لم يطل الانتظار طويلاً، وعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لارتداء زيه الرسمي كزعيم لليمين المتطرف في إسرائيل.
وبعد «نوبة الاعتدال» التي أصابته جراء رغبته في تمرير تعيين الفاشي أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع، والتي أطلق الاثنان خلالها تصريحات توحي بوجود نقاط يعتبرانها إيجابية في مبادرة السلام العربية، قرر نتنياهو أنه يرفض أن تشكل المبادرة أساساً للمفاوضات.
وكان الإيحاء باعتبار المبادرة أساساً للمفاوضات التذكرة التي حاول استخدامها لدخول قلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحثه على لعب دور الوساطة في محاولة لإفشال المبادرة الفرنسية.
وقال نتنياهو، في اجتماع لوزراء كتلة «الليكود»، أنه لن يوافق أبداً على قبول مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. ونقلت «هآرتس» فحوى هذا الكلام عن اثنين ممن شاركوا في الجلسة، حيث قال نتنياهو انه «إذا فهمت الدول العربية أن عليها أن تعدل مبادرتها للسلام حسب التغييرات التي تطالب بها إسرائيل، فسيكون عندها ما يمكن الحديث فيه. أما إذا جاءت بالمبادرة من العام 2002، وقالت إما أن تأخذوها او تتركوها Take It or Leave It فإننا عندها سنختار أن نتركها Leave It ».
واعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية، في حديثه مع وزرائه، أن الجانب الايجابي في المبادرة هو استعداد الدول العربية للوصول إلى سلام وتطبيع مع إسرائيل. ومن الجهة الأخرى أوضح بان الجوانب السلبية هي المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى خطوط 67 مع تبادل للأراضي، والانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة ومسألة اللاجئين.
ونفى نتنياهو أن يكون مقال رئيس مكتبه السابق نتان ايشل، الذي نشر في «هآرتس» قبل أسبوعين، كان بناء على طلبه. وفي تلك المقالة ادعى ايشل أن نتنياهو كان على وشك إدخال المعسكر الصهيوني إلى الحكومة بهدف تنفيذ خطوة سياسية، لكن المعارضة في اليسار لحكومة الوحدة مع «الليكود» أفشلت الخطوة. وقال نتنياهو للوزراء إن «ما كتب هناك لا يعكس موقفي».
وكانت الجامعة العربية قد تبنت مبادرة السلام السعودية في العام 2002، وصارت منذئذ «مبادرة السلام العربية». وحسب هذه المبادرة، فانه إذا توصلت إسرائيل إلى اتفاق مع الفلسطينيين تقام في إطاره دولة فلسطينية على أساس خطوط 67 مع تبادل للأراضي، ومع شرق القدس عاصمة لها، وفي ظل حل عادل ومتفق عليه لمسألة اللاجئين، فان كل الدول العربية ستوقع على اتفاقات سلام مع إسرائيل وتقيم معها علاقات ديبلوماسية طبيعية.
وكان نتنياهو تناول في السنوات الأخيرة مبادرة السلام العربية عدة مرات، وادعى بأنه يأمل ألا تكون المبادرة إملاء وان تكون مفتوحة للتعديلات. في أيار 2015، في استعراض أمام المراسلين السياسيين قال نتنياهو انه يجب تعديل المبادرة. «توجد في المبادرة العربية أمور ايجابية وأمور سلبية أكل عليها الدهر وشرب ـ مثل الطلب أن تعيد إسرائيل الجولان أو مسألة اللاجئين»، كما شدد في حينه. «المبادرة طرحت قبل 13 سنة، ومنذئذ تغيرت الكثير من الأمور في الشرق الأوسط، ولكن الفكرة العامة لمحاولة تحقيق تفاهمات مع الدول الرائدة في العالم العربي، هي فكرة جيدة».
وأثار نتنياهو اهتماماً في العاصمة الروسية مؤخراً حينما حاول دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة بشكل أوسع في مساعي حث مبادرة إقليمية للسلام مع الدول العربية. وحسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فإن نتنياهو أبدى استعداده لقبول المبادرة العربية كأساس للمفاوضات. وأثار كلام لافروف ضجة كبيرة في إسرائيل، اضطر ديوان نتنياهو بعده إلى إصدار بلاغ يبين أنه لم يتم التطرق أبداً في حديث نتنياهو مع بوتين إلى المبادرة العربية.
