عن داخل «فتح» الذي يغلي!

image-YFCTO8YXJ3HBXUUS
حجم الخط
كلما هبط الحراك المقاوم للاحتلال، ان كان ذلك الذي كانت آخر فصوله على شكل هبة السكاكين في الضفة والقدس، او ذلك الحراك المقاوم لحصار غزة، كلما أرتد الغضب الذي يمور في صدور الشعب الفلسطيني للداخل، وبالتحديد للعنوان القيادي او السلطوي، في كل من الضفة الفلسطينية وقطاع غزة .
هذه معادلة سياسية بسيطة وواضحة، ولا تختلف معادلة الفعل ورد الفعل في السياسة عنها في الفيزياء وفي قوانين الطبيعة، وحيث ان الشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة يقبع تحت نير احتلال دخل هذه الأيام عامه الخمسين، فان الاحتلال بحد ذاته يسبب ضغطا يوميا هائلا ومشاكل لا حصر لها لكل مواطن، ان لم يقم بتفريغ الضغط النفسي الناجم عنها في الاتجاه الصحيح، اي في وجه الاحتلال، فانه سيوجهها في الاتجاه الخطأ، اي تجاه ذاته وللداخل الفلسطيني.
وليس كل الخطأ هو خطأ الاحتلال، وان كان الاحتلال أصلا خطيئة وليس خطأ وحسب، فمن يفترض به ان يقود مقاومة الاحتلال، عليه ان يكون على مستوى المسئولية، أي ان يقود بشكل صحيح، ويحقق نتائج واهداف، بعضها في المدى القصير وبعضها على المدى الطويل، وان لم يفعل، فان تصحيح مساره يبدو فعلا مقاوما، فعلا لا يقل اهمية عن مقاومة الاحتلال نفسه، فحتى مقاومة الاحتلال، وان كانت هدفا نبيلا في بعض وجوهها، إلا انها ليس الغاية، لأن الغاية هي إنهاء الاحتلال، فان لم تكن المقاومة فعالة وصائبة، وبالشكل الصحيح والوجهة الصحيحة، فانها قد تؤدي او تحقق نتائج عكسية.
المهم، ان فتحا هنا وحماسا هناك، تقدمان نفسيهما على أساس انهما مؤهلتان، ان لم تقدم الواحدة منهما نفسها على اساس انها المؤهل الوحيد لقيادة الشعب الفلسطيني من اجل تحريره وانهاء احتلاله، لكن الأولى وبعد واحد وخمسين سنة، لم تحقق الشيء الكثير، وان كانت قد وضعت القضية الفلسطينية التي كانت قضية أنسانية، على طاولة التداول السياسي، أما حماس والتي بلغت من العمر ثلاثين سنة، وساهمت في إطلاق الانتفاضة الأولى التي فرضت اعترافا على اسرائيل بـ «م.ت.ف»، وفرضت عليها أوسلو، ومن ثم حاولت تصحيح المسار الذي نجم عن الانتفاضة التي كانت تعتبرها تخصها او ملكا لها، كذلك حققت إنجازا داخليا تمثل بفرض منطق تداول السلطة على الموروث السياسي الفلسطيني عام 2006، سرعان ما بددت كل ما حققته باللجوء للقوة العسكرية لفض الاختلاف حول ادارة السلطة مع «فتح»، ومن ثم بفصل غزة عن الضفة والقدس والتسبب في الانقسام القائم منذ عشر سنين.
باختصار لابد ان يلحظ الشعب الفلسطيني وهو يقاوم الاحتلال الإسرائيلي أداءه الداخلي، وان يقوم بأحداث تغييرات متواصلة، وحيث ان «الترهل» القيادي بلغ مداه، فقد يكون الأمر وصل الى حد ضرورة احداث الثورة داخل الثورة، كما يقول بذلك بعض كوادر فتح علنا الآن وعلى طريق المطالبة بعقد المؤتمر الحركي السابع.
عشر سنوات أخيرة، والشعب بأسره، مكانك سر، لم تتحقق خطوة واحدة مهمة الى الأمام، بل ان الأمور زادت سوءا، وكل من كان يقول بأن تردي الأوضاع يؤدي الى «الثورة» او التمرد تلقائيا، كان مخطئا أو ان الصواب التام قد جانبه، صحيح ان سوء الأوضاع يكون مبررا للتمرد عليها ورفضها، ولكن ان لم يكن البديل مختلفا، ولم تكن الظروف مناسبة، فان هناك احتمال ان يحدث الأسوأ وهو الإحباط واليأس والقنوط، وبالتالي التسليم للأمر الواقع .
حدث هذا في غزة، ففي مواجهة حالة الانقلاب ابدى الشعب الفلسطيني بعد اشهر قليلة، وفي ذكرى رحيل عرفات في تشرين ثاني 2007 استعدادا هائلا لمواجهة الانقلاب وأسقاطه، لكن عدم وجود من يقود الشعب في غزة لتحقيق هذا الأمر، بدد بشكل حثيث الهمة، لدرجة ان احدا لم يعد يثور من أجل توفير الكهرباء او فتح المعابر.
وحين انطلق شباب انتفاضة السكاكين، توقع البعض ان تتدحرج كرة الثلج، لتشعل النار الكامنة تحت الرماد، لكن مع مرور الوقت احتوت إسرائيل الموقف، وبات تحت السيطرة، وما زال الاحتلال قائما وما زال الانقسام قائما، وما زالت قيادات حماس وفتح  تجلس على مقاعد القيادة والسلطة، رغم انها فشلت في تحقيق اي شيء يذكر منذ عقود لجمهورها الذي يشكل اكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني!
هذا لا يعني بان قواعد وكوادر الحركتين التي تعتبر بمثابة خطوط التواصل مع الشعب، راضية او قابلة الى الأبد بهذا الوضع، الذي يبدو انه يحقق مصلحة مثلث المعاناة _ الاحتلال، الانقسام، والترهل البيروقراطي ـ. العشرات ان لم يكن المئات من عناصر وكوادر «حماس» غادروها باتجاه قوى سياسية اخرى، من الجهاد لـ»داعش»، فيما ذهب المئات كل في حال سبيله، ان لتركيا او قطر، او ايران!
اما «فتح» فان الحالة الداخلية تبدو اكثر صخبا، بحكم طبيعة الحركة وتاريخها، وحيث ان قيادتها قد عجزت للحظة عن وضع حد للانقسام ولا بأي شكل، كذلك اخفقت في تحقيق نتائج في ملف المفاوضات، وحتى انها فشلت حتى اللحظة في وضع حد لحالة محمد دحلان، فان حالة الغليان الداخلي مع مرور الوقت ومع الخوف من رهن مصير الحركة بشخص رئيسها، وهكذا وصل الغليان الداخلي للمجلس الثوري، الذي اخرج للعيان وثيقة الـ47 التي تطالب بعقد المؤتمر السابع الذي كان مقررا العام الماضي، خلال ثلاثة اشهر.