قصة أم غزال والمفتاح اللي راح وما راح

thumbgen
حجم الخط

د. عز الدين حسين أبو صفية

قصة أم غزال هي قصة حقيقية بدأت مع بدء النكبة الفلسطينية التي أدت إلى تهجير معظم سكان قرى ومدن فلسطينية نتيجة تخوفهم من المجازر اليهودية التي ارتكبتها المنظمات الصهيونية (كالهاجانا والأرخون وشتيرن) وغيرها ممن كان لهم دوراً إجرامياً لا زال الدم الفلسطيني يقطر من أيادي قادة العصابات الصهيونية.

أم غزال لم يسعفها الوقت كباقي سكان قريتها الواقعة على بعد كيلومتر واحد شمال بلدة المجدل في جنوب فلسطين على البحر الأبيض المتوسط هي قرية (حمامة) التي تركها أهلها مرغمين، لعدة أيام ظناً منهم كباقي المهاجرين الفلسطينيين المجبرين على الهجرة من قراهم إلى أقرب مناطق آمنة تجنباً لقتلهم على أيادي العصابات الصهيونية ظناً منهم أن ذلك الإبعاد القسري لهم عن ديارهم لم يتجاوز اليومين أو الثلاث أيام على أبعد تقدير، ولم يكن يخطر ببال أحدهم أن هذا التهجير سيمتد من عام 1948 وحتى الآن أيّ حتى عام 2016 وقد يستمر إلى أجل لا يعلمه إلا الله.

استقر الحال بأم غزال وعائلتها في غزة مفترشين الأرض وملتحفين السماء، ومع استمرار هذا الحال، ففي الأشهر الأولى قد نفذت الأموال القليلة التي جلبوها معهم وأصبح وضعهم المعيشي غاية في السوء والعوز.

ومع إنشاء منظمة الكويكرز ومن ثم منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونوروا) أصبح لديهم ما يسد رمقهم من غذاء وبعض الخيام التي يشترك في الواحة منها أكثر من عشرة أفراد وأحياناً عدة عائلات مختلفة، وقد أطلق على مخيم الخيام آنذاك اسم (كمب الشوا) كون الأرض التي يقيم عليها المخيم كانت تعود لعائلة الشوا ذات الجذور الغزية بعد أن استأجرتها المنظمة الدولية منهم مقابل مبلغ مادي وتشغيل بعضاً من أفراد العائلة في وظائف إدارية أو مدرسين في مدارس الأونوروا بعد أن تم إنشائها وهذا السلوك انسحب على كثير من العائلات الغزية التي قامت بتأجير بعضاً من أراضيها لغرض بناء مدارس أو مقرات ومكاتب لوكالة الغوث حيث بعد عدة سنوات قليلة أو خلالها تم البدء ببناء معسكرات (مخيمات) للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة فكانت تقيم مخيماً في كل مدينة من مدن قطاع غزة التي يتواجد فيها اللاجئون الفلسطينيين من مختلف بلدات وقرى الساحل الجنوبي لفلسطين والذين تمكنوا من الوصول إلى قطاع غزة الذي خضع بعد عام النكبة للإدارة المصرية وفق اتفاقية الهدنة بين كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وعليه تم إنشاء مخيم في كل من مدينة رفح وخانيونس والمعسكرات الوسطى (دير البلح، المغازي، النصيرات، البريج) وفي جباليا وأطلق عليها أسماء المدن والبلدات التي تواجدت على أراضيها.

ومخيم الشاطئ (في غزة) لم يطلق عليه اسم مدينة غزة لاعتبار أنه يقع مباشرة على شاطئ بحر غزة، وفي هذا المخيم تدور أحداث قصة (أم غزال) التي حالفها الحظ وأسرتها باستلامهم منزلاً مكون من غرفتين مبنياً بالطوب المصنوع من الاسمنت والرمل ومواد أخرى تستخرج من شاطئ البحر عوضاً عن الزلط وهو (الزفزف) والمتكون من مخلفات البحر التي يقذفها الموج وهي عبارة عن الزلف الصدف والمحار بأحجام تبدأ من قطر سانتمترين إلى ملمتر واحد وبعضها متكسر وكأنه يشكل تراباً جاهزاً لخلطه مع الاسمنت والرمل ويصنع من الطوب بأشكال وأحجام مختلفة ثم تغطى أسقف الغرف تلك بما تقوم بصناعته وكالة الغوث أيضاً من (القرميد) برونزي اللون بحجم 20×40 سنتيمتر وسمك 2 سم يتم رصها على حمالات خشبية، هذا النظام من الأسقف لم يكن كافياً لحماية السكان من البرد وتسرب بعض مياه الأمطار إلى داخل الغرف وكان كثيراً ما يتعرض للسقوط نتيجة العواصف والرياح الشديدة التي كانت تجتاح المخيم أثناء فصول الشتاء.

