبة 28% في المبادرة والتقديم، أو بالغياب أثناء التصويت الذي يسهل تمريرها واعتمادها وبخاصة بالقراءة النهائية. 66 قانونا بعضها أقر، والبعض الآخر لا يزال في طور مشاريع قرارات قيد الإقرار وما بَدَّل أشاوس الكنيست واضعو المشاريع تبديلا. بعض مشاريع القرارات جرى استحضارها من نفايات الدورات السابقة، بعد فشلها في الحصول على نسبة حسم، والآن آن أوان استحضارها وإقرارها عبر مؤسسة يُشغلها متطرفون، ويختلط فيها الائتلاف الحاكم بالمعارضة على هدي الجشع الكولونيالي والعنصري. حمى القوانين ومشاريع القوانين تزدحم الآن بمستوى غير مسبوق، وكأن الكنيست العشرين في سباق مع الزمن، علما أن الدورات السابقة وحكوماتها كان لها دور مبادر في التأسيس لمثل هذه القوانين التي عززت الاحتلال والعنصرية. مثل القوانين التي استصدرت لغرض تنظيم مصادرة الأراضي الفلسطينية، كضم القدس والجولان وقانون "العودة". المشترك بين القوانين القديمة والجديدة هو كما يقول عنوان التقرير العنصرية ومناهضة حل الصراع وما يعنيه ذلك من تحصين الاحتلال واستدامته بالاستناد الى ايديولوجيا دينية تعصبية. والجديد في القوانين الحالية هو دخولها في التفاصيل التي من شأنها تثبيت الهيمنة الكولونيالية والنهب من جهة، وتفكيك مقومات كل حل يؤدي إلى انحسار الاحتلال، وفرض أبارتهايد على التجمعات الفلسطينية. وفوق كل ذلك فإن القوانين الجديدة لا تكتفي بتحريم الحق المشروع في مقاومة الاحتلال الذي يجيزه القانون الدولي، بل تحرم المقاومة السلمية والاحتجاج الشعبي ومقاطعة دولة الاحتلال اقتصاديا وثقافيا وأكاديميا. وهنا تنزع مشاريع القرارات الى معاقبة الدول والمنظمات التي تمارس ضغطا هدفه إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ترجمة حقه المشروع في تقرير مصيره. بل وتعاقب المنظمات الإسرائيلية الحقوقية التي ترصد الانتهاكات الإسرائيلية المتناقضة مع القانون الدولي. ويلاحظ أيضا حرص المشرعين والداعمين للقوانين حصرها في معاقبة الشعب الفلسطيني. ويتضح ذلك في مشروع "مكافحة الإرهاب" الذي يشهد جدلا لضمان عدم سريانه على منظمات الإرهاب اليهودي والجرائم التي ترتكبها بحق المواطنين الفلسطينيين. تتوزع القوانين ومشاريع القوانين على ثلاثة محاور أساسية، الأول : قطع الطريق على حل الصراع وإنهاء الاحتلال. وقد وضعت مشاريع قوانين لهذا الغرض، كمشاريع القوانين التي تضع الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية. ولم تطرح هذه المجموعة من المشاريع للتصويت خشية من ردة الفعل ضدها، ومشروع قانون لفرض السيادة على المستوطنات المقامة على أرض الضفة الغربية، ومشروع قانون لسريان قوانين التنظيم والبناء الإسرائيلية على الضفة الغربية. ومشروع قانون يمنح صلاحيات أوسع وميزانيات أكبر لشعبة الاستيطان. ومشروع قانون القومية "إسرائيل دولة الشعب اليهودي" وهو المشروع الأخطر كونه يستند "للحق التاريخي" والوعد السماوي، الذي ينفي من وجهة نظر المستعمرين اي حقوق للشعب الفلسطيني في وطنه. المحور الثاني: قوانين ومشاريع قوانين تُجرم مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي بكل أشكالها. ومنها، قانون أقر ويقضي برفع العقوبات على ملقي الحجارة وتتراوح بين السجن 5- 20 سنة سجن. وقانون آخر وضع الحد الأدنى للعقوبة بـ 3 سنوات سجن. ومشروع قرار يجيز فرض أحكام