انتهى اجتماع باريس - كما كان متوقعًا - إلى نتائج سيئة وأسوأ مما كانت تعتقد القيادة الفلسطينية، لدرجة دفعت معظم القيادات الفلسطينية إلى انتقاد هذه النتائج، مع أنها كانت أقل سوءًا مما كان يجري العمل لتحقيقه، حيث أشار رياض المالكي إلى «اختطاف الاجتماع وحرف نتائجه من قبل دولة كبرى، إضافة إلى أن البيان المشترك لم يتضمن مواقف محددة بشأن عملية السلام لا سيما فيما يتعلق بالسقف الزمني، وفرق متابعة الاستيطان». فماذا تضمن إذًا!
أما رياض منصور، مندوب فلسطين في الأمم المتحدة، فحمّل دولًا لم يسمّها مسؤولية صدور البيان دون آليات تنفيذ أو جداول زمنية، وأما حنان عشراوي البيان فوصفته «بالعمومية وافتقاره إلى خطوات وأهداف حقيقية وخطة عمل ملموسة، إضافة إلى مساواته بين الطرفين»، بينما تجاهله نبيل أبو ردينة في تصريحه. وقال نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية، «إن الدور الأميركي غير سوي، كما أنه عطّل صدور بيان له مضمون تنفيذي».
بعد كل ما سبق، تنتظر القيادة الفلسطينية توضيحات فرنسية لما جرى.
كان الاجتماع أمام احتمال أن يصل إلى نتائج أسوأ بكثير كما تشير مسودة البيان الختامي التي حاول كيري فرضها بتواطؤ الدولة المضيفة فرنسا.
فقد جاء في هذه المسودة «رحب المجتمعون بالمبادرة التي تهدف إلى إعطاء دفعة جديدة لعملية السلام، وإلى تطوير سلسلة من الحوافز التي يمكن أن تقدمها الأطراف والدول والمنظمات الدولية انطلاقًا من رؤيتها لإعادة بناء الثقة، وخلق المناخ الداعم لاستئناف ناجح للمفاوضات المباشرة. ومثل هذا العمل يمكن أن يغطي مجالات عدة، على سبيل المثال: الشراكة الاقتصادية، التعاون الإقليمي والأمني، بناء مقومات الدولة، إضافة إلى التهدئة، واستئناف المرحلة الانتقالية كما تضمنتها الاتفاقات السابقة». وهذا يعني بوضوح وبكل بساطة تمديد المرحلة الانتقالية، واستئناف المفاوضات المباشرة برعاية دولية شكلية بالتوازي مع تطبيع عربي مع إسرائيل، من خلال خطوات بناء الثقة، والشراكة الاقتصادية والتعاون الإقليمي والأمني، وبناء مقومات الدولة (ما يعني عودًا على بدء لمتاهة بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال).
أما المؤتمر الدولي الذي سيعقد حتى نهاية العام فعقده أصبح مجرد احتمال، وإذا عُقِدَ فسيكون دوره كما جاء في المسودة المذكورة «المصادقة على هذه المساهمة باسم المجتمع الدولي وتقديمها إلى الأطراف من أجل استئناف المحادثات».
وفي هذا السياق، قال خبير وقيادي فلسطيني إن صيغة البيان الأولى كتبها على الأرجح إسحاق مولخو، مستشار نتنياهو.
لا يعني ما سبق أن الوثيقة الفرنسية التي وزعت على المدعوين قبل حضورهم الاجتماع ممتازة، بل إنها سيئة هي الأخرى، ولكنها تحدثت بشكل قوي عن أهمية قيام دولة فلسطينية، ومخاطر الاستيطان، وجدول زمني للمفاوضات وليس للتنفيذ، مع أن التجربة الطويلة السابقة أثبتت صحة أقوال إسحاق رابين التي أدلى بها مبكرًا «لا مواعيد مقدسة»، فقد انتهت الفترة المحددة في «اتفاق أوسلو» للتوصل إلى اتفاق نهائي في أيار 1999 ومضى العام 2005 المحدد في «خارطة الطريق» للتوصل إلى إقامة الدولة. كما أن الصيغة الختامية ليست جيدة، بل سيئة، ولكنها أقل سوءًا، لأنها غامضة.