سكنت أم غزال وعائلتها في الجزء الجنوبي لمخيم الشاطئ أيّ عند مدخله الجنوبي والرئيسي وكان المخيم قد قسم إلى عدة أقسام (بلوك) يرمز لها بحروف إنجليزية فكان منزلها في بلوك (ِِA) وهو يعتبر في مدخل المعسكر ويقترب كثيراً من الجهة الغربية لمدينة غزة وتحديداً عند نهاية شارع عمر المختار من الغرب (الشارع الرئيسي والأكبر في غزة) وعند نهايته، ومع مرور السنوات أصبح هذا المربع مركزاً تجارياً وسياحياً وتم بناء فنادق متعددة تخدم الزائرين إلى غزة والآتين عبر مصر.

عاشت أم غزال طوال فترة الهجرة في هذا المخيم وعلى الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث من غذاء وملبس وأعمال مختلفة، أحدث ذلك شيئاً من الاستقرار النفسي والحياتي للسكان لا سيما وأنه تم إسكان المهاجرين من قرية واحدة في بلوك محدد (بمعني أن أهالي قرية حمامة المهاجرين تم إسكانهم في بلوك A تقريباً) وهكذا تم مع مهاجرى القرى الأخرى وقد يكون هذا السلوك من قبل الأمم المتحدة مقصوداً حتى يشعر مهاجروا القرية الواحدة وكأنهم يعيشون في قراهم التي هجروا منها لا سيما وأنهم استمروا في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية والحياتية دون اختلاف عما كان في قراهم، وقد تغير ذلك بعد عدة سنوات بعد أن تأثر السكان بالبيئة السكانية الغزية نتيجة الاحتكاك والتعامل والعمل مع السكان الغزيين.

استمر هذا الحال دون أن يغير ذلك شيئاً في أماني وتطلعات الشعب الفلسطيني للعودة إلى ديارهم التي هجروا منها، وكانت أم غزال في لهف كبير للعودة إلى مزرعتها وبيتها في قريتها وكانت دائمة الحديث عنها ولم يمض يوماً واحداً إلا تملأ المخيم وشوارعه بالدعاء إلى الله ليحقق لهم حلم العودة، تمشي في شوارع المخيم بزيها الفلاحي الممزوج بتراث قريتها والذي يميز أهل قريتها عن غيرها من القرى وهي تربط على خصرها حزاماً حريرياً قديماً ربطت فيه مفتاح منزلها في قريتها وكان يتدلى على خاصرتها اليمنى ويتحرك يمنى ويسرى وتزداد حركته كلما أسرعت في مشيتها أو اهتزت عندما تغضب أثناء حواراتها مع جاراتها عن الأرض والقرية وعن الهجرة وعن العودة المرتقبة وتستفز عندما يحدثها أحد عن دمار البيوت والقرى خلال سنوات الهجرة وأن المفتاح لم يعد له قيمة، تشطاط أم غزال غضباً ويعلو صوتها مزمجراً ... حتى لو هدموا البيت بس المفتاح معي، والبقجة (الصرة) معي، وحنرجع للبلاد واللي بيقول غير هيك بيكذب.

