بعد نحو نصف سنة من العمل المكثف، عرض، مؤخراً، أعضاء حركة «قادة من اجل امن اسرائيل»، خطة العمل السياسية الأمنية خاصتهم، والتي تحمل اسم «الأمن اولاً»، وتتميز بأنها ليست متعلقة بشريك فلسطيني قابل للتطبيق بشكل ذاتي من دولة إسرائيل وحدها.
حركة «قادة من أجل أمن إسرائيل»، والتي تأسست بعد حملة «الجرف الصامد» في صيف 2014، تضم اليوم اكثر من 200 عضو، كلهم قادة كبار سابقون في أذرع الامن بينهم رئيس «الموساد» الاسبق، شبتاي شبيت، رئيس الاركان الاسبق، دان حلوتس، رئيس المخابرات الاسبق، عامي ايالون، رئيس «الموساد» الاسبق» داني ياتوم، مأمور السجون المتقاعد» اليك رون، اللواء احتياط داني روتشيلد، والعميد احتياط ايهود غروس. وقبيل اصدار الخطة استعد اعضاء الحركة لحملة اعلامية، ولكن في حينه انضم افيغدور ليبرمان الى الحكومة وعين وزيرا جديدا للدفاع، فخشي اعضاء الحركة من ان تكون كل الاوراق قد سلبت. ومع ذلك فان تصريحات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وليبرمان المشتركة عن استعداد اسرائيل للتفاوض على مبادرة السلام العربية بثت فيهم أملاً متجدداً في أن تأتي الافعال أيضا بعد التصريحات.
«جلسنا في عدة طواقم لاكثر من نصف سنة»، يروي اللواء احتياط داني روتشيلد. «بحثنا وتجادلنا وقررنا الخروج بخطة الى الاعلام، فحصل ما حصل في الحكومة. آمل أن يقرأ اصحاب القرار الخطة ويفهموا بانه بدون هذا فإننا سنضيع».
في كراس يقع في 55 صفحة ارسل، الاسبوع الماضي، الى وزراء الحكومة، النواب، والصحافيين كتب أن «خطة العمل ترسم طريقا للخروج من الطريق المسدود الذي توجد فيه إسرائيل وتحسين وضعها الامني – السياسي. وعمل متداخل فقط – أمني، مدني، اقتصادي وسياسي في الضفة الغربية، القدس وغزة – يمكنه أن يؤدي الى تحسين كبير ودائم في امن اسرائيل، وعليه فيجب أن يتم تبنيها كجملة واحدة».
«كلما تدهور احساس الامن الشخصي، ينقسم الخطاب في اسرائيل ويصبح اكثر عنفا»، قال رئيس الحركة، اللواء احتياط أمنون ريشف، اثناء اطلاق الخطة. «بدلا من الجدال فيما اذا كان يوجد شريك أم لا، يمكن لدولة اسرائيل أن تقدم مبادرة ذاتية وتتخذ خطوات امنية تحسن مكانتها في العالم، تخلق هدوء امنيا، وتوقف الشرخ في الشعب».
«الناس سيستيقظون»
حسب حركة «قادة من أجل أمن اسرائيل»، فان هدف خطة «الأمن اولاً»، هو تعزيز أمن سكان اسرائيل، منع المزيد من التدهور الامني، حفظ الشروط لتسوية دائمة مستقبلية مع الفلسطينيين، زيادة الاحتمالات للتسويات السياسية – الامنية مع دول المنطقة ورفع مستوى مكانة اسرائيل الدولية.
تعرض الخطة من جهة الحاجة الى زيادة الامن الشخصي والوطني، ومن جهة اخرى الحاجة لحفظ الشروط التي تسمح مع حلول الوقت الى عقد مفاوضات لتسوية دائمة مع الفلسطينيين. وتستند الخطة الى مفهوم أمن يدمج القدرة العسكرية الى جانب فهم قيود القوة والاحتياجات الاقتصادية – الاجتماعية لكل السكان.
وحسب المبادئ المركزية للخطة، والتي يصفها قادتها بانها «مبادرة أمنية – سياسية اسرائيلية مستقلة»، ستستمر سيطرة الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية حتى التسوية الدائمة؛ وتتخذ خطوات مستقلة دون تعلق بوجود أو عدم وجود شريك فلسطيني، ينزع الغموض السياسي، في ظل عرض شروط حول مواقف اسرائيل في موضوع حل النزاع ومستقبل الضفة الغربية؛ ويعطى جوابا متعدد المجالات ومتداخلا للتهديدات: خطوات امنية – سياسية ومدنية – اقتصادية في الضفة الغربية، في القدس وفي غزة.
«هدفنا هو تجنيد الرأي العام للاشخاص الذين بدؤوا ييأسون مما يحصل في الدولة ويفهمون بانه بدون مبادرتنا لن يتحرك شيء، وسيبقى مثلما هو»، يقول روتشيلد. «سيئ لنا. لا يمكن فقط أن ندير النزاع، يجب أن نحل النزاع. هناك استجابة في العالم العربي لمبادرات من هذا النوع. انا سعيد جدا لخطاب نتنياهو وليبرمان، ولكن السؤال الكبير هو اذا كان هذا مجرد كلام أم انهما سيشقان ايضا «الميل الاضافي» للافعال.
كيف ستتحقق مبادئ الخطة عمليا؟ حسب الصيغة المقترحة، في المجال الامني، يستكمل بناء «جدار الامن» في الضفة الغربية، ويفرض القانون والنظام في الاحياء الفلسطينية في شرقي القدس من خلال مصادرة السلاح غير القانوني وتصفية اعشاش «الارهاب». في المجال المدني – الاقتصادي، تسن اسرائيل، ضمن امور اخرى، قانون «الاستيعاب، الاخلاء الطوعي، والتعويض» للمستوطنين الاسرائيليين الذين يوافقون على نقل اماكن سكنهم الى نطاق الخط الاخضر.
