«حماس» على مفترق طرق ..

images
حجم الخط

جرت في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، أول من أمس، "لعبة محاكاة" حول سيناريو مستقبلي حول التطورات المحتملة في المنطقة في الايام التي ستلي القضاء على "داعش"، لا سيما في سورية والعراق. وقد شارك في هذه اللعبة اسرائيليون ورجال اكاديميا ورجال حكم وسياسة وصحافيون، مثّلوا أدوار القوى العظمى مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين والاتحاد الاوروبي، وايضا دولا عربية واسلامية في المنطقة مثل مصر، الاردن، السعودية، ايران وسورية، اضافة الى منظمات شبه دولة مثل السلطة الفلسطينية و"حماس".
للأسف الشديد، أثبتت التجربة الاكاديمية والاستخبارية أنه في معظم الحالات فان الواقع يتغلب على الخيال، ودائما سيفاجئنا المخطط الالهي بسيناريوهات تختلف عن افكار النهاية. ورغم التجربة السيئة، فان القادة يفضلون نقاش السيناريوهات الممكنة وبلورة طرق عمل ممكنة تنبع منها. والهدف هو دراسة احداث الماضي واستخلاص الدروس من اجل مواجهة ما هو متوقع عن طريق اعمال يمكن الاستعداد لها مسبقا.
اللاعبون الذين شاركوا في اللعبة مثلوا الصراعات واقترحوا الحلول والتوقعات على ضوء السيناريو، وقد ظهر أن معظمهم مثلوا اطارا مستقبليا متفائلا. يمكن أن هذا التوقع المتفائل شمل أيضا أمنيات تذكر بحلم السلام والدمقرطة التي ميزت الايام الاولى من اندلاع "الربيع العربي" الذي نعرف جميعنا كيف تطور.
تضمن السيناريو تكهنات تتعلق بالعلاقات الثنائية بين الدول في الشرق الأوسط، وعلاقات بين "دول تحافظ على الوضع الراهن" و"دول إصلاحية" تتحرك وتتطلع لتحسين الوضع. وأظهر السيناريو تخليّاً عن الفلسطينيين، إذ لم تعد اعتبارات الفلسطينيين وتطلعاتهم موجودة في شبكة المصالح المطروحة على الساحة.
يدور الحديث عن اندثار النظرة الكاذبة التي تقول إن المشكلة الفلسطينية هي سبب الصراع الاقليمي، وحلها سيأتي بالسلام. على لوحة البلياردو الاقليمية توجد الآن مصالح الدول العربية التي تواجه تراجع مدخولات النفط وتستعد للتهديد الايراني في حين أن الراعي الأميركي غير مبالي. ويبدو أن الدول تستعد سرا لادخال اسرائيل في عملية الدفاع، لذلك فهي تعتبر أن حل المشكلة الفلسطينية هو أمر مقلق وبحاجة الى مصالحة وطنية كشرط للاستمرار.
على اللوحة الاقليمية المتبلورة تلاحظ "حماس" التغييرات السيئة في مواقف الدولتين الراعيتين لها – قطر وتركيا – وتختنق في اعقاب الحصار الذي تشارك فيه مصر الى جانب إسرائيل وإغلاق صنبور السلاح والمساعدة الإيرانية. الآن تخرج "حماس" عن طورها لتثبت لمصر والأردن أنها ليست شريكاً في التحركات التآمرية لـ "الإخوان المسلمين" أو "داعش" ضدهما، وتعرّف نفسها بصفتها حركة تحرر وطني فلسطينية "دينية".
في ظل واقع العزلة والحصار الذي تزايد في اعقاب هزيمتها في "الجرف الصامد"، واضافة الى القدرات التكنولوجية لاسرائيل لافشال جهودها العسكرية، فان "حماس" تسعى الآن الى اقتحام الاغلاق وتوفير الاستقرار الاقتصادي للسكان من اجل استقرار سلطتها. ورغم الشك في مصر والاردن والسعودية الذين يميلون للسلطة الفلسطينية، فان "حماس" ستوافق على الوساطة المصرية التي ستؤدي الى وضع شرطة فلسطينية في معبر رفح – بشرط أن يتم فتحه. وبسبب الوضع الصعب ستوافق "حماس" على "الهدنة" مع إسرائيل كي يتم استغلالها من اجل إعادة التسلح.
وفي الواقع، تقف "حماس" أمام مفترق طرق. فمن جهة تريد الابتعاد عن الصورة "الإسلاموية"، لكن من جهة ثانية تريد المحافظة على قدراتها العسكرية وعلى صورة "أنه لا يمكن توقع ما تفعله" في مواجهة مبادرة يمكن أن تحرج الزعماء العرب. وفي سيناريو من هذا النوع، ستصف "حماس" الأنظمة العربية بأنها متعاونة مع "الصليبيين" والصهاينة وقتلة الفلسطينيين في غزة.
ستستمر "حماس" في اعتبار السلطة الفلسطينية كيانا فاسدا مستعدا للتنازل عن "فلسطين المحتلة" وسترفض أن تعود السلطة الفلسطينية للسيطرة على غزة. هذا هو السيناريو – فلننتظر ونرَ.