كانت أم غزال تراقب تجمعات السكان التي تجلس أمام أبواب بيوتها في المخيم وكان السكان في هذه التجمعات التي يجالس فيها الرجال والنساء والأطفال وكبار السن وحديثهم لم يغيب عنه قصصهم وذكرياتهم في القرية، ويمتد الحديث والنقاش فيطال أخبار السياسة التي تخص قضيتهم وماذا قالت الأمم المتحدة وشو القرارات التي اتخذت، وشو حكى جمال عبد الناصر وشو وضع القضية، وكلها أخبار كانت تضفي جواً من الراحة النفسية للسكان، وكان ذلك يثلج صدر أم غزال وتشعر وكأن العودة قريبة، فتتحسس المفتاح وتربت عليهم وتتحدث معه... طوّل بالك وإهدا قربنا نروح يا مفتاح الهنا.

تقف أم غزال كل مساء وهي عائدة من دكان زوجها القريبة من المدخل الجنوبي للمخيم أمام معظم تجمعات سكان المخيم لعلها تسمع بعض الكلمات التي تثير شغفها وأملها بالعودة وكان مزاجها يتقلب حسب الأخبار التي يسترقها سمعها، وذات مساء وهي عائدة من الدكان شاهدت وسمعت هرجاً ومرجاً غير مسبوق وأصبح حالها كمن مسه جان تريد أن تستوضح آخر الأخبار حيث أخبرها أحدهم بأن أخبار الراديو تتحدث عن توتر بين مصر وإسرائيل وأن عبد الناصر أعلن بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، صرخت والله هيّ الرجال ولا بلاش وأسرعت الخطى إلى اتجاه الشاطئ حيث المقهى لعلها تسمع شيئاً من الأخبار الواردة من جهاز الراديو الوحيد في المخيم، استوقفت أحدهم وهو خارج من المقهى وسألته شو في يا أبو عائد، والله الحرب على الأبواب يا أم غزال شو بتقول ... عبد الناصر أغلق مضائق تيران... وشو مضائق ثيران... تيران يا أم غزال... مش ثيران وهاي مش عندنا هاي في البحر الأحمر، وهيك بيكون عبد الناصر زيّ اللي بيخنق إسرائيل... طيب وبعدين يا أبو عائد... الله يستر يا أم غزال يعني يمكن يصير حرب... صحيح يا أبو عائد... صحيح ونص يا أم غزال... يعني بدنا نرجع للبلاد... إن شاء الله... والله أبسطتني يا أبو عائد والله بدها زغرودة.

أطلقت أم غزال زغرودة ممزوجة بالفرحة والألم والأمل... تجمعت بعض النسوة حولها يصفقن وهي ترقص رقصة البلاد، وتطلق أهازيج الفرح،... وتلوح في الهواء بيديها وتضرب كفيها، وتقول واجب علينا واجب،... نرقص ونغنى واجب،... ونحط الحنة واجب،... ونرش السكر والمسك والعنبر واجب ... في طريق عودتنا واجب،.... لبلدنا حمامة واجب،... ونزرع أرضنا واجب،... ونسقى مزارعنا واجب،... بالمية الحلوة واجب،... ونعمر بلدنا واجب.

تعبت أم غزال من الرقص والأهازيج وجلست تأخذ قسطاً من الراحة... شو مالك يا أم غزال ... والله يا إبنيتي من الفرحة قلبي وقف... الله يعطيك الصحة والعافية .... يا رب يا أم عودة خلينا نرجع على البلاد وأفك من هالنذر اللي أنذرته... شو النذر يا أم غزال... والله لمن هاجرنا ما أخذنا حاجة من أغراض البيت علشان كنا خايفيين من اليهود اللي بيذبحوا في الناس وعلشان هيك شردنا وقلنا بنرجع بعد يومين أو ثلاث أيام وهينا من الثمان وأربعين حتى السبعة وستين قاعدين في المخيم بننتظر العودة، ولمن خرجت من البيت في القرية ما أخذت حاجة معي إلا هدمتين حطيتهم في منديلي وربطت عليهم ومن يومها والمنديل مربوط ومصرور عليهن وما انفتحت الصرة بالمرة... شو فيه في الصرة يا أم غزال ... بس هدمتين... مش مستاهلين يكونوا لهم نذر... لا انسيت أقولك إنو في الصرة حطيت كل كواشين الأرض بتاعتنا وهذول زي روحي وأغلي منها كمان... والله شاطرة يا أم غزال ما هو الكواشين أكبر إثبات على ملكيتكم للأرض... طبعاً حبيبتي وإن شاء الله بننتصر في الحرب مش بيقولوا في حرب... والله بأسمع يا أم غزال وفي خلال هذا الشهر لأن الوضع متوتر وسخن كثير... إن شاء الله يا أم عائد خلينا نفك من هالهم والغم والهجرة والله الواحد اشتاق للبلد وللدار وللأرض والزراعة، تقول أم غزال ذلك وهي تربت على المفتاح على خاصرتها اطمئن يا مفتاح الهنا هينا بكرة بنروح على البلاد وخلي سنك ماضي ومدوار علشان تفتح باب الدار...

