في بداية اللقاء مع أحد أبرز "مصريّي" نيويورك وجّه لي اعتذاراً لتأخّره بسبب اجتماع للمجموعة العربيّة في الأمم المتحدة كان مُشاركاً فيه. فسألتُ: ما هي الموضوعات التي بحثتموها في الاجتماع؟ أجاب: "قضيّة فلسطين. تمّ البحث في محاولة جارية لطرح الموضوع الفلسطيني على مجلس الأمن ولا سيّما الاستيطان الإسرائيلي المتزايد. وتركّز الكلام على أنّنا إذا لم نحقّق تقدّماً نتراجع. وهذا ما شدّد عليه سفير لبنان. وأنا قلت أن السنة الحاليّة سنة إنتخابات رئاسيّة وغير رئاسيّة في أميركا. والإدارة عادة لا تكون مهتمّة أو لا تريد أن تهتم بهذا الأمر كما بأمور أخرى، وتالياً لن تتّخذ موقفاً يؤذي المرشّح الرئاسي الذي ينتمي إلى حزب رئيسها أوباما أي الديموقراطي، فضلاً عن أنّ السياسيّين والمواطنين الأميركيّين لن يكونوا مهتمّين أيضاً. علماً أن الموضوع الفلسطيني تراجع كثيراً في المنظّمة الدولية وفي محافل أخرى في السنوات الماضية. ذلك أن المنطقة تعيش حروباً عدّة أبرزها في اليمن وسوريا وليبيا والعراق. وتعيش أيضاً التوتّر السعودي – الإيراني. وتعيش عمليّاً حروباً مباشرة وأخرى بالوكالة، وذلك يٌشغل القوى الإقليميّة الأساسيّة ومعها الدول الكبرى وفي مقدّمها أميركا وروسيا. وقال آخرون كلاماً مشابهاً. وقرّ الرأي على الدرس والمُتابعة لأن عند فرنسا بعض الأفكار حول موضوع الإستيطان وموضوع التسوية السلميّة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تريد عرضها على مجلس الأمن. وتمّ الاتفاق على الإستعداد لذلك. نحن كنّا أساساً بدأنا الإستعداد فأخرجنا قراراً لمجلس الأمن صدر أيام رئاسة جيمي كارتر لأميركا يُدين الاستيطان. وقد وافقت عليه أميركا في حينه وغيرها. وهذا القرار أقوى وبكثير من قرارات أخرى في هذا الموضوع اتّخذتها لاحقاً أميركا أو مجلس الأمن بموافقتها وقد فاجأ هذا القرار (أو نَبْشَهُ) الأميركيّين أنفسهم الذين لم يكونوا يعرفون بوجوده ولا بشيء عنه بسبب عدم عودتهم إلى "الأرشيف" أي المحفوظات. على كلٍّ قُلنا في الاجتماع إن على اللجنة الوزاريّة العربيّة المكلَّفة مُتابعة الموضوع الفلسطيني أن تهتم بهذا الأمر وتعدّ له باتصالات مع أعضاء مجلس الأمن، وأن يحضر أعضاؤها إلى نيويورك وقت مناقشته وأثناء عرضه للتصويت. وهذا أمر فعله وزراء عرب عندما صدر القرار الذي "نبشناه" أيّام رئاسة كارتر".
سألتُ: ماذا عن ليبيا؟ وهل تعتقد أن مجلس الأمن سيُناقش موضوع إرسال قوّة دوليّة إليها لوقف العنف وفتح الطريق أمام التسوية السياسيّة؟ أجاب: "لا. لن يحصل ذلك. فالليبيّون أنفسهم لا يريدون تدخّلاً خارجيّاً، ولا يقبلون إلاّ تدخُّلاً تطلبه حكومة ليبيّة شرعيّة. الآن هناك تقدّم على صعيد تأليف الحكومة الوطنيّة (تألّفت وهي تحاول مُمارسة سلطتها واستعادة الوزارات من المُسيطرين عليها وحقّقت بعض نجاح حتى الآن). ولا بدّ بعد ذلك من بناء جيش ليبي فعلي لأنه الوحيد الذي سيكون ضامناً للاستقرار. فالذي حصل في ليبيا مماثل إلى حد ما للّذي حصل في العراق حيث فرطت الدولة وانهار الجيش وتمّ حلُّه، ولم يعد في الإمكان تركيب إدارة وبناء دولة وخصوصاً بعد مسألة اجتثاث البعث. على كل الإيطاليون هم أكثر من يعترض على التدخُّل العسكري في ليبيا بقرار دولي. ويصرّون على أن يسبق ذلك طلب رسمي من الحكومة الليبيّة. ذلك أنّهم يعرفون الليبيّين وانقساماتهم، ويقولون أن مهمّة القوّة، إذا عرضت على مجلس الأمن وأُقرَّت ونُفِّذت، يجب أن تكون بناء جيش ليبي والمساعدة في إعادة بناء المؤسّسات".
سألتُ: ماذا تعتقد سيكون مصير مؤتمر جنيف ومحادثات السلام في سوريا التي تجري داخله؟ أجاب: "دو ميستورا ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة مُفاوض بارع. ربما هو أكثر شخص مؤهَّل لهذه المهمّة. إذ فضلاً عن كفاءاته الشخصيّة فإن دولته لم تكن يوماً صاحبة أطماع أو طموحات ومشروعات كبيرة خارج حدودها. طبعاً كوفي أنان (الأمين العام السابق للأمم المتحدة) ممتاز، وقد اختُبر وحلّ مشكلة مهمّة في أفريقيا. الأخضر الابراهيمي الذي عمل أيضاً موفداً للأمم المتحدة وأمينها العام كان جيداً، لكنه لم ينجح في سوريا أو لم تُرِد سوريا أن ينجح. وربما لم تكن تريده مفاوضاً أمميّاً ووسيطاً. فهو جزائري ومُقرَّب من الغرب وخصوصاً فرنسا، لكنّه جيد أيضاً. هذه المحادثات قد تطول كما قلت أنت. لكن القرار الذي على دو ميستورا أن يُنفّذه ينص على أن يكون التنفيذ خلال 18 شهراً. ستّة أشهر للاتفاق على صيغة سياسيّة وسنة للتنفيذ".
ماذا قال أيضاً أحد أبرز "مصريّي" نيويورك نفسه عن هذا الموضوع؟
عن النهار اللبنانية