رفضت الأطراف العربية في الاجتماع تعديل «المبادرة العربية» والموافقة على التطبيع سلفًا. وأصرّت على إقامة دولة عاصمتها القدس، مع أن التطبيع العربي مع إسرائيل سائر على أساس الوهم بالتلاقي العربي الإسرائيلي في مواجهة الخطر الإيراني، وعلى أمل أن يساعد اللوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا على تليين الموقف الأميركي تجاه الدول العربية، خصوصًا المشاركة في الاجتماع.
الآن، تذكّر مسؤول فلسطيني كما نقلت وكالات الأنباء أن فرنسا قدمت تنازلات لإسرائيل رغم رفضها لمبادرتها وقدمت لها عربون صداقة ومحبة من الجيب الفلسطيني، ما يعني أن الرفض الإسرائيلي هدفه ترويض «المبادرة الفرنسية»، من خلال مطالبة العرب بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وسحب الوعد بالاعتراف بالدولة في حال فشلت الجهود الفرنسية، إضافة إلى اعتذار فرنسا لإسرائيل على التصويت في اليونيسكو وتعهدها بسحبه خلال التصويت القادم. كما اعتبرت مقاطعة إسرائيل عملًا معاديًا للسامية والإنسانية، وطلبت تجميد تقديم مشروع القرار الفلسطيني حول الاستيطان في مجلس الأمن حتى لا يؤثر سلبًا على مبادرتها.
كان من الخطأ تأييد المبادرة الفرنسية والترويج لها في كل أصقاع الدنيا على بياض قبل أن تتضح معالمها، وخاصة مرجعيتها، لأن الحكم على أي مبادرة يتوقف على التزامها بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وبخاصة قرار الاعتراف بدولة فلسطين كعضو «مراقب»، وليس القبول بالذهاب إلى اجتماع للبحث في المرجعية وكأنها غير موجودة، والخروج منه دون مرجعية، الأمر الذي جعل إسرائيل ترحب بهذه النتيجة
ومن الخطأ أيضًا الموافقة على عقد اجتماع دولي عنوانه «القضية الفلسطينية» من دون حضور فلسطيني، هذا الحضور الذي ناضل الفلسطيني طويلًا وقدم تضحيات غالية من أجله، وخاصة أن الأوضاع العربية والإقليمية والدولية والفلسطينية سيئة وغير مناسبة.
كما من الخطأ وضع مصير القضية الفلسطينية بيد «اللجنة الرباعية العربية» من دون أن يسبق ذلك إنجاز وحدة فلسطينية وإستراتيجية ومؤسسة وطنية جامعة، لا سيما أن العرب في أسوأ أحوالهم، وينشدون الرضا الأميركي الإسرائيلي بأي ثمن.
«مش كل مرة بتسلم الجرة»، فمسودة البيان حتى لو لم تمرر إلا أنها تعكس الأجندة الحقيقية الجاري تمريرها، ومن لا يصدق ليتابع ما يقوله ويفعله طوني بلير عن المفاوضات العربية الإسرائيلية دون الموافقة الإسرائيلية على المبادرة العربية، ما يعني تغييرًا جوهريًا فيها، لأنها تقوم على استعداد عربي للاعتراف بإسرائيل والتطبيع الكامل معها مقابل موافقتها على الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة العام 1967.
وفي هذا السياق، قال موشيه كحلون، وزير المالية الإسرائيلي «إن ما يجري من مبادرات واتصالات أكثر من مجرد تلميحات في الصحف، بل هناك احتمال لانعطافة نوعية في الإقليم».
كل ما سبق يشير إلى خطر نجاح بناء حلف (عربي إسرائيلي أميركي) تحت عنوان «القضية الفلسطينية»، ولكنه إذا قام لن يقوم إلا على حسابها، إذ نكون أمام مفاوضات عربية إسرائيلية للتوصل إلى حل إقليمي طالما نادى به اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو، وإذا تحقق سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإذا لم يتحقق سيؤدي إلى إغلاقها من خلال إبقاء المفاوضات العربية الإسرائيلية حولها دائرة إلى أجل غير مسمى، بينما يجري من تحتها تطبيع العلاقات الإسرائيلية – العربية بالكامل، مما يزيل إحدى الأوراق المتبقية.
