المصالحة تلك الحكاية التي لا تنتهي أحاديثها!!

thumbgen (5)
حجم الخط
 

قصة المصالحة هي رواية طال عمر تداولها.. واليوم، هي تشهد بداية الدخول في عامها العاشر .

لم يبق مفكر أو سياسي أو ناشط مجتمعي إلا وأفرد لها صفحات للحديث عنها، واجتهد في تقديم المبادرات أو تحليل ما ورد بأقلام آخرين منها.

كانت البداية مع اتفاق مكة في فبراير 2007, والذي شهدنا فيه فرحة حقيقية عمَّت الشارع، وعبَّر فيها الناس عن سعادتهم بالاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية.

ثلاثة شهور أعقبت ذلك الاتفاق، وفجأة انتكست كل الآمال وتراجعت الأماني، وعدنا إلى سياسة قرع الطبول والحرب الكلامية، والتي سرعان ما عجَّلت بالمواجهات الدامية، حيث أعملنا السيف في رقاب بعضنا البعض، وجرت الدماء الحرام أبطحاً، ليتشظى الوطن، وتتباعد النفوس، ويقع الانقسام البغيض، والذي نعاني حتى اليوم ويلاته، ولا ندري متى يأتي الفرج ونطوي صفحاته.

كان اتفاق القاهرة في مايو 2011 محطةً للتفاؤل والأمل، وذلك بعد العديد من الجولات التي سبقته، والتي طفنا فيها العواصم بحثاً عن اتفاق أو تفاهمات تحقق المصالحة وتنهي الانقسام. في الحقيقة، كانت نبرات خطاب التغيير والإصلاح في الساحات والميادين، وتحركات النهوض العربي من حولنا تبعث فينا الأمل من جديد، وقلنا إن نهاية الربيع العربي هي بالتأكيد نظام عربي ينتصر للمظلوم، ويأتي بوحدتنا الفلسطينية، وكانت الطريق أمامنا معبدة لتحقيق تلك الخطوة من المصالحة بإمكانياتنا الذاتية، ولكن – للأسف – أضاعت حسابات بعض القيادات التي تفتقد إلى الحكمة تلك الفرصة، وخسرنا بعضنا بعضاً أكثر وأكثر، وتعقدت إمكانية الحل، وتباعدت بيننا المواقف والدروب.

لقد كانت فرصة حماس كبيرة لتحقيق ما نصبو إليه في الفترة التي وصل فيها الإسلاميون إلى مشهد الحكم والسياسة في مصر، ولكن الفرصة ضاعت؛ لأن البعض تنكب الجادة، وراهن – بانفعالاته - على الأحلام.

وتأسيساً عليه نقول: إذا كانت حماس قد أخطأت في تقدير الموقف إبَّان حكم محمد مرسي، ولم تكن بالفطنة السياسية التي تجعلها تقدم ما يغري الآخر، ويقطع الطريق أمام ترددات السلطة وحركة فتح، فإن الإشكالية القائمة منذ وصول الرئيس السيسي للحكم هو أن السلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها اليوم تكرر نفس الخطأ في تقديرها للموقف، وتضع من العراقيل ما يجعل من الصعب على الطرف الآخر (حماس) قبول ما تقدمه من اشتراطات أو مقترحات حل.

باختصار: إن غياب الثقة وفذلكات البعض هنا وهناك بددت الفرص، التي لاحت في الأفق على مدار عقد من الزمان تقريباً، وجعلت كل طرف - للأسف - يعمل على مأسسة الانقسام، وتعقيد إمكانيات الحل والخلاص من المأزق السياسي الذي وصلنا إليه.

إن نظرة واحدة للشارع كافية للحكم بأن الناس قد فقدت ثقتها بقياداتها السياسية، وأن منسوب الأمل قد تراجع لديها إلى أدنى الدرجات، ولم تعد أحاديث المصالحة تطربها أو تشغل بالها، وقد استسلمت لقدرها بأن التغيير لن يتحقق إلا بشرط "حتى يغيروا ما بأنفسهم". أي يجب أن يغيب عن المشهد بعضاً من هؤلاء وأولئك، الذين كانوا طرفاً في الأزمة، وليس لديهم من واقع الخطاب أو السلوك ما يوحي بأنهم جزءٌ من خريطة الحل.

اليوم، هناك تحركات متسارعة باتجاه الدوحة والقاهرة، فهل تحمل في طياتها بشريات أمل جديد، أو هي جولات ليست أكثر من مراوحة في المكان؟!

