المبادرة الفرنسية .. والموقف «الفرنسي» منها !!

almaghribtoday-هاني-حبيب
حجم الخط
قبل خمسة أعوام بالضبط، في مثل هذه الأيام من حزيران 2011 فوجئ العالم، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، بمبادرة فرنسية حول الشرق الأوسط طرحها الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، المفاجأة، لم تكن بالمبادرة بحد ذاتها، بل بالموقف الأميركي منها، خاصة أن الرئيس أوباما، كان قد طرح أفكاراً جديدة للتسوية في الشرق الأوسط قبل أيام قليلة: حل إقليمي بالعودة إلى حدود 1967 مع تعديلات طفيفة، إلاّ أن هذه الأفكار، اعتبرها ساركوزي بنّاءة إلاّ أنها غير كافية، ذلك أنها لم تتوازَ مع خطوات لوضعها موضع التنفيذ، حينها، لم يُشر اوباما، إلى عقد مؤتمر ـ مثلاً ـ أو تعيين مبعوث للمنطقة ـ كما فعل لاحقاً ـ ولا حتى الإيعاز لوزيرة خارجيته في ذلك الوقت هيلاري كلينتون للذهاب في جولة استطلاعية في منطقة الشرق الأوسط. ساركوزي اعتبر الأمر مجرد أفكار لا تحتوي على ما هو جديد، من هنا، جاءت مبادرة ساركوزي لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في عاصمة بلاده، إدارة اوباما، اعتبرت أن هذه المبادرة تشكل التفافاً على الأفكار والجهود الأميركية التي احتكرت التقدم بمساع للتوصل إلى مفاوضات تؤدي إلى إحلال السلام، خاصة على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، في حين اعتبر بعض الناقدين للدور الأميركي، أن مبادرة ساركوزي جاءت لملء الفراغ، أو لمنح الجهود الأميركية الآليات اللازمة، بعدها، قامت إدارة اوباما في ولايتها الأولى، بتعيين مبعوثها إلى الشرق الأوسط، في حين بدأت كلينتون بجولات في المنطقة، لاحتواء مبادرة ساركوزي وللحيلولة دون وجود فراغ سياسي حول هذا الملف الشائك، الأمر الذي أدى بالرئيس الفرنسي للتقدم بمبادرته، التي رفضت أميركياً وإسرائيلياً، كما كان متوقعاً بالضبط، وللأسباب المعروفة حتى بعد خمسة أعوام، لا بديل عن مفاوضات ثنائية فلسطينية ـ إسرائيلية!!
إذاً.. كانت هناك مبادرة فرنسية طوال السنوات الخمس الماضية، تتوارى حيناً، وتعود لتطلّ من جديد أحياناً أخرى، وربما لنفس أسباب اطلاقها قبل خمسة أعوام بمبادرة ساركوزي، ملء الفراغ بعد تلاشي الدور الأميركي، تارة لانشغال واشنطن بالمفاوضات على الملف الإيراني، وتارة بالانشغال بالانتخابات الرئاسية، إلاّ أن الجديد في هذه المبادرة الفرنسية التي اطلقت قبل «الربيع العربي» ونتائجه المعروفة، انها كانت تخضع للتعديل بشكل مستمر، رهاناً من الدبلوماسية الفرنسية على أن مثل هذه التعديلات تخفض من الاعتراض الإسرائيلي عليها، لهذا وجدنا أن «التحديد الزمني» الذي تضمنته هذه المبادرة في بداياتها، ثم التغاضي عنه تماماً، كما أن البند المتعلق باعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، أضيف إلى الصياغات الأخيرة للمبادرة الحالية، وهو البند الذي لم يكن موجوداً، لدى إعادة طرح المبادرة في العامين 2014 ـ 2015.. إلاّ أن جملة «التحسينات» والتعديلات على المبادرة الفرنسية لم يحمها من فشل محتّم، بسبب الرفض الإسرائيلي المطلق لها، أصحاب هذه المبادرة يعلمون تماماً أن ليس هناك أي أمل، لا بنجاح المبادرة ولا بحث واشنطن للقيام بجهد من شأنه الضغط على إسرائيل لإنجاح حراك أميركي متجدد لاستئناف عملية تفاوضية ناجحة على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
المبادرة الفرنسية في طورها الأخير، شهدت في البداية معارضة أميركية للمشاركة في مؤتمر باريس الذي عقد قبل أيام قليلة، ثم «نجحت» الدبلوماسية الفرنسية في إغراء واشنطن بالمشاركة، وبالفعل شارك وزير الخارجية الأميركي في هذا المؤتمر، ورغم أهمية هذه المشاركة بالنسبة لفرنسا، إلاّ أنها من الناحية العملية، جاءت كي تؤكد حضورا إسرائيليا فاعلا في هذا المؤتمر من خلال المشاركة الأميركية الفاعلة، التي أدت بدورها في التأثير على الصياغات العامة للبيان النهائي، في حين، ان غياب فلسطين عن المشاركة، كان غياباً طاغياً، إلاّ إذا اعتبرنا أن تمسك الحضور العربي بالمبادرة العربية، دون تعديل كما تطالب إسرائيل، «مكسب» يجب البناء عليه!!
ولا تزال فرنسا مصرّة على أن هناك فرصة للتعاطي مع مبادرتها، هناك لجان متابعة لعقد مؤتمر دولي قبل نهاية العام الجاري، إلاّ أن فرص انعقاد هذا المؤتمر لا تزال ضئيلة رغم أن البعض يرى أن الفترة الزمنية الفاصلة قد تشهد «تزاوجاً» مع مبادرة وأفكار الرئيس المصري السيسي، ودور سعودي مهيأ ليلعب في الحراك الرامي إلى تشجيع إسرائيل على الدخول في عملية سياسية تفاوضية تضمن من خلالها، أكثر تقارباً، وربما اتفاقاً مع الرياض وبعض دول الخليج العربي، في هذه الحال، ربما تشهد هذه المبادرة ومؤتمرها، حظاً أوفر من النجاح في الانعقاد، دون أي رهان على نجاح في النتائج.
وربما ستعتبر فرنسا، أن انعقاد الاجتماع الوزاري بثقل دولي وعربي، قد حفظ ماء وجهها، بعد سلسلة الاعتراضات الإسرائيلية ـ الأميركية، وإذا كان هذا مقياس النجاح.. فلا شكّ أن مؤتمراً قبل نهاية العام، يبدو بعيد المنال!!