أما رياض منصور، مندوب فلسطين في الأمم المتحدة، فحمّل دولًا لم يسمّها مسؤولية صدور البيان دون آليات تنفيذ أو جداول زمنية، وأما حنان عشراوي البيان فوصفته «بالعمومية وافتقاره إلى خطوات وأهداف حقيقية وخطة عمل ملموسة، إضافة إلى مساواته بين الطرفين»، بينما تجاهله نبيل أبو ردينة في تصريحه. وقال نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية، «إن الدور الأميركي غير سوي، كما أنه عطّل صدور بيان له مضمون تنفيذي».
بعد كل ما سبق، تنتظر القيادة الفلسطينية توضيحات فرنسية لما جرى.
كان الاجتماع أمام احتمال أن يصل إلى نتائج أسوأ بكثير كما تشير مسودة البيان الختامي التي حاول كيري فرضها بتواطؤ الدولة المضيفة فرنسا.
فقد جاء في هذه المسودة «رحب المجتمعون بالمبادرة التي تهدف إلى إعطاء دفعة جديدة لعملية السلام، وإلى تطوير سلسلة من الحوافز التي يمكن أن تقدمها الأطراف والدول والمنظمات الدولية انطلاقًا من رؤيتها لإعادة بناء الثقة، وخلق المناخ الداعم لاستئناف ناجح للمفاوضات المباشرة. ومثل هذا العمل يمكن أن يغطي مجالات عدة، على سبيل المثال: الشراكة الاقتصادية، التعاون الإقليمي والأمني، بناء مقومات الدولة، إضافة إلى التهدئة، واستئناف المرحلة الانتقالية كما تضمنتها الاتفاقات السابقة». وهذا يعني بوضوح وبكل بساطة تمديد المرحلة الانتقالية، واستئناف المفاوضات المباشرة برعاية دولية شكلية بالتوازي مع تطبيع عربي مع إسرائيل، من خلال خطوات بناء الثقة، والشراكة الاقتصادية والتعاون الإقليمي والأمني، وبناء مقومات الدولة (ما يعني عودًا على بدء لمتاهة بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال).
أما المؤتمر الدولي الذي سيعقد حتى نهاية العام فعقده أصبح مجرد احتمال، وإذا عُقِدَ فسيكون دوره كما جاء في المسودة المذكورة «المصادقة على هذه المساهمة باسم المجتمع الدولي وتقديمها إلى الأطراف من أجل استئناف المحادثات».
وفي هذا السياق، قال خبير وقيادي فلسطيني إن صيغة البيان الأولى كتبها على الأرجح إسحاق مولخو، مستشار نتنياهو.
لا يعني ما سبق أن الوثيقة الفرنسية التي وزعت على المدعوين قبل حضورهم الاجتماع ممتازة، بل إنها سيئة هي الأخرى، ولكنها تحدثت بشكل قوي عن أهمية قيام دولة فلسطينية، ومخاطر الاستيطان، وجدول زمني للمفاوضات وليس للتنفيذ، مع أن التجربة الطويلة السابقة أثبتت صحة أقوال إسحاق رابين التي أدلى بها مبكرًا «لا مواعيد مقدسة»، فقد انتهت الفترة المحددة في «اتفاق أوسلو» للتوصل إلى اتفاق نهائي في أيار 1999 ومضى العام 2005 المحدد في «خارطة الطريق» للتوصل إلى إقامة الدولة. كما أن الصيغة الختامية ليست جيدة، بل سيئة، ولكنها أقل سوءًا، لأنها غامضة.