ماشي يا أم غزال بخاطرك... مع السلامة يا أم عائد.

بعد عشرون عاماً من الهجرة والمعاناة حاول سكان مخي الشاطئ كباقي سكان المخيمات التكيف مع صعوبة الظروف ففتحوا الأسواق والدكاكين وصنعوا بعض المراكب الصغيرة واستخدموها للصيد هي وغيرها من المركبات التي أحضروها وهاجروا على متنها عبر البحر إلى غزة وبدأوا في ممارسة مهنة الصيد وأصبحت الحياة في المخيم وكأنه لا يربطها بسابقتها من الحياة في القرية إلا الذكريات والحسرة والأمل.

هرج ومرج وصراخ وفرح وطبل وزمر وأغاني وطنية، عائدون عادون إننا لعائدون... أضرب أضرب كل الصهيونية ما تخلي في قلبك حنية... وصوت أحمد سعيد يجلجل في أزقة المخيم بقوة والآتي من إذاعة صوت العرب في القاهرة يخاطب يهود فلسطين ويقول لهم احزموا حقائبكم قبل أن نأتيكم بالموت... ونلقيكم في البحر وتكونوا طعاماً لأسماك البحر.. تصفيق وتهليل الناس في الشوارع وأم غزال تزغرد وتهلل وتفوع وتغدو وتروح من الشمال للجنوب ومن البحر غرباً إلى حسبة السمك شرقاً وهي كالتي أصابتها الهستيريا من شدة الفرح... استوقفت أبو الصاعد شو يا أبو الصاعد... الحرب بدأت من الفجر... وبيقولوا الجيش المصري منتصر إن شاء الله... يصرخ أبو الصاعد انظروا يا ناس أسقطنا طائرة إسرائيلية مستير انظروا الطيار نازل بالمظلة جهة البحر... تسابق الناس إلى ذلك المكان وانطلقت إحدى المركبات المزودة بموتور وعلى متنها بعض الشباب ورجال من الأمن المصري والشرطة الفلسطينية واعتقلوا الطيار وسفروه إلى مصر بسيارة خاصة.

ازداد الهيجان والفرحة العارمة لدى سكان المعسكر وجميعهم من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ خرجوا من المنازل وملئوا الشوارع والجميع يتحدث عن الانتصار العظيم واتجه البعض الآخر إلى منازلهم مسرعين يحضرون ويحزمون الأمتعة استعداداً للعودة التي توقعونها أن تكون خلال ساعات.

انطلقت أم غزال مهرولة بأقصى سرعتها اتجاه جنوب المعسكر إلى ميدان صغير نهاية شارع عمر المختار من الغرب حيث الفنادق والحركة التجارية، انطلقت لتلاقى الجيش المصري والفلسطيني المنتصر لتكون أول المهنئين لهم بالنصر.