هل وجوه المشكلة وتعقيدات الأزمة التي نشاهدها هنا وهناك قادرة على الوصول إلى حل يعيد إلى الوطن أهله، أما أن لقاءات "المكاذبة"، كما يحلو للبعض تسميتها، ستظل هي ديدن واقعنا السياسي المضطرب، والمثخن بالفشل والإحباط ؟!!

كما قلنا وكتبنا مئات المرات، إن الإشكالية ليست في نقص الأفكار والمبادرات للخروج من نفق الأزمة، والتوصل إلى حلول تريح الطرفين، ويجتمع معها شمل الوطن، فهذه والحمد لله عندنا فيها ترف ووفرة في الخيارات، بالطبع إذا توفرت الإرادة السياسية، وتخلصنا من التبعية الإقليمية في تقديرنا لمواقفنا ومصالح شعبنا .

لقد تابعت خلال الأسابيع القليلة الماضية الكثير من الكتابات والتصريحات لقيادات سياسية من مختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي، والكثير منها في مبادراتها تعكس نبرة إيجابية قد تعين على جمع الصف، وتدفع بسفينتنا الفلسطينية للوصول إلى شاطئ الأمان.. لقد أثقلتا سنوات التيه، برغم الوضوح الذي نشاهده في بوصلة هؤلاء.

إن أستعرض بعض العناوين والمضامين لأطروحات إخواننا من جهابذة التصريحات النارية في فتح وحماس، والتي تحمل نبرة تشاؤمية، لا تتناسب مع ما نرمي إليه ويرجوه شعبنا من مصالحة تنهي الانقسام، وخاصة ونحن بدأنا نحط رحالنا في القاهرة والدوحة، وربما تجمعنا مكة من جديد، بأمل أن يصبح عندنا هذا العام بدل العيد عيدين؛ عيد الفطر وعيد المصالحة.

المصالحة: النجاح واحتمالات الفشل

السؤال الذي يطرح نفسه: إذا فشلت جهود المصالحة فماذا أنتم فاعلون؟ وما هو المطلوب عمله؟

لا شكَّ في ظل هذه الحالة المأساوية وطنياً، والتي يعيشها شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، تفرض علينا أن نفكر بطريقة عملية تجعل تلك القيادات تدرك أننا لسنا قطيعاً من الأغنام يمكن العبث بأقدارنا ومصائرنا، بل نحن شعبٌ عصي على الانكسار والترويض تحت إغراءات هذا الطرف أو ترهيب الطرف الآخر. إننا بحاجة إلى جملة من التحركات وأشكال الفعل التي تجعل من استمرار الانقسام حلاً مريحاً لهذا الطرف أو ذاك.

وعليه؛ فإنني أقترح بعض إمكانيات الفعل، التي تردع استمرار حالة الانقسام، وتدفع الجميع للعودة إلى حاضنتهم الشعبية، وتقديم كل ما يلزم لتستقيم حالتنا السياسية، ويجتمع شمل الوطن، ومنها:

_ حملات شعبية تنزع الثقة من الجميع، وتظهر نتائجها إعلامياً في استطلاعات الرأي بطريقة صادمة للطرفين، كتلك التي قدَّمت مؤشرات بتراجع مكانة الرئيس أبو مازن وفقدانه لثلثي شعبيته، وتراجع التأييد لسياسته.

_ حركات طلابية داخل الجامعات بواجهات وطنية وليست حزبية، تدعو إلى اجتماع الصف ونبذ الفرقة والانقسام.

_ الدعوة إلى إطار وطني جامع يتخطى ما هو قائم من فصائل وتنظيمات، ويتحرك بأجندة توافقية تستجيب لمطالب شعبنا في الحرية والاستقلال، وتحمي ثوابتنا وحقوقنا الوطنية .

_ المطالبة بتغيير الوجوه التي تفاوض، والاتفاق على رؤية وطنية لإنهاء الانقسام، وحضور فاعل للإطار القيادي كضابط إيقاع لما يتم التوافق عليه.

_ إشراك واسع للكل الوطني في حوارات المصالحة في الداخل الفلسطيني، والتسليم ومنح الثقة بما يتم التوافق عليه من حلول بين الجميع.

ختاماً.. إن السياسة التي يلعب على حبلها البعض بالعمل على تغييب الحل واستمرار المناكفات، ستكون هي الشرارة لتمرد الشارع وثورته، والدافع وراء تغيير الخريطة السياسية والحزبية لهذا الوطن عاجلاً أم آجلاً.