رفضت الأطراف العربية في الاجتماع تعديل «المبادرة العربية» والموافقة على التطبيع سلفًا. وأصرّت على إقامة دولة عاصمتها القدس، مع أن التطبيع العربي مع إسرائيل سائر على أساس الوهم بالتلاقي العربي الإسرائيلي في مواجهة الخطر الإيراني، وعلى أمل أن يساعد اللوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا على تليين الموقف الأميركي تجاه الدول العربية، خصوصًا المشاركة في الاجتماع.
الآن، تذكّر مسؤول فلسطيني كما نقلت وكالات الأنباء أن فرنسا قدمت تنازلات لإسرائيل رغم رفضها لمبادرتها وقدمت لها عربون صداقة ومحبة من الجيب الفلسطيني، ما يعني أن الرفض الإسرائيلي هدفه ترويض «المبادرة الفرنسية»، من خلال مطالبة العرب بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وسحب الوعد بالاعتراف بالدولة في حال فشلت الجهود الفرنسية، إضافة إلى اعتذار فرنسا لإسرائيل على التصويت في اليونيسكو وتعهدها بسحبه خلال التصويت القادم. كما اعتبرت مقاطعة إسرائيل عملًا معاديًا للسامية والإنسانية، وطلبت تجميد تقديم مشروع القرار الفلسطيني حول الاستيطان في مجلس الأمن حتى لا يؤثر سلبًا على مبادرتها.
كان من الخطأ تأييد المبادرة الفرنسية والترويج لها في كل أصقاع الدنيا على بياض قبل أن تتضح معالمها، وخاصة مرجعيتها، لأن الحكم على أي مبادرة يتوقف على التزامها بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وبخاصة قرار الاعتراف بدولة فلسطين كعضو «مراقب»، وليس القبول بالذهاب إلى اجتماع للبحث في المرجعية وكأنها غير موجودة، والخروج منه دون مرجعية، الأمر الذي جعل إسرائيل ترحب بهذه النتيجة
ومن الخطأ أيضًا الموافقة على عقد اجتماع دولي عنوانه «القضية الفلسطينية» من دون حضور فلسطيني، هذا الحضور الذي ناضل الفلسطيني طويلًا وقدم تضحيات غالية من أجله، وخاصة أن الأوضاع العربية والإقليمية والدولية والفلسطينية سيئة وغير مناسبة.
كما من الخطأ وضع مصير القضية الفلسطينية بيد «اللجنة الرباعية العربية» من دون أن يسبق ذلك إنجاز وحدة فلسطينية وإستراتيجية ومؤسسة وطنية جامعة، لا سيما أن العرب في أسوأ أحوالهم، وينشدون الرضا الأميركي الإسرائيلي بأي ثمن.
«مش كل مرة بتسلم الجرة»، فمسودة البيان حتى لو لم تمرر إلا أنها تعكس الأجندة الحقيقية الجاري تمريرها، ومن لا يصدق ليتابع ما يقوله ويفعله طوني بلير عن المفاوضات العربية الإسرائيلية دون الموافقة الإسرائيلية على المبادرة العربية، ما يعني تغييرًا جوهريًا فيها، لأنها تقوم على استعداد عربي للاعتراف بإسرائيل والتطبيع الكامل معها مقابل موافقتها على الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة العام 1967.
وفي هذا السياق، قال موشيه كحلون، وزير المالية الإسرائيلي «إن ما يجري من مبادرات واتصالات أكثر من مجرد تلميحات في الصحف، بل هناك احتمال لانعطافة نوعية في الإقليم».
كل ما سبق يشير إلى خطر نجاح بناء حلف (عربي إسرائيلي أميركي) تحت عنوان «القضية الفلسطينية»، ولكنه إذا قام لن يقوم إلا على حسابها، إذ نكون أمام مفاوضات عربية إسرائيلية للتوصل إلى حل إقليمي طالما نادى به اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو، وإذا تحقق سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإذا لم يتحقق سيؤدي إلى إغلاقها من خلال إبقاء المفاوضات العربية الإسرائيلية حولها دائرة إلى أجل غير مسمى، بينما يجري من تحتها تطبيع العلاقات الإسرائيلية – العربية بالكامل، مما يزيل إحدى الأوراق المتبقية.