التوحّش الإسرائيلي الذي صنعه الاحتلال

thumbgen (1)
حجم الخط
 

يدخل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عامه الخمسين مخلفاً انعكاساته العميقة والبعيدة المدى على الإسرائيليين والفلسطينيين كأفراد وكمجتمع.
تتعامل إسرائيل مع نحو مليوني فلسطيني من سكان الضفة الغربية بصفتها السيد الآمر، ومنسق النشاطات الإسرائيلية هو الذي يتحكم فعلاً بحياتهم وليس السلطة الفلسطينية. ويمارس الجيش الإسرائيلي من خلال حواجزه ودورياته سياسة فصل واقصاء ورقابة وعقوبات جماعية. ومن خلالها يحكم قبضته على جميع مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت رقابة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي تتنصت على حياتهم الشخصية، وتقتحم منازلهم في اي وقت، وتحتجزهم من دون توجيه اتهام واضح.
في المقابل، يظهر تأثير الاحتلال على الجنود الإسرائيليين صورة لا تقل وحشية. إذ تكشف شهادات عديدة جمعتها منظمات إسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان مثل منظمة "بتسيلم" في الأراضي المحتلة، ومنظمة "لنكسر الصمت" التي جمعت شهادات لجنود إسرائيليين شاركوا في عملية "الجرف الصامد" في غزة صيف 2014، ومنظمة "يش دين" وهي منظمة تطوعية تعمل للدفاع عن حقوق السكان في المناطق المحتلة، بأن الاحتلال أوجد جيلاً جديداً من الشبان والشابات الإسرائيليين الذين حولتهم الخدمة العسكرية في المناطق الى مرضى نفسيين وأقرب الى وحوش بشرية نتيجة الممارسات اللاإنسانية ضد الفلسطينيين خلال خدمتهم في الضفة.
في شريط وثائقي عرضته هذا الأسبوع شبكة أخبار "البي بي سي" باللغة العربية لشهادات مجندات إسرائيليات خدمن في الضفة، تبرز بوضوح عملية التوحش التي مرت بها هؤلاء المجندات. فقد روت احداهن كيف طاردت فتى فلسطينياً بدا لهن في وضع غريب، وكيف اطلقت النار عليه وأردته، وكيف أنها منذ تلك اللحظة لا تستطيع ان تزيل مشهد الدماء من رأسها. وروت اخرى كيف اعتقلت أكثر من 80 فلسطينياً وعذبتهم من غير ان يعرفوا السبب انتقاماً لمقتل مجندة صديقتها في ذلك اليوم على يد فلسطيني، وكيف صارت تعاني حالات غضب جامح تخاف منها على طفلها. كما حكت أخرى حكاية مرعبة حصلت لها لدى قيامها بمهمة غسل جثث القتلى الفلسطينيين قبل تسليمها، وكيف أدمنت الكحول هرباً من كوابيسها.
الاحتلال حوّل الجنود الإسرائيليين الى وحوش بشرية وأداوت قتل وتعذيب وعقاب جماعي. وعندما ترتفع أصوات إسرائيلية تحذر من هذه الظواهر المقلقة التي تذكر بألمانيا الفاشية، يهب اليمين الإسرائيلي دفعة واحدة لمهاجمتها. وعندما تتحرك منظمات تدافع عن حقوق الانسان منددة بهذه الممارسات الوحشية، يتهمها اليمين بالخيانة العظمى. والثمن الأكبر لهذه الجرائم يدفعه الفلسطينيون في ظل صمت العالم ولامبالاته.

عن النهار اللبنانية