تزاحم مشاريع وسيناريوهات الحل

bd8644285c1f024438cac2fdcfeadafd
حجم الخط
تتزاحم في الفترة الاخيرة الاحاديث والكتابات عن  مشاريع او سينايروهات تطبخ وتجهز لحل للصراع الفلسطيني الصهيوني، ويشكل البعد العربي مكونا اساسيا فيها.
معظم الاحاديث والكتابات تقوم على قراءات تحليلية واستخلاصية خاصة بالكاتب او المحلل لاحداث معينة وتصريحات وتسريبات او لقاءات، رسمية او عرضية. وقد تصل بعض هذه الاحاديث والكتابات الى استنتاجات متسرعة ويصل بعضها الى سيناريو جاهز.
صحيح، ان هذه الاحاديث والكتابات والاستنتاجات لا تأتي كليا من الفراغ التام  او من الخيال التحليلي فقط، فالمنطقة وما حولها وما يرتبط بها تموج فعلا  بالكثير مما يغذي ويشجع على ذلك. لكن صحيح ايضا انه، باستثناء المبادرة الفرنسية بكل الشكوك حولها وحول جديتها وفرص نجاحها ورفض دولة الاحتلال الصريح لها، لا شيء رسميا، ولا شيء محددا.
لا تبدو الاوضاع في المنطقة بشكل عام جاهزة ولا مواتية لمشروع حل جدي يحمل قدرا مقبولا من احتمالات النجاح. فالمنطقة بذاتها وبالارتباط مع المحيط الاقليمي والوضع الدولي تبدو في حالة سيولة لا توفر امكانات وفرص نجاح لمشروع جدي.      فالوضع الدولي في حالة سيولة تجاه المنطقة العربية بشكل عام، لدرجة يصعب عليه ان يقفز عنها الى الاتفاق على مبادرة او مشروع حل لقضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي،وخير مثال على ذلك ما تلاقيه المبادرة الفرنسية من شروط وعدم تجاوب واعتراضات.
 قبل الخروج من حالة السيولة هذه والتوصل الى توافقات بالذات حول النقط الاكثر تفجرا يصعب على المجتمع الدولي، ممثلا بالدرجة الاولى بدوله النافذه، ان يتبنى مشروعا ذا صدقية للحل.
لهذه السيولة الدولية اكثر من سبب منها ما هو متعلق بالمنطقة واوضاعها، ومنها ما يتعلق بالدول النافذة ان لجهة ظروف واولويات كل منها وان لجهة طبيعة العلاقات فيما بينها.
ولجهة الدول العربية فان السيولة لا تقتصر على الاوضاع والمشاكل الصعبة التي تعصف بدول مركزية فيها( سوريا والعراق وبدرجة اقل وشكل مختلف مصر) وتطال بنارها ودمارها دولا اخرى وتهدد دولا اكثر. ولا تقتصر حالة السيولة على عدم قدرة هذه الدول على المبادرة الى بلورة وتبني مشروع خاص بها او الموافقة على مشروع مطروح من اطراف اخرى ودعمه.         
 لكن، وقد يكون الاهم، ان الدول العربية، حتى تلك الاكثر تداولا في الكتابات والاحاديث، لا تبدو جاهزة، وربما غير قادرة،على تحمّل الاكلاف الجماهيرية اولا والسياسية لاتفاقات رسمية علنية ومباشرة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، بالذات اذا لم تحصل على التغطية الفلسطينية المطلوبة.
 ان الحديث الذي يدور في بعض الحالات عن المبادرة العربية واعادة  احيائها وبعض الحديث عن الاستعداد لتنقيحها بتنازلات قد تغري العدو المحتل بقبولها لم يصل الى مرحلة الجدية والتحديد ولا يزال يدور في اطار التسريبات والاستنتاجات المستخلصة من بعض التصريحات والمواقف، اضافة الى بعض الشواهد، مع ضرورة الاعتراف ان الشواهد تتزايد وتصبح اكثر صراحة وتجرؤ.
يبقى ان العامل الاول والاساس المعيق، وبالاحرى المانع، لأي مشروع حل  للصراع الفلسطيني الصهيوني من اي جهة اتى هو موقف دولة الاحتلال.  ان موقف دولة الاحتلال من موضوع الحل يأتي من قناعة فكرية وموقف سياسي مبدئي حاسم يرفض اي حل مع الفلسطينيين يتضمن الانسحاب من الاراضي المحتلة 1967، ووقف الاستيلاء على الاراضي والاستيطان فوقها، وقيام دولة او اي كيان سياسي  للفلسطينيين مهما كانت حدوده ومساحته ووظيفته ومحتواه. ويستند هذا الموقف الى حالة غير مسبوقة من التوافق المجتمعي بكل قواه وتعبيراته المدنية والحزبية السياسية والحكومية، ويقوم على فكر سائد مغرق في يمينيته.
وتستفيد دولة الاحتلال بلا شك في موقفها من الحالة المتردية للوضع العربي بشكل عام من جهة، كما تستفيد من استعداد عدد من الدول العربية، وربما سعيها، كما اصبح واضحا الى مد خيوط العلاقة والتعايش وتطبيع حالة العداء معها حتى لو لم تصل حتى الآن الى درجة التطبييع التام والرسمي. اسرائيل تتعاطى مع هذا السعي بالمناورة  وتتعامل مع ما يناسبها ويعجبها فيه، وتوظفه في مجال التخفيف من الضغط والحصار الدوليين عليها من قوى المجتمع الدولي المدنية، وفي مجال زرع الفتن وتعميق الخلاف بين الدول العربية ومع شعوبها، وقد تلجأ الى التضخيم لتحقيق الغرض.
واسرائيل والحال كذلك لاتتعامل بجدية مع الحديث الذي يدور في بعض الاوساط حول تعديل بنود المبادرة العربية في شكل تنازلات لتصبح مقبولة منها، بالذات ان هذا الحديث لم يصبح رسميا بعد. وفي المرات القليلة التي تعاطت فيها بعض الاوساط الاسرائيلية مع هذا الحديث جاء التعاطي اما بالرفض اوعلى شكل شروط تعجيزية.
اسرائيل لن تقبل في وضعها الحالي المغرق في يمينته وفاشيته بمبادرة رفضتها قبل 14 سنة، اللهم الا اذا عدلت المبادرة الى ما يقترب من صك استسلام وتم تضمينها كل شروطها. ولن تقبل باي مبادرة دولية لا تلبي نفس الشروط ولا تكون الولايات المتحدة الامركية راعيتها والقيادة الحاكمة فيها.
الجانب الفلسطيني الرسمي مغيّب الدور تماما عن هذه الاحداث الا في حدود تلميحات من االبعض واتهامات من البعض الآخر، والا في حدود تجاوب بعض قواه مع وساطات ومقترحات ومشاريع منفردة وجزئية وذات حظوظ ضعيفة جدا في التحقق.
علما بان معظم المشاريع والسيناريوهات كما يتم تداولها، تقوم على حساب الشعب الفلسطيني وخصما من حقوقه الوطنية المشروعة.
ان اي تطور يلحق باي من المشاريع المتداولة سوف يعتمد بالدرجة الاولى على الموقف الفلسطيني وتمسكه بحقوقه وثوابته الوطنية.