وربما أن هذه النقطة التي ظهرت للعيان هي ما دفعت المعلق السياسي في موقع صحيفة «برافدا» الروسية إلى القول إنه خلافاً للإيحاءات الإسرائيلية بنجاح الزيارة كانت نتيجتها فشلاً ذريعاً. وكتب أن روسيا وجهت صفعة قوية لإسرائيل حين رفضت تقريباً كل مطالبها بشأن وقف توريد السلاح لسوريا وحجب السلاح عن «حزب الله» وكذا في ما يتعلق بالتسوية. وقد أكد بوتين استعداد روسيا للوساطة، ولكن على أرضية الحل العادل الذي توفره المبادرة العربية، وليس محاولات نتنياهو للتهرب من الاستحقاقات الدولية.
وعمدت «هآرتس» لانتقاد تذبذب نتنياهو، وكتبت في افتتاحيتها أن كلامه أمام وزرائه عن المبادرة العربية ليس سوى «عودة إلى الرفض». وأشارت إلى أن هذا «ليس مجرد انحراف متجدد يميناً بأسلوب نتنياهو الدائم، بل تكرار لنمط متعب، هدفه الإحباط المسبق للمفاوضات، والامتناع عن البحث في المسائل المندرجة فيها. نتنياهو، الذي يعلن بين الحين والآخر بأنه ملتزم بحل الدولتين (ويصرح أيضاً عكس ذلك) وبالمفاوضات السياسية، يحرص على طرح شروط (مثل الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، في أثناء المفاوضات التي أدارتها الحكومة السابقة مع السلطة الفلسطينية)، والتي تمنع بدء الحوار. إذا لم يكن راضياً عن المبادرة العربية، فليتفضل بعرض مبادرة سلام خاصة به. حتى الآن يتلخص عمله في المجال بالتصريحات الفارغة والمتناقضة وبمحاولات التخريب على المبادرات القائمة».
من جهة أخرى، اجتمع نتنياهو أمس مع سفراء دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) المعتمدين في إسرائيل، وأشار إلى الأحداث الإرهابية الأخيرة في العالم، قاصداً ما جرى في مجمع شارونا قرب وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب وما جرى في أورلاندو الأميركية. وقال إن «الإرهاب لا يعرف الحدود، وهذا هو سبب تعاوننا في أن النضال ضد الإرهاب ينبغي أن يغدو أيضا بلا حدود».
وحسب نتنياهو فإنه «قبل يومين دخل إرهابي لناد ليلي وقتل 50 شخصاً بريئاً، نساء ورجالا. هؤلاء لم يقترفوا أي سوء، رقصوا مع أصدقائهم واستمتعوا بموسيقى مع زملائهم. الإرهابي الذي قتلهم انطلق من دوافع غير متسامحة تجاه المثليين ومن كراهية للتعددية والحرية. قبل أيام من ذلك، إرهابي دخل إلى مقهى في تل أبيب وقتل أربعة إسرائيليين، وهم أيضا لا لذنب اقترفوه».
وأضاف نتنياهو أنه «في يوم يقتل داعش المثليين، في اليوم التالي أيزيديين، بعده يهودا، مسلمين ومسيحيين. لا صلة للأمر بهوية الضحايا. الأمر يتحدد على أساس طبيعة الفعل. هذا عمل شرير وينفذه أناس ذوو نوايا شيطانية، ونحن، رجال العالم المتحضر، ينبغي أن نتحد لهزيمتهم». وخلص إلى عرض مساعدة إسرائيل لنضال العالم ضد الإرهاب، قائلا «نحن مستعدون لمساعدة الناتو في هذا النضال المشترك. ونحن مستعدون لإشراك الناتو في معلوماتنا الاستخبارية وفي خبرتنا من أجل المساعدة في هذا الجهد المشترك».
مُقربون من نتنياهو قلقون بسبب إجراءات المتطرف "بن غفير"
27 سبتمبر 2023