إسرائيل تترأس اللجنة القانونية للأمم المتحدة.. العالم يسخر من نفسه!!

هاني حبيب
حجم الخط
هناك عادات وتقاليد وبروتوكولات، غير مكتوبة، لا نص قانونياً إزاءها، لكنها باتت أقوى من كل القوانين، أو تكاد، نتحدث عن المناصب العليا في الدولة العبرية، إذ نلحظ أن كل سلك من هذه المناصب، له رجالاته ومرجعياته المناطقية والوراثية والطائفية المذهبية، والسلك الدبلوماسي في إسرائيل واحد من الأمثلة الصارخة على هذا السلوك التقليدي المتعارف عليه، لذلك، عندما تم تعيين داني دانون سفيراً للدولة العبرية لدى الأمم المتحدة، اعتبر الأمر خروجاً على القاعدة، إذ أن معظم سفراء إسرائيل، إلى أميركا أو إلى الأمم المتحدة، هم من أصول أميركية أو عاشوا في أميركا لفترات طويلة وباتوا مختصين بالعلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، ولهم علاقات وطيدة مع النخب السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة، كان ذلك حال السفراء دوري غولد ورون بروسوار وغابريلا شاليف وابا ايبان، دون أن ننسى رئيس الحكومة حالياً بنيامين نتنياهو!!
داني دانون، يستحق أن يشكل اختلافاً وخلافاً عن هذه القاعدة، أكثر من ذلك، فإن سيرته عصية على اللغة، فالمقارنة بينه وبين نتنياهو، هي خليط مدهش بين المقارنة والمقاربة، فالأول، كان مشاكساً عنيداً للثاني داخل حزب الليكود، كان متحدياً صلباً لنتنياهو خاصة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، عندما أدت تصريحات دانون ضد نتنياهو ووزير حربه يعالون في ذلك الوقت، والتشكيك بقدراتهما في إدارة هذه الحرب، إلى إقالته كنائب لوزير الحرب، هذه العلاقات بين الطرفين، كان يمكن لها أن تزيد من التوتر والعداء بينهما، غير أن «مقاربة» لا بد منها وضعتهما في جانب واحد كونهما يمتلكان خصائص تجمعهما أكثر مما تفرقهما، قدرة عالية على تسويق مواقفهما، إجادة رفيعة للعلاقات العامة، وشجاعة في إظهار أعلى مستوى من العنصرية ضد «الآخر» خاصة الفلسطيني والعربي، ثقة عالية بالنفس تصادر أية صفة للتواضع خاصة عندما يتعلق الأمر بالقدرة على التلاعب بالآخرين على المستوى السياسي في إطار الليكود أو حكومة الائتلاف، كل هذه المقاربات والمقارنات، جعلت دانون يتخطى التقاليد الداخلية والتقاليد الدبلوماسية، إذ من البديهي أن الدبلوماسي، خاصة في الأمم المتحدة، يجب أن يمتاز بالدبلوماسية والتحمّل والصبر واختيار الكلمات الدبلوماسية المناسبة، وهي صفات أبعد ما تكون لدى دانون هذا، المتعجرف والبذيء في اختيار كلماته والتحدي بديلاً عن المجاملة، مع ذلك، فإن نتنياهو رشحه لتولي منصب سفير الدولة العبرية في أكبر دولة في أميركا اللاتينية، البرازيل، وهي الدولة المرشحة لكي تكون ممثلة دائمة العضوية في مجلس الأمن في حال تم تشكيل هذا المجلس من جديد على أسس جديدة، البرازيل رفضت تعيين دانون قنصلاً عاماً لديها، باعتباره رجل الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، محاولات نتنياهو للضغط على البرازيل لم تفلح، يعود ذلك إلى قوة لجان المقاطعة BDS، حيث اتهم كل من نتنياهو ودانون القيادة البرازيلية بالخضوع لضغوط هذه المنظمة، دانون وبعد ترؤسه للجنة القضائية في الأمم المتحدة، اعتبر هذا المنصب، تحدياً لمنظمات ولجان المقاطعة هذه، مع أنه سبق وانسحب مهزوماً من البرازيل بفضل هذه المنظمات.
لأنهما متقاربان إلى حد بعيد، كل منهما يظهر في صورة الآخر، فإن نتنياهو سارع بتعويض توأمه، بمنصب أرقى، ممثلاً للدولة العبرية في الأمم المتحدة، في تحدٍّ صارخ للشركاء والأعضاء في الليكود وخارجه، وتجاوزاً للأعراف والتقاليد، وقد نجحت إسرائيل في أكبر اختراق للمنظمة الدولية، برئاسة اللجنة القانونية، وهي المرة الأولى التي تتولى فيها الدولة العبرية واحدة من اللجان الست الدائمة منذ انضمامها للأمم المتحدة عام 1949، إثر ترشيح مجموعة دول أوروبا الغربية، وتركيا لإسرائيل لرئاسة هذه اللجنة بالغة الأهمية، بعد فشل المجموعة العربية ودول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي في التصدي لهذه الخطوة، وهناك إشارات إلى أن أربع دول عربية قد أيدت الترشيح الإسرائيلي لرئاسة هذه اللجنة، إلاّ أن ذلك لم يؤكد حتى كتابة هذه السطور من مصدر موثوق.
للتهوين من هذه المسألة، والتشكيك بخطورتها، تحاول المنظومة العربية تبرير فشلها في أن كافة المنظمات الخمس الأخرى، تم التوافق بشأنها بالإجماع حتى قبل التصويت، بينما اللجنة القانونية، احتاجت إلى تصويت سري، مع مرشحين آخرين إلى جانب إسرائيل، التي فازت في نهاية الأمر بأغلبية الأصوات لرئاسة أهم لجنة من لجان الأمم المتحدة، ليس فقط من حيث صلاحياتها، ولكن لأن هذه الصلاحيات تتعارض أصلاً، مع موقف الأمم المتحدة من إسرائيل، رئيسة اللجنة القانونية، فهذه اللجنة مختصة ضمن اختصاصات عديدة بمحاربة الارهاب، بينما إسرائيل هي ذاتها التي تدير ظهرها لقرارات الأمم المتحدة، عوضاً عن اتهاماتها المتكررة كدولة ارهاب، دولة خارجة على القانون الدولي، هي التي يناط بها تحقيق القانون الدولي خاصة في مجال محاربة الارهاب.
وصول إسرائيل إلى رئاسة اللجنة القانونية للأمم المتحدة، تحدٍ لكل العالم ولشعوبه الحرة وللإنسان أينما كان، لكن ذلك، أيضاً، دليل على فشل الدبلوماسية الفلسطينية والعربية، في وقت تنجح فيه الدبلوماسية الشعبية التي تعمل عليها منظمات المقاطعة مثل BDS!!.