كان الوقت قد بدأ يقترب من الظهر من يوم السادس من حزيران عام 1967م فإذا بأم غزال عائدة تصرخ بحزن وألم شديدين كمن ضربه صاعقة، كان وجهها لفه السواد والألم والدموع المنهمرة من عيونها كالجمر وهي تشد شعرها وتمزق منديلها وتلوح بشطوتها وغطاء رأسها وشعرها المجعد الممزوج بالشيب والحنة يتطاير كسنابل القمح الجافة وتشده بيديها وتقطعه وتصرخ وتندب، يحاول الناس أن يستوقفوها لاستيضاح الأمر وهي كالناقة المقطوع رسنها، حافية القدمين والدم يسيل من كعبيها وتلطم خديها وتصرخ يا وردي علينا... اليهود دخلوا غزة،... وصلت إلى الشوارع القريبة من منزلها ولا زالت تصرخ... شو مالك يا أم غزال انجنيتي ولا انهبلتي... اسكت يا أبو عائد... اليهود هيهم في غزة... شو بتقولي يا مرة يا خرفانة.... والله العظيم هيهم على الدوار على المدخل الجنوبي وبيدخلوا بيت بيت وبيذبحوا في الناس وأنا شفتهم بعيوني اللي حيكلهم الدود... لم يصدق أبو عائد المذهول من الخبر الذي بدأ ينتشر بين الناس المتواجدون في الشوارع كالنار في الهشيم وأصابهم الذهول والهوس وأصبحوا يتسابقون ويلتفون حول أم غزال ليستطلعوا الخبر ويتسارعون إلى منازلهم لتفريغها من كل شيء قد يعرضهم للقتل، ألقوا بكل سكاكينهم وأدوات نجارتهم وكل ملابسهم التي تميل في لونها إلى اللون (الكاكي) لون الزي العسكري أو الشرطي، امتلأت الشوارع من تلك الأشياء والبنادق والكلاشينكوفات والرصاص ومخازن السلاح وحتى البساطير (الأحذية الخاصة بالشرطة والجيش) كما امتلأت بالزى العسكري والشرطي الذي ألقاه أصحابه في الشوارع ولا أحد يلتفته إليه لكل شأن يغنيه.

انطلق العديد من الناس وخاصة الرجال والشباب إلى شاطئ البحر يتسابقون لركوب القوارب للهرب إلى حيث وجهة تؤمن لهم السلامة فكانت بورسعيد والعريش في مصر، فغرق من غرق وسلم من سلم وكأنها هجرة جديدة اجتاحت المخيم في حالة كحالة يوم الحشر ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، وقد وضعت العديد من النساء حملها نتيجة الصدمة المرعبة والأمل المهزوم والمكسور في نفوس الناس.

كانت صيحة أم غزال كالنفخ في البوق وكالنقر في الناقور أصابت كل السكان دون استثناء بصدمة لم يكونوا حاسبين لها حساباً، فجاءت قوية مرعبة وممزقة لهم شر ممزق.

خلال هذا المشهد انطلقت أم غزال باتجاه منزلها تتدافع مع الناس المحتشدين والمصدومين من هول الحدث... شو مالك يا أم غزال طولي بالك هدئي نفسك... تدفع هذا في صدره وتدفع تلك بيديها وتزاحم منطلقة بأقصى سرعة.. انتبه لها الناس ولم يغادر الذهول محياهم والكل ينتظر ما هي المفاجأة القادمة من أم غزال.... ضربت باب بيتها الخشبي بقدمها مندفعة إلى غرفتها وخرجت تصرخ خارج البيت والكل مذهول من صراخها... شو في يا أم غزال مالك كالمجنونة... كان بيدها الصرة المربوطة بأحكام من يوم الهجرة عام 1948م، وفتحتها وهي تصرخ خذوا

، وأخرجت الهدمتين وما في الصرة من كواشين الأرض وألقت بهم في فضاء المكان... وهي تصرخ قال بدنا ننتصر... قال بدنا نعود... يا وردي علينا واسود... والله هالصرة مربوطة من يوم الهجرة... وعليّ نذر لله ما بأفتحها إلا يوم ما نعود للبلاد... طز في هيك عودة ... وطز في هيك نذر... وطز في هيك جيوش عربية مهزومة... والله ما ظل أمل ... وكل شيء راح .

اتضحت الأمور واستقر الحال وفرضوا جنود الاحتلال الإسرائيلي منع التجول وخرجت أم غزال تلملم أغراضها، قالوا لها أخذتهم فلانة وفلان... أخذوا كل شيء... أنا بأدور على شيء أهم من كل شيء... وأثناء مشيها حافية في الشارع وهي تبحث عما فقدته بالقرب من باب منزلها، وإذا يقدمها تدوس شيئاً صلباً وإذا به المفتاح صرخت بأقوى ما تبقى لها من صوت، التفت الناس إليها... شو في مصيبة ثانية يا أم غزال.... قالت وهي ترفع يدها في الهوا... أنا لقيت المفتاح..