وحسب الخطة، في المجال السياسي، تعلن اسرائيل عن استعدادها للاعتراف بالاحياء والقرى الفلسطينية في القدس كجزء من الدولة الفلسطينية، حين تقوم، في اتفاق مستقبلي. كما انها تعلن عن تجميد اقامة بلدات اسرائيلية جديدة، توسيع البلدات القائمة، وتطوير البنى التحتية شرقي «الجدار الامني». كما أنها تعلن ايضا عن التزامها الحفاظ المتشدد على الوضع الراهن في الحرم وفي الاماكن المقدسة الاخرى.
في باب القسم السياسي في الخطة تعلن اسرائيل عن قبول مبادئ مبادرة السلام العربية كاساس للمفاوضات ونشر اعلان بان «ليس لها مطالب سيادية في الاراضي شرقي الجدار الامني في الضفة الغربية، وستواصل الاختفاظ بها كأمانة حتى تطبيق ترتيبات أمنية بديلة في تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين». وحسب روتشيلد، فان «من احاديثي مع اناس في العالم العربي فان تصريحا من هذا النوع سيرضيهم».
برأيكم نتنياهو سيكون مستعدا لاطلاق مثل هذا التصريح؟
«آمل أن نعم، رغم أن هذا ليس بسيطا في مثل هذا الائتلاف. موجة العمليات الحالية لم تمر، وفي كل مرة يصعد فيها التوتر الامني يستيقظ الجمهور. وحين يتدهور الوضع الامني سيستيقظ الناس ويفهمون بان لا مفر من الخروج الى خطوة مبادر إليها من جانبنا».
«يوجد هنا جديد»
قد يكون هناك من يتهمهم بالسذاجة وبالانقطاع عن الواقع، ولكن هذا لا يردع اعضاء هذه الحركة. على حد قولهم، رغم التجربة الامنية الثرية لديهم، وربما بسببها، ليسوا يائسين ويحاولون اتخاذ خطوات تغير الواقع الذي نعيش فيه. «افهم ادعاء الانقطاع عن الواقع، ولكن اذا فهمنا معنى الخطة، فان هذا غير منقطع على الاطلاق»، يقول العميد احتياط ايهود غروس، ضابط التعليم الرئيس سابقا. «هناك من سيقول بانه توجد خطط كثيرة قبلنا، وليس هنا ما هو جديد على نحو خاص، ولكن يوجد هنا جديد لأننا نتحدث عن عمل ينقطع عن الحاجة الى شريك. فالخطة توصي بعدة امور تمنحنا أمنا اكبر وتبشر دول العالم باننا نريد السلام.
«نحن والفلسطينيون مثل قضيب حديد يجب ثنيه»، يضيف غروس. «نثني المرة تلو الاخرى ولا ننجح في كسر القضيب الحديدي. وبعد عدة محاولات من الثني سينكسر. هكذا ايضا بالنسبة للسذاجة. محظور الجلوس مكتوفي الايدي، بل الاجتهاد وطرح خطة ليس فيها حاجة الى شريك.
«لقد كانت الفكرة هي أن حلّوا اولاً المشاكل مع الفلسطينيين، وبعد ذلك نطبع العلاقات مع الدول العربية المعتدلة»، يضيف غروس. «ولكن اليوم الامور معاكسة: هناك تقارب مع الدول العربية المعتدلة، وربما عبرها سيكون ممكنا الوصول الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. والاعلان عن أن «ليس لاسرائيل مطالب سيادية على الاراضي شرقي الجدار الامني في الضفة الغربية سيفتح بابا في العالم العربي».
في اقوالهم يحرص اعضاء الحركة على عدم مهاجمة حكومة نتنياهو ويرفضون اتخاذ موقف يمين او يسار. ويقول غروس: «لسنا سياسيين. اراؤنا السياسية هي من كل اطراف الطيف. وبقدر ما أعرف، لا يريد اعضاء الحركة التوجه الى السياسة. الفكرة هي تقريب الطرفين وليس الاستقطاب. اليوم هناك تخوف من أن ينكسر طرف ما ونصل الى دولة واحدة للشعبين. هدف الحملة في نهاية المطاف هو تحقيق أمن أكثر واقناع الجمهور بان هذا هو الطريق لحل الدولتين».
مؤتمر باريس، الذي عقد، الاسبوع الماضي، بمشاركة وزراء خارجية من 29 دولة بهدف تحرك المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، وان كان تعرض لانتقاد شديد من جانب اسرائيل، الا ان اعضاء الحركة بالذات يأملون بان الضغط السياسي الممارس على اسرائيل سيؤدي الى اتخاذ قرارات وربما تبني خطتهم. «خطتنا تستهدف اخراج اسرائيل من العزلة»، يقول غروس. «تغيير موقف العالم المتنور منا. اذا ما قمنا نحن بمبادرة، سينضم العالم الينا، وان لم نفعل – سيفرض علينا خطة خارجية، ولاسيما في الوقت الحالي. وبالمقابل، اذا تبنى نتنياهو الخطة المناسبة لتصريحاته، فيمكن أن تنشأ فرصة جديدة في الشرق الاوسط وتقارب مع الدول العربية. من ناحيتنا فليسمّ هذه خطته. نحن نقترح: خذوا هذا، وان كان لا – فخذوا فقط ما هو جيد، ما يجلب لنا حلا. حملتنا هي وضع خطة يمكنها أن تساعد الحكومة على أن تذهب الى العالم ومعها خطة. بدلا من أن يفرضوا الامر علينا، تعالوا نبدِ مبادرة من جهتنا».