التغيير في إسرائيل وهم

عبد الناصر النجار
حجم الخط
الحركة السياسية النشطة في إسرائيل تدلّ في ظاهرها وكأن هناك تحوّلات جذرية أصبحت قريبة، ولكن منطق الأشياء وواقع الأمر يقول إن التغيير العميق في إسرائيل هو أقرب للخيال منه للواقع لعوامل موضوعية أهمها أن المشكلة في الكيان الإسرائيلي ليست فقط في القيادة السياسية، بقدر ما تعبر عن أيديولوجيا جماهيرية تبلورت بشكل واضح في السنوات الأخيرة.
قبل أيام دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق ايهود باراك إلى «انقلاب أبيض» على الحكومة الإسرائيلية، موضحاً أن دعوته تقوم على قاعدة أن يخرج الإسرائيليون إلى الشوارع في ثورة اجتماعية قادرة على إسقاط حكومة نتنياهو لأنها فشلت سياسياً واقتصادياً واجتماعياً حسب نظرة باراك.
لكن المدهش أن تصريحات باراك هذه هي نقيض أفعاله خلال فترة حكمه، بل التي لم تختلف عن حكم اليمين بقيادة «الليكود»، خاصة في المجال السياسي، بحيث أنه كان أول من أعلن عدم وجود شريك فلسطيني، أو أنه كان يبحث عن نموذج يحلم به كروابط القرى مثلاً أو شبه ذلك.
الشارع الإسرائيلي، أيضاً، لم يأخذ تصريحات باراك على محمل الجد فلم يخرج إلى الشوارع، ولم يرفع الشعارات التي تدعو إلى إسقاط نتنياهو.
الحراك لم يقتصر على باراك بل تعدّاه، أيضاً، إلى موشي يعالون وزير الدفاع السابق الذي أعلن أنه سيترشح لمنصب رئيس الوزراء.
يعالون الذي كان يعتبر وزير الدفاع الأكثر تطرفاً وميلاً نحو اليمين يعتقد أن نتنياهو يتعمّد إخافة الإسرائيليين من أجل الحفاظ على سلطته ومنصبه، ولعلّ تصريحاته المتكررة حول التهديد الوجودي لإسرائيل ينبع من مفهوم مواصلة السيطرة.
المشكلة هنا أن يعالون يتحدث وكأن الانتخابات الإسرائيلية على الأبواب، وأن استطلاعات الرأي تشير إلى فوزه القريب وهذا عكس المنطق والواقع.
بعد انضمام وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان إلى حكومة نتنياهو أصبحت الحكومة اليمينية أكثر قوة وتماسكاً مما كان عليه الوضع قبل عدة أشهر مثلاً. فالحكومة الإسرائيلية أقوى في مواجهة المعارضة التي قلّ وزنها.
حكومة نتنياهو اليوم لديها ما يقارب من 66 عضو كنيست أي هي تعمل في وضع أكثر راحة مما كانت عليه سابقاً عندما كانت على حاجز الـ61 مقعداً. أي مهددة بصوت واحد. وعليه فإن دعوة يعالون للترشح في هذا الوقت ربما لا تعني كثيراً في حلبة التغيير في الخارطة الإسرائيلية السياسية.
محاولة ثالثة، أيضاً، تم الإعلان عنها، أول من أمس، من قِبَل رئيسي أركان الجيش الإسرائيلي السابقين بيني غانتس، وغابي أشكنازي والتي تتلخص بعزمهما تأسيس حركة اجتماعية جديدة بمشاركة وزير التعليم السابق الحاخام شاي بيرون من حزب «ييش عتيد» (يوجد مستقبل) الذي يترأسه يائير لابيد.
الحركة الاجتماعية ستكون بمثابة حزب يميني وسطي، وسيكون البرنامج السياسي هو أقرب إلى طروحات حكومة نتنياهو اليوم من التوجه إلى وضع أكثر ليبرالية، أو أن يمتلك هذا الحزب الجديد القدرة على إحداث تغيير حقيقي في الخارطة الإسرائيلية.
وفي هذا المضمار، أيضاً، لا يمكن إغفال محاولات وزيرة الخارجية السابقة تسيفي ليفني التي، أيضاً، ما زالت تعلن طموحها للترشح، معتبرة أن حكومة نتنياهو تمثل كارثة على الشعب الإسرائيلي.
إذاً، المرشحون منذ اليوم كثر، ولكنهم لا يملكون القدرة على المستوى القصير أو المتوسط الأمد على فعل شيء ذي قيمة، يمكن أن يغير الجمهور الإسرائيلي. بمعنى أن عقودا من بناء عقيدة يمينية متعصبة، وفي بعض الأحيان عنصرية تمثل غالبية الإسرائيليين، ليس من السهل تغيير قواعد وأسس هذه العقيدة من خلال حراك نخبوي إسرائيلي قادم من القمة وليس القاعدة.
حتى أن النخبة التي نتحدث عنها فإن الحكم على تجربتها في السلطة هو أسوأ من الحكم على حكومة نتنياهو، لأن السياسة الحالية هي امتداد للسياسات السابقة.
كثير من النخب الإسرائيلية خاصة الأشكنازية (الغربية) ربما تحلم بإحداث تغيير في مجتمع أصبح أكثر عنصرية، أو تغيير شكل النظام السياسي الذي تبلور بوضوح خلال العقدين الأخيرين على الأقل هو أقرب إلى الوهم.
هذا الوهم الذي أصبح يدغدغ ربما مشاعر كثير من الأنظمة العربية أيضا في أن ترى قيادة إسرائيلية أقلّ تطرفاً لعلها تجد في ذلك ممراً للعودة إلى المحادثات السياسية التي ستظل تدور في فلكها سنوات طويلة...!!