بالسجن على اطفال ما دون الـ 14 عاما. ومشروع قانون يلزم كل فلسطيني يرفع قضية أمام محاكم الاحتلال بدفع كفالة مالية باهظة. ومشروع قانون الاعدام لمنفذي العمليات ضد أهداف إسرائيلية. ومشروع قانون يجيز إلغاء إقامة عائلة، وسحب الإقامة الدائمة من "مخربين" وعائلاتهم في أعقاب مشاركتهم في عمليات "إرهاب". ومشروع قانون لمنع الإفراج عن معتقلين (أسرى) قبل إنهاء أحكامهم، ومشروع قانون يفرض السجن 30 عاما لمن يدان بالتحريض على الإرهاب. المحور الثالث : قوانين ومشاريع قوانين تكرس التمييز العنصري، كل القوانين ومشاريع القوانين السابقة تنطوي على تمييز مباشر وضمني على أساس إثني وديني. فضلا عن الموازنة التي تميز بين البلديات العربية ونظيرتها الإسرائيلية، وملكية الأراضي والعقارات لا يجوز نقلها للفلسطينيين إلا ما ندر، والعودة متاحة لكل يهودي أو نصف يهودي او لمجرد شبهة انتساب لليهودية مقابل حرمان المهجرين الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم وموطنهم وبيوتهم، بل لقد أوقفت السلطات الإسرائيلية العمل بلم شمل العائلات وبخاصة الأزواج. مناهج التربية والتعليم تقدم نظرة نمطية دونية للفلسطيني والعربي، النموذج الفظ للعنصرية تمثل بإلغاء الرواية الاسرائيلية "بوردر لايف" للكاتبة "دوريت رابينيان" من المناهج الاسرائيلية بدعوى أنها تثير تساؤلات بشأن "الهوية الوطنية والاندماج" ولانها تقدم الفلسطيني كشخص طبيعي. يضاف الى ذلك مشروع قانون أقر بالقراءة الأولى يتيح المجال أمام أغلبية 90 نائبا في الكنيست إبعاد عضو كنيست عن الولاية البرلمانية كليا. المستهدف بهذا القانون أعضاء الكنيست الفلسطينيين. ومشروع قانون "تفضيل من خدم في الجيش للعمل في خدمات الدولة". ومشروع قانون يمنح أولوية للجنود المسرحين في المؤسسات الحكومية والرسمية وشبه الرسمية. القوانين ومشاريع القوانين الإسرائيلية، تتناقض بشكل سافر مع القانون الدولي بكل منظوماته، وتتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة ومع شروط اعتراف الدول بإسرائيل، وتتناقض مع اتفاق الشراكة الإسرائيلية الأوروبية، ومع اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو. هذه التناقضات المسكوت عنها راهنا لا يمكن تعايش أقطابها الى ما لا نهاية مع الدولة المنتهكة والمتحدية لها. القوانين ومشاريع القوانين الآخذة بالاتساع لا تترك مجالا للشك في عنصرية المؤسسة وامتداداتها الحزبية. والعنصرية دائما تولد الفاشية وتقضي على الديمقراطية ليس في التعامل مع الشعب الفلسطيني، بل وفي التعامل مع المجتمع الاسرائيلي. مشاريع القوانين التي تستهدف المنظمات الحقوقية الإسرائيلية هي أكبر برهان. إن القوانين ومشاريع القوانين العنصرية والمناهضة لحل الصراع تطرح تحديات كبرى أمام الدول التي اعترفت بإسرائيل باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في شرق أوسط مستبد وديكتاتوري. هل تقبل هذه الدول استمرار الاعتراف بإسرائيل كدولة ثيوقراطية وعنصرية؟ انه السؤال الكبير الذي تكون الإجابة عليه. إما التوقف عن الاعتراف ورهنه بتراجع الدولة المتمردة عن استبدالها القانون الدولي بأيديولوجيا دينية وتراجعها عن احتلال أراضي شعوب أخرى، وعن القوانين العنصرية ومشاريع القوانين العنصرية، وإما ان تتحول تلك الدول الى غطاء للعنصرية وغطاء للاحتلال الدائم.